برز في العالم الإسلامي منذ القدم وجود بعض العلامة الذين نهضوا بالإسلام، وعملوا على إحياء العديد من العلوم واستحداث بعضها، ليكون المسلمون أول من واكبوا التطور وعملوا على استحداث العلوم، في الوقت الذي كان الغرب يغرق في ظلمات الجهل والفقر والضيق والكبت، وعانى بعدها الملايين حول العالم، ولكن ما أن بدأ النور يتسلل إلى العالم الإسلامي، حتى بدأ الغرب يتوافدون على عالم المسلمين، ينهلون العلوم ويتدارسونها، وينقلوها إلى بلادهم، حتى انتشر العلم في بلاد الغرب. ومن هؤلاء العلماء الذين برز صيتهم في وقت كان الغرب ينهل منا كل شيء جابر بن حيان، وهو العلّامة المسلم عبد الله جابر بن حيان الأزدي، عالم الكيمياء، والفلك، والهندسة، والمعادن، والفلسفة، والطب، والصيدلة، وقد تحدث عنه العديد من الكُتاب، وكان الحديث يدور عن الإنجازات العلمية التي استطاع أن ينجزها خلال فترة التنوير العربية، والتي استطاع من خلالها أن يعمل على إعادة إحياء العلم من جديد، وعمل على تطوير علم الكيمياء من خلال تجديده، وإضفاء العلوم المختلفة عليه، وهو يعتبر أول من مارس الكيمياء بشكل علمي، كما أنّ له العديد من الإسهامات والمؤلفات التي عُدّت نقطة فارقة في علوم الكيمياء ولها أثر مهم في الإسلام والعالم. وكان جابر بن حيان من العلماء الملتزمين جدا، وكان مسلما في طباعه وفي أخلاقه، فكان محبا لكتاب الله وسنة نبيه، وعمل على إتقان التلاوة القرآنية، واشتهر في الواقع بأنه يحب العلم ويحب الدين في نفس الوقت، وحياته كانت مقترنة بهذين الأمرين، فما عاد الأمر سهلاً بالنسبة لأحد غيره، أن يوازن بين علمه وبين دينه. استطاع جابر بن حيان أن يترك للعالم العديد من الموروثات العلمية التي كان لها الأثر، وما زال حتى يومنا هذا، وكان أمرها سهلاً على الناس فقد استطاع أن يفسر فيها كل ما يريد، وبعد أن اشتهرت عند العرب، تم تسريبها إلى الغرب، لتكون العلم الذي يستنيروا به بشكل واضح. الميلاد تختلف الروايات حول العام الذي وُلد فيه جابر، فهناك من رجح أن يكون عام 101هـ/‏‏721م، وآخرون رجحوا أنّه في عام 117هـ/‏‏737م، كما اختلفوا في تحديد مكان ولادته، حيث يظن البعض أنّه من مواليد الجزيرة شرق سوريا، والبعض الآخر يقول إنّه وُلد في مدينة حران في بلاد ما بين النهرين في سوريا، وأخيراً هناك من يظن أنّه وُلد في مدينة طوس الإيرانيّة. انتقل جابر إلى الجزيرة العربيّة بعد وفاة والده حسب ما ذكر الأب جورج القنواتي، وتعلم هناك القرآن والرياضيات. هاجر ابن حيان من اليمن إلى الكوفة في أواخر العصر الأموي، وعمل فيها صيدلانياً، وكان والده من المناصرين للعباسيين في ثورتهم على الأمويين، حيث أرسل من قِبلهم إلى خرسان لدعوة الناس لدعمهم، لكن تم القبض عليه وقتله من قبل الأمويين، وآنذاك هربت أسرته إلى اليمن، وهناك نشأ جابر ودرس علوم القرآن والعلوم الأخرى. عادت عائلة جابر بن حيان بعد أن تمكن العباسيون من استلام الولاية بعد الأمويين، وانضم إلى حلقة جعفر الصادق وتعلم منه العلوم الشرعية، واللغوية، والكيميائيّة، كما درس على يد الحميري، ومارس الطب في بداية حياته تحت إشراف الوزير جعفر البرمكي أيام ولاية الخليفة العباسي هارون الرشيد. وُصف جابر بن حيان بأنّه طويل القامة، وكثيف اللحية، كما اشتُهر بإيمانه، وورعه، لذلك أطلق عليه العديد من الألقاب أهمها: الأستاذ الكبير، وشيخ الكيميائيين المسلمين، وأبو الكيمياء، والقديس السامي المتصوف، وملك الهند. إنجازاته اكتشف الصودا الكاوية NAOH. استحضر ماء الذهب، وحمض النتريك، وحمض الهيدروكلوريك حيث كان الرائد الأول في ذلك. أضاف الكبريت والزئبق إلى عناصر اليونان الأربعة. اكتشف حمض الكبريتيك وتسميته زيت الزاج. حسّن طرق التبخير، والتصفية، والانصهار، والتبلور، والتقطير. أعدّ الكثير من المواد الكيميائيّة مثل سلفيد الزئبق، وأكسيد الأرسين. وضع أول طريقة للتقطير في العالم. صنع ورقاً غير قابل للاحتراق. شرح تحضير الزرنيخ والأنتيمون بالتفصيل. مؤلفاته صندوق الحكمة، والخمائر الصغيرة، وكتاب الملك،وأسرار الكيمياء، ونهاية الإتقان، وأصول الكيمياء، وعلم الهيئة، والسموم ودفع مضارها، وكتاب الخواص الكبير، والمجردات، والخالص، والسبعين. توفي جابر بن حيان عن عمر يناهز الـ95 عاما في الكوفة بعد فراره إليها من العباسيين، وذلك بعد نكبة البرامكة، حيث سُجن فيها وبقي في السجن حتى توفي عام 197هـ/‏‏813م. رحم الله العالم العربي المسلم جابر بن حيان، ونحن إذ نذكر سيرته، علينا أن نذكر أن أجدادنا هم من صنعوا الحضارة، ونشروا العلم في كل مكان، وكانت تتسابق الحضارات الأخرى والدول إلى النهل من علمهم، والتتلمذ على أيديهم، ولكن أين نحن الآن، أصبحنا نلهث وراء دول الغرب ونقلدهم فكل شيء مع الأسف، يجب علينا أن نعمل جاهدين لنعيد تاريخنا ومجدنا كما كان في السابق، وأفضل أيضاً إن شاء الله، وذلك لن يكون إلا بعزيمة جيل لديه الرغبة بقوة أن يرفع اسم الأمة مرة أخرى كما كانت من قبل.