مسعود الحمداني -
Samawat2004@live.com -
(1)
في عتمة الليل يأتي الشاعر حاملا عصا القصيدة، يتوكأ عليها، ويهش بها على كلماته، واضعا نجمته الأثيرة في كيس السماء، ورافعا قبعة الشعر عاليا، ينتظر هطول غيمة، أو رصاصة رحمة.
(2)
تعود المساءات إلى خيباتها، تلعق خيام العزلة، وتضعنا في فوهة المدفع، هناك حيث يرقد طفل شهيد بين ذراعي أمه، وهو يلوّح بيده الصغيرة على النجمة الصغيرة البعيدة، علّه يراها في منامه الطويل.
(3)
السماء لا تمطر شعرا..
ولكنها تمطر الكثير من الشعراء الذين يختفي أكثرهم في التراب.
(4)
تخرج من خبائها، وترقص حول القمر، تجاهر بصوت الرمل، وتغوص خلف شجيرات الأثل، باحثة عن قمح الحياة، وقمع الممات..
هي ساحرة الكلمات التي لا تجد غير السؤال مفتاحا للأشياء الساخرة.
(5)
سقطت كلمة على قلب عاشق فأدمته.
(6)
الرحيل طريق الشاعر، وهلاك القصيدة.
(7)
عرفنا الكثير من الأصدقاء المدهشين..
رحلوا دون أن يتركوا أثرا..
فكانوا آخر الذاكرة.
(8)
تتحوّل الكلمات إلى قصيدة، وتتحول القصيدة إلى رفات، ويتحول الرفات إلى قبر، وتتحول القبور إلى حدائق للشعراء.
(9)
كشفت القصيدة عن ساقيها، فأغرقت من حولها.
(10)
القرية التي تركناها، لم تعد كما كانت، يبست أغصان الجيران، وتهدجت أصوات الليل، وبادت كل الأحلام الضئيلة التي كانت تبقينا على قيد الصحو.
(11)
يقول الحكماء جُملا يرددها العامة الآف المرات يوميا..ولكن لا ينتبه لها الآخرون.. بينما يبهرهم صوت (الحكيم) الذي يقول نفس الذي يقولونه.
(12)
نصمت أحيانا، لا لأنه ليس لدينا ما نقوله، ولكن لأنه لا فائدة مما نقوله.
(13)
الشعوب الحية هي تلك التي لا يخيفها المستقبل، بقدر حرصها على تجاوز الحاضر.
(14)
نعرف قيمة الأشياء بعد رحيلها، لأننا اعتدنا على البكاء على الأطلال.
(15)
الأشياء الرائعة تأتي متأخرة، لتقول لنا: استمتع ببعض الوقت قبل الرحيل.
(16)
الغابات المعتمة وحدها القادرة على منحنا مزيدا من المطر والدهشة..تماما كما القصيدة الخالدة.
(17)
نقف خلف الظلام لنرى كم نحن مضيئين!!.
(18)
الموانئ.. مواء / قطط..وأنفاس صيّاد عجوز، وبحر يغرق في الذكريات..
إنها الحياة بعد أوانها.
(19)
مات امرؤ القيس وحيدا، وبعيدا، اندثر جسده، وبقيت آخر أبياته:
أَجارَتَنا إنَّ الخُطُوبَ تنوبُ
وإنِّي مُقيمٌ ما أقامَ عَسِيْبُ
أَجَارَتَنا إنَّا غريبانِ ههنا
وكُلُّ غريبٍ للغريبِ نَسِيْبُ
هكذا هم الشعراء العظام..حين يتلون وصاياهم شعرا وهم يحتضرون.
(20)
ولـــما تراءت عند مرو منـيّـتـي
وخلَّ بها جسمـي وحـانت وفـاتـيـا
أقـول لأصحـابي: ارفعوني فــإنني
يقـرّ لعينـي أن سُهيـلٌ بـدا ليـا
فيا صاحبي رحلي دنا الموتُ فانـزلا
برابيـةٍ ؛ إني مـقـيـم لـيـالـيـا
كيف يمكن لشاعرٍ أن يشهر سيفه في وجه الموت، كما فعل مالك بن الريب؟..كيف لهذا الشعر أن يخرج مع نزعة الروح الأخيرة لتخلد القصيدة ويسمو الشاعر؟!!..
(21)
الشعر عصا الأعمى..يدله طريق الحياة..
والليل قنديل الشاعر..يدله على بئر القصيدة.
(22)
عينان أراهما كلما أغمضت قصيدتي..
عين الأم، وعين الوطن.
(23)
أشعر برائحة العشق من بعيد..
أكاد ألمسه بقلبي..
لكن النجمة وحدها من ترشد العاشق نحو الطريق.
(24)
ياقومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقة ٌ..
والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا
عشق بشار بن برد بأذنه، ولو أنه فتح عينيه لآثر العمى.
(25)
الحياة جملة من الإحباطات التي تصنع منّا ـ فيما بعد ـ أشخاصا مقاومين الصدمات.
(26)
الصحافة الورقية تحتضر، ولكنها تقاوم بشجاعة ونبل للبقاء كدون كيشوت، غير أن الواقع يقول إن هذا الزمن ليس زمن الفرسان..
إنه زمن (الكيبورد).
(27)
اركب سفينة القصيدة، وابحر بعيدا..هناك حيث يقف الشاعر وحيدا في جزيرته النائية..
خذ معك زادا: الكلمة والدهشة.
(28)
الساسة الذين يتحدثون عن إصلاح العالم..هم أنفسهم الذين يشعلون الحروب..
قبل الحديث عن إصلاح العالم..ابدأ نفسك.
(29)
في هذا العالم هناك من يفهم كل شيء..حتى النوايا التي تضمرها، والتي لا تضمرها، والتي ستضمرها مستقبلا.
(30)
كلما نظرتُ في المرآة، رأيتُ بعضي، مختبئا خلف بعضي..
رأيتكِ تقاسمين القلب رغيف العشق..
تسحبين رداء الحنين،
وتكتشفين كم هو باذخ وثريّ هذا الشعور.
فأعرف أن الطريق إليك ما زال ساحرا..
كعينيك.
(31)
نهرٌ من الكلماتِ تطوي الفيءَ..
تغرسُ نصلها في العتمةِ الزرقاءِ..
ترسو فوق ميناءِ الغزاةِ..
وتعتلي خيلَ الليالي البكرِ..
في شغفٍ..
وتصحو والسنون على حدود الموتِ..
تغرقُ في الفضاءِ..
وينزوي خلف الجدارِ.. الظلُ..
يبحث عن ظلال..
يا واسعَ الملكوتِ هب لي من لدنك ضراعةً..
كي أستعينَ بها على هذا الشتاتْ.