عمّان- «العمانية»: تبدو الكاتبة الأردنية دلندا الحسن وكأنها ترغب أن تزرع الأوركيدا في كل مكان حولها، وكذلك في حياة الشوص الذين تتجاذبهم الأحداث في روايتها الأولى.
الزهرة هي بطلةُ رواية «أحلام الأوركيدا» الصادرة أخيرا عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان، ونحن نتعرف على شخوصها من خلال علاقتهم بها، بدءًا من الجدة التي حرصت الكاتبة على تثبيت لهجتها دون سائر الشخصيات في إشارةٍ إلى أنها تمثل الجذور، وأنها منبع الحياة والحب، فهي التي علّمت بطلة الرواية «شيرين» كيفية زراعة الأوركيدا والعناية بها وحبها.
وتسافر «شيرين» إلى الصين للبحث عن أسطورة الزهرة، وتتمحور علاقاتها وحياتها حول «الأوركيدا»، ومن خلال تلك العلاقات تكشف الكاتبة فلسفتها في الحياة، تلك الفلسفة التي انعكست في الرواية على شكل مقولات مستلّة لمفكرين وفنانين وكتّاب معروفين، وأحيانًا كانت تلك المقتبسات الافتتاحية تمثّل مفاتيح لفصول الرواية.
تبدأ الرواية بمقطع للفيلسوف الوجودي والروائي الفرنسي ألبير كامو: «تعرفون اسمي، ولا تعرفون قصّتي، تعرفون ماذا فعلتُ، ولا تعرفون الظروف التي مررتُ بها، فتوقفوا عن الحكم عليّ، وانشغلوا بأنفسكم»، وتورد أيضًا اقتباسًا من رسالة الفيلسوف المسلم ابن سينا: «العشق لا يختص بالإنسان، بل يسري على كل الموجودات من نبات وحيوان والفلكيات والمعدنيات، وهو كالحُسن لا يُدرَك».
اتسم أسلوب الكاتبة باستخدامها لغة شعرية رقيقة، متناسبة مع موضوع الرواية، الذي يصور قصة حب رومانسية مرتبطة بأسطورة زهرة الأوركيدا:
«تخلخلتْ جملته الأخيرة على حبال صوت عاطفته المرتجّة فبدت مشوشة بأنفاسه. بعد أن أغلقت الهاتف أدركت أن الوقت تجاوز منتصف الليل.
هل أهملتُ الأوركيدا فذبلتْ زهراتها؟!».
لجأت الكاتبة إلى وضع عناوين فرعية لكل فصل، كل عنوان له دلالته الخاصة، ومن الواضح اطلاعها الواسع على الأساطير في ثقافات الشعوب، والإفادة منها في نسج روايتها، كما انعكست قراءاتها في الأدب والفلسفة في ثنيات الرواية.
ولن يضلّ القارئ عند البحث عن الرابط بين زهرة الأوركيدا وبطلة الرواية، فهو يَظهر من خلال الحوار التالي بين بطلة الرواية وصديقتها:
«بحماسة أعيد حديثي عن الأوركيدا على مسمع رهف المنصتة، وتفسـير صديقتي الصـينية (لي) لحُلمي بأنه الحاجة للبحث عن الحب والرومانسـية.
فجأة قطع تميم الواقف عند الباب كلامي قائلًا:
- شـيرين، بحسب ما قرأته عن المعتقدات الصـينية، معنى الحلم بالأوركيدا هو الحاجة للحفاظ على الحب والرومانسـية، وليس البحث عنهما.
- لكن.
- يبدو أنك لم تدركي الحقيقة، لانشغال ذهنك بأشـياء أخرى.
- هل أنت متأكد؟
- أكيد، أثرتِ فضولي بزهرتك، فبحثتُ عنها. على كل حال الأوركيدا تشبهك كثيرًا أو..».
تحتفي الرواية بالمكان بكل تفاصيله، هنا نرى جبل اللويبدة في عمّان نابضًا بالحياة، يتحرك مع الشخوص، لا مجردَ مسرح تتحرك عليه الشخوص، وعندما تردد بطلة الرواية عبارة: «أريد مديني.. أريد جبل اللويبدة»، تشعر معها أنها مشتاقة للقاء الحبيب. ثم تقدم لنا هذه اللوحة عن لقائها معه:
«حقائب وتفتيش. بحثتُ مع غادة عن بوابة الخروج، وانطلقت سـيارة أجرة بنا بسـرعة.
سلامٌ عليك يا جبل اللويبدة
سلامٌ عليكِ أيتها الأغصان العارية في وجه الشتاء القارس
سلامٌ عليك أيتها الذكريات الحزينة
ما أعبق النسـيم البارد!
وما أنقى الضـياء!
وما أجمل الشمس باختبائها خلف الغيوم الحبلى بالثلج!
طرتُ نحو منزل (تاتا) في شارع ابن حزم الأندلسـي.
قَرِّب المسافاتِ أيها الكون!
المسافةُ خطٌّ وهميّ بين نقطتين.
لكنني مع (تاتا) عند النقطة نفسها في وجداني.
في طريقي أُلملم الشوقَ زهرًا نضـرًا من أمام البيوت، أسماء الشوارع، زقزقة العصافير، نشـيد الأشجار، شجن النسمات، وأبواق السـيارات. وأنثره داخلَ فؤادي. أشدُّ المعطف أتّقي أنفاس البرد».