محمد بن سليمان الحضرمي -
بين أطلال حجرة البراشد الأثرية في نيابة سناو بولاية المضيبي شيد هذا المسجد، والذي فاجأني حين زرته جمال محرابه وتعدد أركانه الداخلية، ومرافقه التي تجعل منه مسجدا كبيرا يسع لأداء الصلاة لسكان الحارة الأثرية في سناو.
تبدو نيابة سناو اليوم مدينة كبيرة، حيث أصبحت مركزا تجاريا شعبيا، كما أصبحت مركزا ثقافيا ذات إشعاع حضاري، إلى جانب ذلك فهي أيضا مدينة تتمتع بمقومات كثيرة من السياحة الثقافية، من بينها تعدد الحارات الأثرية التي أصبحت مزارا للسياح ومحبي التقاط الصور الضوئية للأمكنة التاريخية. ومن بين هذه الحارات توقفنا عند حارة حجرة البراشد ؛ لزيارة مسجدها الأثري الجميل، فوجدنا المسجد في حالة إعمار، حيث يؤمه المصلون، وبدا بعد ترميمه بثوب قشيب، وظهر المحراب الأنيق كقطعة من مرمر.
المسجد من الداخل يتألف من ستة أركان داخلية، تصطف في اتجاهين على مسار طولي من جهة الشرق إلى موضع المحراب، والرائع في هذا المسجد أن تصميم المحراب جاء في الوسط بين ساريتين، يتوسطهما المحراب المطلي باللون الأبيض، أما أركان المسجد فقد رممت بالجص، ولا يظهر فيها أي أثر للنقوش أو التواقيع والكتابات، ومع احتمالية وجود مثل هذه الكتابات في ظهور السواري إلا أنني لم أقرأ في أي منها توقيعا واحدا، أو كتابة أو نصا شعريا أو نثريا، ولعل الترميم طمس تلك الحروف المكتوبة بقلم الروغ، أو لعلها لم تكن موجودة سابقا.
يضم مسجد البراشد الأثري فناء واسعا يحفه من جهتي الشرق والجنوب، مع وجود محراب في الفناء الجنوبي؛ ولأن المسجد يقع عند مدخل الحارة الأثرية فإن ثمة أبراجا تبدو من جهة الغرب، وبيوتا قديمة للحارة الأثرية من جهة الشرق، وبوابة من جهة الجنوب، كل هذه التفاصيل أعطت مع بناء المسجد تكاملا، حيث لا ينفصل المسجد عن الحارة بل هو أحد مكوناتها الرئيسية.
وإلى جانب البومة الصغيرة، وهي الفتحة التي تبدو أشبه بقبة تقف في أحد أضلاع المسجد، وفي هذا المسجد تم تصميم البومة لتكون في الضلع الجنوبي الشرقي، تتدلى من أسفلها سلالم خشبية للصعود إلى الأعلى، تربط بين الجدارين الجنوبي والشرقي.
وإلى جانب سواريه المنتظمة في صحن المسجد الداخلي فإن المحراب يعد بحد ذاته قطعة فنية؛ نظرا لمكوناته الجمالية والأدبية، وما يمثله هذا العمل اليوم من قيمة حضارية، في رأس المحراب نقرأ جملة التوحيد محفورة بخط كبير واضح: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، تأخذ عرض المحراب بكامله، وفي أعلى الكتابة نقش هندسي وتشجير في رأس المحراب، أو هكذا رأيته، وحول المحراب ينتظم أحد عشر صحنا خزفيا، أما في منطقة الصدر فتبدو خمسة صحون خزفية أيضا تعطي شكلا خماسيا أنيقا، ولا أدري هل هذه الأواني الخزفية قديمة عهد بالمحراب أم تمت إضافتها بعد الترميم، ولكن بلا شك إن مصمم المحراب قد زينه بالحصون الخزفية، ولو كانت مفقودة لبقيت أمكنتها غائرة في المحراب.
ومما تجدر الإشارة إليه أن محراب مسجد حجرة البراشد بنيابة سناو من إنجازات النقاش العماني علي بن طالب بن علي بن كهل النخلي، وساعده في إنجاز العمل صالح بن علي الهاشمي، وقد تم توثيق صناع هذه التحفة الزخرفية في أعلى القبة المصممة في قلب المحراب، فتنداح الكتابة على ظهر القبة من الأعلى، كتب فيها: (تم عمارة هذا المسجد يوم الاثنين لسبع ليال بقين من شهر ربيع الآخر، لسنة 1068 هجرية، على يد الأستاذ علي بن طالب بن كهل النخلي، وذلك اليوم كانت عمان في حكم الإمام سلطان بن سيف اليعربي، وأقام فيه الشيخ صالح بن علي الهاشمي)، هذا التوثيق الدقيق يؤكد حرص النقاش على نسب المحراب، والعصر الذي صنعت فيه، وهنا يكتب النقاش أنه في عصر الإمام سلطان بن سيف اليعربي، وهو من إنجازات النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري، وميلاديا يوافق عام 1658م، النصف الثاني من القرن السابع عشر. خرجت من الجامع، ورحت في جولة سريعة داخل الحارة الأثرية، أصافح الأطلال وأقرأ ملامح العمران القديم، بما يضمه من نقوش في الأبواب، وأزقة الحارة تغري بالتصوير، ولكني سمعت خشخشة في الداخل، جعلتني أتوقف وأتراجع إلى الوراء، وتزداد الخشخشة جلبة وأزداد رجوعا سريعا إلى الخلف، وما هي إلا برهة حتى سقط سقف غرفة من أحد المنازل العالية، مخلفا غبارا متطايرا وركاما من التراب، فسقط في لحظة ما شيده الإنسان خلال سنوات طويلة.