إسطنبول «الأناضول»: أبحرت الدراما التركية، خلال السنوات الأخيرة، في أعماق التاريخ، لترصد الماضي على الشاشة الصغيرة، ما شجع الأتراك على التوجه لقراءة جديدة لتاريخهم، لا سيما وسط تطورات الأوضاع السياسية بالمنطقة. مسلسلا «قيامة أرطغرل»، و(عاصمة عبد الحميد الثاني)، وتطورات الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، أعمال كافية لإقبال الأتراك على شراء كتب التاريخ وقراءتها، بل والرفع من أعداد كتب التاريخ في رفوف المكتبات، ومعارض الكتب.
في فبراير الماضي، بدأت قناة (TRT1)» التركية، عرض أولى حلقات مسلسل «عاصمة عبد الحميد»، أسبوعياً، حيث يوثق أبرز الأحداث في الأعوام الـ13 الأخيرة (1896-1909) من حياة السلطان عبد الحميد الثاني (ولد عام 1842 في مدينة إسطنبول) الذي دام حكمه 33 عاماً.
وبعدما حقق معدلات مشاهدة قياسية في تركيا، عقب عرض عدة حلقات منه، بدأ المسلسل يحظى باهتمام وإقبال كبيرين على المستوى العالمي، حيث سيعرض على عدة قنوات عالمية. وكشفت إدارة إنتاج المسلسل، الشهر الماضي، أنها تلقت طلبات من أمريكا اللاتينية ومنطقة البلقان والشرق الأوسط وقطر وألبانيا لشراء حقوق بث العمل فيما تدور أحداث مسلسل «قيامة أرطغرل» بين ولايتي حلب وأنطاكية في القرن الثالث عشر، في زمن الصراعات والنزاعات بين الإمبراطوريات في المنطقة، في وقت تزامن مع وصول دفعات جديدة من قبائل الأوغوز التركية (التركمان) إلى المنطقة.
ويواصل «قيامة أرطغرل» جذب أنظار واهتمام المشاهد العربي، مع استمرار عرض الموسم الثالث منه، إذ يتابعه الملايين بالمنطقة مترجماً أو مدبلجاً عبر شاشات التلفزيون أو مواقع تبادل الفيديوهات.
ويستعرض المسلسل نزاع المغول والروم على المنطقة، حيث كان المسلمون يعانون الكثير من المشاكل في القرن الثالث عشر خاصة ضعف الخلافة العباسية، وكان العالم الإسلامي بانتظار قائد بطل، ليظهر أرطغرل متحدياً كل الظروف.
وفي معرض الكتاب بمنطقة بيازيد، وسط إسطنبول، الذي يفتتح سنوياً في رمضان، في سنته الـ36، اتخذت كتب التاريخ مكانها بين المؤلفات الأخرى . بل ولاقت اهتماماً من الزائرين، ويشهد المعرض إقبالاً جيداً في فترة المساء بعد الإفطار، والزائرين لمناطق إسطنبول القديمة.
مسعود جليك من إسطنبول، يعمل في جناح دار نشر «موتتو»، يقول إن «هناك إقبالاً معقولاً على المعرض من قبل الشباب». ويضيف أن أكثر ما لاحظه في الأيام الأخيرة، هو الاتجاه نحو كتب التاريخ، وخاصة السلطان عبد الحميد الثاني، السلطان وحيد الدين، وتاريخ العثمانيين، وتاريخ الجمهورية القريب والتاريخ القديم. ويتابع، في حديث للأناضول، «أنا مهتم بكتب التاريخ حالياً، وأجد أن هناك ميولاً تجاه الراويات، التي تتناول التاريخ من قبل الشباب خاصة، وأيضاً الكتب المتعلقة بأبحاث التاريخ».
وأرجع ذلك إلى «التطورات التي عاشتها تركيا، والأحداث المتسارعة بالمنطقة، والمسلسلات التي تعرض على قناة TRT». ويضيف أن الأبناء اليوم «لا يتخيلون أنهم سيصبحون سوبر مان أو غيرهم كمُثلٍ عُليا لهم، بل القادة الحقيقيون من مثل أطغرل وغيرم هم هدفهم وقدوتهم، ومعرفتهم بأجدادهم هو الذي يستنهض الرغبة بالبحث في التاريخ». وشدد على أن «الجيل الجديد في تركيا يبدأ من المسلسلات في رحلة البحث، والأحداث التي فيها تدفعهم إلى الكتب للبحث والتمحيص عن حقائق الأمور». أما سليمان قوجا باش، وهو مؤرخ تركي من ولاية قيصري (وسط)، فكتب نحو 80 كتاباً عن التاريخ العثماني وتاريخ الجمهورية، وصاحب كتاب «مذكرات السلطان عبد الحميد»، ممن شاركوا بالمعرض، وبيعت نسخ كثيرة لكتابه.
وأفاد قوجا باش في كتابه الأخير، أن «السلطان عبد الحميد لم يترك مذكرات، وأُعدّ الكتاب مما تحدث به عنه كل من ابنته وطبيبه وحراسه، بعد أن جمع هذه المعلومات، ومع تأثير مسلسل عبد الحميد فإن الكتاب قد لاقى إقبالا أكبر من الزائرين».
وأوضح للأناضول «في رمضان هناك تفاعل كبير في المعرض، وفيه جو معنوي بكتب دينية وأدبية وكل أنواع الكتب الأخرى (بالتركية)، والزائرون يقبلون على شراء الكتب».
وذهب إلى أنه «هناك اهتمام أكبر بالتاريخ، وتحققت أرقام كبيرة بالمبيعات، فما حصل في البلاد من أعمال عنف مؤلمة، دفعت المواطنين لمعرفة التاريخ، فمن لا يعرف تاريخه لا يمكنه أن يفهم الحاضر والمستقبل، ولذلك نجد أنهم يهتمون بالكتب والكتاب التاريخيين».
من ناحيته ، يقول محمد إيمرك ، أحد زوار المعرض، «أتردد على المعرض سنوياً ، وهذه زيارتي الثانية هذا العام، ولاحظت أن ثمة إقبال من الناس، وأكثر ما لفت انتباهي هو وجود كتب الدين، ولكن هناك ارتفاع ملحوظ بكتب التاريخ مؤخراً، وهي التي تلفت انتباهي كثيراً». ولفت إلى أن سبب الاهتمام هو «التاريخ السابق المدرّس، وكان مختلفا عما يشاهدونه حاليا، حيث أخفي التاريخ المضيء، وأسيء له وللسلاطين، وحط من قدرهم، ولم يكن الحديث عن التاريخ مشرفا من قبل، وإنكارا للحقائق وإخفائه، واليوم أزيلت الستائر، وأن التاريخ لم يكن سيئا، والسلاطين ليسوا ظالمين، بل كانوا رحماء».
وشدد أنه «فيما يتعلق بتاريخ الجمهورية وما قيل في تلك الفترة كان مختلفا عن الحقائق التي جاءت بالكتب، وهناك تأثير من المسلسلات الجادة التي تتناول التاريخ ، والتي تناولت التاريخ بمهنية ، وخاصة المسلسلات الأخيرة أثرت بالناس، وأحدثت اهتماما عندهم».