[caption id="attachment_454667" align="alignleft" width="225"] زاهر الغافري خلال توقيع كتابه الأخير في معرض الكتاب[/caption]
حوار ـ عاصم الشيدي -
ليس سهلا أن تدخل إلى تفاصيل تجربة الشاعر زاهر الغافري.. فتجربته مليئة بالتفاصيل، ولديها قدرة كثيفة في التماس مع الأشياء بحساسية مفرطة، فالجمادات في قصيدته تتحول إلى كائنات حية لها أرواح.. الجدار يتحول إلى كائن يحس، ويشعر وله روح تنبض بالحياة، الزوايا المهملة أحيانا أماكن أثيرة لدى زاهر.
أصدر أخيرا مجموعة شعرية جديدة حملت عنوان «حياة واحدة سلالم كثيرة» استعاد فيها علاقته بالأمكنة الأثيرة لديه.. زاهر الغافري رغم أنه يعيش قطيعة مع أماكن طفولته من حيث زيارته إلا أن تلك الأمكنة لا تزال تشغله وتشغل نصه الشعري، فغيابه عنها هو أشبه بحضور كثيف وطاغ على المستوى الشعوري بها. حنينه لها لا ينقطع، وعلاقته بأزمنتها السحيقة حاضرة حتى في حديثه اليومي العادي.
في هذا الحوار حاولنا أن نقترب أكثر من زاهر الغافري لنعرف مصدر حنينه ونوازعه، لنعرف أكثر عن مفردات الزمن والموت في قصيدته. لنعرف علاقته بالطبيعة الأولى التي فتح عينها عليها.. تلك الحجارة الملساء وتلك الزوايا البعيدة وتلك السلالم التي اختلس تحتها قبلته الأولى في ثغر الحياة.
• يحتفل الشعر والشعراء غدا بيومهم السنوي.. ماذا يقول زاهر الغافري في هذه المناسبة؟
تخصيص يوم للشعر أشبه بالفكاهة أو الدعابة بالنسبة للشاعر، الشعر دائما يرتبط بكينونة وحياة الإنسان، وأظن أن هذا المفهوم، مفهوم تخصيص اليوم أمام التجربة الشعرية سيكون يوما قاصرا، لا يلبي مفهوم الكتابة الشعرية أو الشعر نفسه.. الشعر دائما منفلت غاضب أحيانا وغير قادر على أن يتحقق في كتابة جاهزة. الشعر مثل الأم أو الخالة/ الطبيعة تعطيك الأساس والخالة دائما مهمة «يا أجمل الخالات في الخارج الليل أبيض وأسود».
• ماذا يمثل لك الشعر؟
شخصيا يمثل الشعر لي تجربة حياة وكتابة، الكتابة هنا بمفهوم الحضور والغياب، ومفهوم الزمن.. سأذهب في تفاصيل لهذه المحاور وهذه بالنسبة لي تجربة كبرى على صعيد الكتابة.
الزمن بالنسبة لي مثلا ليس غيابا ولا موتا، إنما امتداد هائل وكبير، ليس بالنسبة للشعر وإنما للإنسان على هذا الكوكب، على الصعيد الشعري الزمني الخاص هو لحظة الكتابة الشعرية عندما أجد أن العالم يكاد يختفي من بين يدي هنا أشعر بالرعب، أكتشف نفسي أنني شخص وحيد، رجل وحيد، أكتشف أن العزلة أحيانا مخيفة، لأنها مرتبطة بهذا المفهوم، وأشعر وأحس أن الألم، ألم الكتابة، ألم الشعر في منتهى القسوة، ولا أظن أن الشعر كائن اجتماعي، الشعر بحاجة إلى مساحة هائلة، لأن الشعر مرتبط بالمطلق، بالإله بالقدير، مرتبط بلحظة التجلي، لحظة الغياب.
• هل الغياب بالنسبة لك هو الموت؟
أبدا. الغياب ليس موتا.. الغياب دائما صيرورة حياة الإنسان عندما يكون الإنسان مرتحلا، على سبيل المثال ، ليس الموت وليس الزمن. الغياب لا يقف على نقطة واحدة. الغياب دائما لديه شبيه آخر: الحضور. والحضور الإمكانية المتحققة في العالم. إمكانية متحققة في العالم بهذا المعنى الفلسفي. أشير إلى أن الشعر لا يمتلك إلا جماله الخاص.
• من أين يتحقق هذا الجمال في الشعر؟
سؤال نبيه كيف يتحقق هذا الجمال في الشعر.. يتحقق الجمال في الشعر وفق رؤيتك للعالم، وفق رؤية الشاعر للعالم. الجمال إمكانية للقبض، أمكانية روحية للقبض على العالم، الشعر
كذلك.. وعندما تتحدث عن حالة المطلق أظن الشعر يحاول أن يكتسب أو يقبض على هذا التجلي الشعري الجمالي؛ لأننا نحن البشر نعيش في عالم فيه من القباحة والشر والصلافة بحيث ينكسر العالم والإنسان، وتنكسر روح الإنسان. لا تستطيع أن تجابه هذا العالم إلا بالشعر وبالجمال، والشعر في نفس الوقت هو جمال الهاوية، الشعر أشبه بالانتحار المؤجل، ولذلك الشعر يأخذ من الشاعر الجذوة والنار الملتهبة في وجدانه وفي كيانه بطريقة مكثفة.
•بهذا المعنى أين قادك الشعر؟
أظن أنه إلى حافة الهاوية. لكن الشعر لا يساهم على الإطلاق في أن تكون الجراح سهلة، إنما العكس، أظن أن الشعر مفتاح الآلام وبالتالي داخل تجربتي الشعرية هناك مناطق تفتح لآلام كبرى أو عذابات أو خسارات هي جزء من تجربة الحياة،وفي الديوان الأخير «حياة واحدة سلالم كثيرة» كنت أريد أن أعبر عن ذلك، أن أعبر عن مكانيين: التجربة السويدية التي عشتها، وتجربة عمان بعد عودتي، وفي داخل «حياة واحدة سلالم كثيرة» هناك مفهومان للمكان: مكان الحياة والتجربة، ومكان الطفولة. ومكان الطفولة أعتبره دائما هو المنبع الحقيقي للكتابة الشعرية.
•أنت مسكون بالحنين؟
نعم .. الحنين إلى أمكنة حسية، إلى الطفولة، والحجر والوادي والجبل وتفاصيل الحياة، ولكن الحنين أيضا للطبيعة.. الاختلاف هنا قليل لأنني ابن ترحالات، لدي حنين ذو طابع سحري، حنين لأماكن وفضاءات لم أرها من قبل، هذا جزء من توق أو الاشتياق ربما إلى الحياة أو الموت ولكن ليس بالمعنى العاطفي إطلاقا، ولا أتحدث عن الحنين بالمعنى الرومانسي ولا أحب ذلك. أحب أن اكون قاسيا مع تجربة الحنين دون أن تكون هناك حالة عاطفية فقط أو وجدانية، الوجدان موجود ولكن القسوة تكون أحيانا داخل تجربة الحنين.
مثلا «سرور» عشت فيها طفولتي و«نفعا» وكنت أنا ابن الريف وتعلمت القرآن الكريم في الكتاتيب وعرفت معنى النياق والحجر والحصى الأملس والفضاءات الريفية والنخلة والأشجار والنباتات عشت في مكان يشبه الجنة أو الفردوس «الطفولة» ولكن مع ذلك انقطعت الطفولة أو الحبل السري بعد وفاة الأم ودخلت في تجربة أخرى.
•هل هذه الكثافة من الحنين لهذه الأماكن مرده أنك عشت تجربة الترحال والسفر منذ مرحلة مبكرة في حياتك؟
بلا شك، وبلا شك أن هذا الأمر له تأثير في تجربة الكتابة لأن خيطا غير مرئي يقود الخطوات أحيانا، ويقود الخطوات حتى عندما أتعثر أتعثر بالحجارة ثم أستيقط وأجد نفسي مقاد إلى أمكنة مجهولة تصبح أليفة فيما بعد. والمكان قادني إلى المعرفة وإلى فهم حياتي وروحي وفهم الآخر. دائما ما أركز على مفهوم الاختلاف، لأنني أظن أن الاختلاف أن تعرف ذاتك، وأن تعرف الآخر.. ولكن معرفيا تستطيع أن تتعامل معه «أي الاختلاف» في البعد الإنساني، وأركز هنا على الشفافية، على الأريحية عند الإنسان. الشعر يمتلك جمالية ويمتلك غصنا يمتد للآخر الذي أتعامل معه بطريقة إنسانية. إذا كنا نريد بناء دولنا بطريقة دينية بحتة سنسقط في نطرة أحادية، والنظرة الأحادية لا تقدم شيئا إذا لم يكن لديك أنت فهم الاختلاف والإصغاء والانتباه في عصر معولم.. من الصعب جدا ان تنقذ نفسك.
•ارتباطك بثيمة الموت والزمن تشبه إلى حد كبير تجربة الشعر الجاهلي في فهمها للموت والزمن من منظور شعري؟
قرأت تجربة ما قبل الإسلام وهي تجربة خطرة ومن هنا فهمت مفهوم الموت والغياب وحتى مفهوم الحضور أيضا الذي بدأنا فيه هذا الحوار. مفهوم الزمن عند الشاعر مثل امرئ القيس أو طرفة مفهوم وجودي، ومفهوم له علاقة بالأثر والأثر إما مساحة قدم أو أطلال ولكن في ذات الوقت هو مفهوم يتعلق بالمكان، المكان عندما يذهب الشاعر من مكان إلى آخر يترك أثرا، هذا الأثر هو الغياب. التجربة الشعرية العربية هائلة جدا على هذا المستوى في شعر ما قبل الإسلام.. ببساطة لأنه لم يكن هناك يقينا كانت تجربة وجود. المكان كان أساسيا والزمن والموت.
•الزمن في تربتك الشعرية ليس زمنا خطيا؟
لا أعمل شعريا بشكل خطي، الزمن الذي أشتغل عليه هو شاقولي بالحفر، وهو الزمن الذي أشتغل عليه عبر الحنين ولكن بشكل شاقولي أو أحاول ذلك. تجربتي الشعرية تتعامل مع عناصر بهذا المعنى العميق، أنا غير قادر على الارتباط بالمسطّح والقبيح، أبحث عن لحظة جمالية. واللحظة الجمالية تأتي مع الطير، مع النافذة، مع العتبة، تأتي مع الأشياء ومع الزوايا المهملة ربما.. لكنها الجزء الذي يشكل وجودي، أنا أحيا وأعيش في مكان أستطيع أن أمدح جدارا أبيضا وأعلق اللوحة؛ لأن الجدار الأبيض في النهاية قد يكون حزينا فأعلق اللوحة لكي أزين هذا الجدار، فالجدر نوعا من البهجة.
•قلت إن الجدار حزين؟ هل لديك إحساس بالجمادات حزنا وفرحا؟
نعم. ولذلك في قصائدي حجر وحصى وجبل. وهناك شاعر فرنسي مهم بالنسبة لي هو فرنسيس بون وهو أحد الشعراء الكبار الذين كتبوا عن الماديات التي كان يجد فيها نفس الكائن. وهو من كتب عبارة «إن الملوك لا يفتحون الأبواب».
•قلت ذات مرة إنك لم تعد تذهب إلى قريتك.. رغم الحنين لها في نصوصك.. لماذا كل هذا الخوف من القرية؟
نعم كل هذا موجود. الخوف أولا عندما أنظر إلى الماضي، إلى حياتي في المكان وأن أجد نفسي هناك أو الخوف أن لا أجد نفسي هناك.. ولا أجد صبايا الطفولة.. تخيل عندما أذهب الآن لا أجد أحدا يعرفني، أحس باغتراب حقيقي، لأن جيلا كاملا اختلف، التجربة اختلفت، وأظن أن أقراني/ أترابي اختلفوا، لدرجة أنك تكاد تنسى القُبلة الأولى التي كانت تحت السلالم.
•هل ما زلت متواصلا مع أقرانك من الأطفال الذين نشأت معهم في سرور ونفعا خلال طفولتك الأولى بعُمان؟
صديقي سيف الرحبي، وتعرفت لاحقا على آخرين أصغر سنا، ولكن لديّ مثلا ذكريات جميلة جدا مع معلمي القرآن الكريم، وكلهم ذهبوا الآن.. في سرور لم يعد لدي أحد من جيل الطفولة، ولكن هناك أصدقاء من الجيل الحالي. ولكن لا وجود للتواصل التجربة اختلفت تماما ولا يمكن العودة إلى ماض جريح.. هذا صعب ،صعب جدا.
•لكن في مجموعتك الأخيرة احتفاء بالأماكن الجديدة، سبيا، مثل السويد؟
لا على الإطلاق لا.. عندما كنت في السويد أو في دول كثيرة كانت تجربتي الأساسية أو الفهم الأساس هو التعبير أو الكتابة، عن الجرح الأول والجرح الأول، كان موضوع الطفولة والمكان الأول، ولكن عندما عشت في أمكنة أخرى «مالمو مثلا» في الحقيقة مالمو أو نيويورك أو باريس أو العراق هو استحضار أو محاولة استحضار المكان الأول وفي نفس الوقت خطوة أكبر لمشارف أخرى ولأمكنة ومدن أخرى.
•هل يشعرك المكان الأول بالألم الآن؟
أجد أن من الصعوبة أحيانا التفكير شعريا بالنسبة لي إلا بالآلام وبالخسارة، والمكان الأول ما زال يشكل لي الألم والخسارة.
المعرفة بالنسبة لي كانت مثل تهيئة الإنسان المذبوح.
•لماذا؟
كان يمكن أن أكون فلاحا ريفيا طبيعيا، كان يمكن أن أكون كذلك ولكن بسبب هذه الانتقالة الكبرى التي صارت في حياتي أصبت بالوعي الشرقي، وهو يتعلق بالضمير والوجدان.. في هذا الوقت أريد أن أتعرف على غصن شجرة محاطة بالريح والثلج.. بحنان دائم، الآن أبحث في حياتي عن شفافية عن رقة عن حلم، حلم في الكتابة.
•لو تحدثنا عن تجربة العراق التي جاءت متماسة زمنيا مع الطفولة المتأخرة.. ماذا أضافت لك هذه التجربة في السياق الشعري أو الحياتي؟
لنقل ان تجربتي في العراق كانت تجربة البدايات اعني تجربة القراءات واستكشاف صيغ جديدة للحياة والتفكير خصوصا ان العراق قي تلك الفترة كان ثريا على أصعدة متعددة وبالتالي أصبحت منخرطا في تتبع المشهد الشعري والكتابي في العراق بما في ذلك المسرح والتشكيل والسينما التي كانت تعج بها بغداد في ذلك الوقت اضافة الى حضوري للأمسيات الثقافية والنقاشات التي كانت تدور آنذاك وكان العراق يمتاز بنوع من الحرية النسبية والتعايش السياسي النسبي قبل ان تبدأ فيمابعد الكوارث وحالة الرعب التي عاشها العراق لاحقا وهناك تعرفت ايضا على شعراء وفناني كبار وشعراء عرب كانوا يأتون للمشاركة في الفعاليات الثقافية والأمسيات الشعرية وكانت تلك التجربة مفيدة لرفع المنسوب الجمالي والمعرفي في ذائقتي
ونشرت بعض محاولاتي الاولى في مجلات عراقية مهتمة بالشعر.
• في السياق نفسه.. ماذا أضافت لك تجربة التنقل والترحال من عاصمة لعاصمة، والتي التقيت خلالها بكتاب كبار في تجاربهم ويتبوأون صدارة المشهد في العالم؟
أرى أن كل تجربة تنقل في بلدان عديدة أشبه بنقطة ارتكاز للاستمرار في إطار المشروع الذي كنت في صدده في هذا الارتماء لاحضان الامكنة في عواصم متعددة.. كانت التجربة تغتني بسياقات ثقافية أكبر من حيث العيش ومن حيث تجذير التجربة الكتابية والحياتية، وأنت تعرف أن كل مكان يمتلك خاصية تختلف عن مكان آخر فتجربتي في المغرب مثلا والتي استمرت على مدى عشر سنوات كانت انطلاقة الى أمريكا، نيويورك تحديدا، ونيويورك كما هو معروف مدينة تشبه كوكبا غريبا، فهناك تعدد عالمي في التجارب الفنية الطليعية الثقافية والسينمائية والموسيقية وكنت أستمتع في حضور الأمسيات والمناشط الفنية على نحو مكثف وحضور لكبار الكتاب العالميين للشعراء والفنانين العالميين، وقبل نيويورك كنت في باريس وكانت هذه التجربة جوهرة النسق الجمالي في العالم حتى أوصلتني اقدامي الى السويد وهناك أحببت الطبيعة وكانت مشغلة أخرى في تجربة السياق الشعري وهناك شاركت في فعاليات وقراءات كثيرة مع شعراء من السويد وشعراء من مختلف العالم من المهاجرين الذين كانوا يقيمون فيها.
• تكتب كثيرا ولكنك تنشر قليلا جدا.. الآن لديك أكثر من مجموعة شعرية وكتاب ستنشر تباعا.. هل لديك هواجس من فكرة النشر؟
النشر فكرة تجارية في الأساس وأنا لا أعرف في هذا المفهوم على الإطلاق، أكتب دائما لكنني لا أنشر، لأنني أعتقد أن الكتابة هي الالتفاتة الكبرى لحياة الإنسان القريبة من الألم والموت وهذه الصفة أنا أحبها لأنها أساسية بالنسبة لي ولا أستطيع أن أنشر دائما.. أولا ينبغي أن أعرف النص بشكل جيد، وأتابع نصي الشخصي في لحظة نضوجه، فيبقى عندي وأعيد النظر فيه حتى أقتنع به. وأنا أقرأ التجارب هنا وفي العالم العربي والعالم ككل، أنا أقرأ باللغة الإنجليزية وأفهم بحكم تجربتي المتنقلة التجربة السويدية والتقيت بشعراء كبار وشباب من تجارب شعرية مختلفة.. أنظر اليوم في تجارب أجدها أحيانا في منتهى التألق، وأجد أحيانا تجارب قد لا أتقاطع معها بما في ذلك شعراء كبار. أنا أظن أنك عندما تستخدم اللغة أو تريد أن تكون اللغة متعالية على الإنسان تكون كأنك نبيا أو عرافا.. لم أعد أؤمن بذلك، حدث ذلك في التجربة الشعرية العربية في فترة سابقة، فترة الرواد.. فكرة تموز أو حتى العرّاف عندما كان مفهوم اللغة تتجاوز الإنسان، أنا أظن أن اللغة حسية قادرة على أن تكون منطلقا شعريا لفهم الآخر، وتجربة الآخر شيء أساسي بالنسبة لي أنا. أن أفتقد أي حيوات عشتها وأظنها ستعود لي، أظنها ستعود.
• كيف تقرأ المشهد الشعري في عمان.. من هي الأسماء التي تلفت نظرك؟
بدون ذكر الأسماء..
• لماذا تهربون دائما من ذكر الأسماء رغم أن ذكرها قد يدفع آخرين من الداخل أو الخارج في متابعتها؟
أولا لأن الأسماء متعددة، ولكن هناك أسماء لافتة للنظر وأكثر من ذلك هناك حالة من السعادة تغمرني شخصيا عندما أجد تجربة شعرية عند الجيل الشاب.. التقاطات في منتهى الدهشة، وأنا أتكلم عن مسار شعري كامل، هذا شيء مهم وأظن أنه يتعلق أن هناك مواهب.. تجربة الكتابة في عمان مهمة في هذا الجيل، وليس هذا في الشعر فقط ولكن تجربة السرد أيضا مهمة، وأظن أنه ينبغي المراهنة عليها وينبغي أن تشجع وأن تفهم بمحبة، أن يفهم هذا الجيل ويشجع، ومن أجله أنا أرفع القبعة لأنه ظهر في فترة صعبة.. تجربة الكتابة في عمان في منتهى الروعة وينبغي دائما تشجيعها. وهناك منخل للكتاب وتجربة الكتابة تفرز من يستطيع البقاء في الحالة الجمالية، وهو الذي سيقف أمام تجربة المشهد الكتابي والجمالي والاجتماعي في النهاية، إذا داخل هذا المشهد بالكامل 10 أو 12 وبقي ثلاثة أو أربعة ستكون تجربة رائعة.
• تجربة مجلة البرواز لماذا انطفأت سريعا؟
لأني أحلت للتقاعد.. وسأتحدث بصراحة كان يمكن أن تكون نافذة حقيقية في المشهد البصري في عمان ولكنها حوربت.
•ممن؟
حوربت من الجمعية أولا، وحوربت من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالفنون التشكيلية.. ثم اكتشفت أن الأوان لم يحن بعد لوجود مجلة معنية بالثقافة والفنون البصرية لأنها كانت مهملة.
•لكن البعض يعتقد أنه حان الآوان لوجود مجلة بصرية؟
كان يمكن أن يكون ذلك قبل ثلاثين عاما، أن يكون لديك أكاديمية للفنون الجميلة، لكن الآن لا توجد كوادر من الفنانين، نعم لدينا كوادر موهوبة جدا في الفنون البصرية تصويرا وتشكيلا ولكن أغلبهم لديهم عداء مطلق بالمعرفة وبالكتاب وبطريقة مذهلة جدا.. أنا لم أجد أحدا من هؤلاء يقرأ كتابا واحدا، عندما كنت أعمل في الجمعية كانت هناك مكتبة ولم يكن هناك أي فضول حتى لفتح تلك المكتبة التي بقيت مغلقة لأكثر من عشر سنين مع أن بها كتب ومراجع مهمة ومجلات، لكن لا أحد من الفنانين يرتادها، لم يكن هناك مجرد فضول معرفي، لذلك لا يمكن في ظل هذا المشهد أن نتحدث عن أن الوقت قد حان فعلا لمجلة بصرية.. موضوع صعب جدا.
• لكن البعض يقول ويعتقد أن سبب توقف المجلة كان رئيس تحريرها الذي لم يعطها الكثير من اهتمامه؟
فكرة المجلة ومرحلة تأسيسها كانت من عندي شخصيا.. وقبل أن نطلق المجلة التقينا بالفنانين واجتمعنا معهم لإطلاعهم على التجربة ومن أجل أن يساهموا فيها.. ولكن تخيل لم يساهم فيها أحد منهم أبدا، ساهم فيها بعض الكتاب من الخارج، ولم يكن للمجلة أي طاقم تحريري أو فني كنت الوحيد الذي أعمل فيها من الألف إلى الياء، ومجلة من هذا النوع الذي يتماس مع الفنون البصرية والتشكيلية لا بد أن يكون لديها طاقم، نحن نتحدث عن طباعة مختلفة ومغايرة وعن إخراج مغاير ولكن لا وجود لهذا التفكير.. الفنان التشكيلي في عمان لا يمتلك معرفة بجانب موهبته، وليس لديه فضول ولا معرفة إلا نادرا.. نتحدث عن اثنين أو ثلاثة أشخاص فقط.. بل بالعكس لديهم عداء مع الكتاب هذا أمر غريب جدا.. حتى في أمور تتعلق بموضوع يخصهم، لا أحد يقرأ. أهم شيء في عمان في اعتقادي الشخصي وجود معهد للفنون الجميلة أو أكاديمية وهذه المسألة كانت موجودة في العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية. وهذه المعاهد والأكاديميات خرجت كوادر مهمة جدا.