دندرة ( جنوب مصر) «د.ب.أ»: منذ اللحظات الأولى من دخولك لرحابات معبد دندرة، الواقع على الجانب الغربى، من نهر النيل، قبالة مدينة قنا، بصعيد مصر، يشدك سحر المكان، ويأخذك عبق التاريخ، وتدهشك تلك العلوم والفنون، التي يحتفظ بأسرارها ذلك المعبد الذي بدأت أعمال تشييده في نهاية عصر البطالمة، وانتهت في العهد الروماني، وكُرٍسَ لعبادة الربة حتحور، ربة السماء، والرقص والموسيقى، وسيدة السعادة. يصف الأثريون، معبد دندرة، بالمعبد العظيم، فهو من أكثر المعابد المصرية، حفظا، إذ لا تزال نقوش أسقفه، وحوائطه وأعمدته باقية بألوانها، وهو المعبد ذو الطابقين، المفتوحين للزيارة أمام للسياح، حتى اليوم. رسم قديم ويقول علماء المصريات، أن معبد دندرة، بُنىَ في عزلة لطيفة قرب الصحراء، على بُعٌدِ 60 كيلومترا شمال مدينة الأقصر، الغنية بمقابر ومعابد ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة، وكانت دندرة عاصمة للإقليم السادس في مصر العليا، وتقول أسطورة متأخرة، أن رسم المعبد، أوحت به مستندات بالغة القدم، يرجع تاريخها، إلى عصر الملك خوفو والملك بيبى الأول، وأزمنة أتباع حورس البعيدة، ويدلنا على ذلك تلك الجبانة التي وجدت بالقرب من سور المعبد، والتي تؤكد قدم مدينة دندرة وتؤرخ لطقوس عبادتها. وما أن تدخل بقلب المعبد، حتى تجد الصالة ذات الـ 24 عموداً، المقامة ببهو الأعمدة المسقوف العظيم، الذي يحتفظ بنقوش وألوان سقفه وجدرانه وأعمدته حتى اليوم، وهى الصالة المنحوتة، لتمثل (المصلصلة) برموز الربة حتحور، وتمثل هدية موسيقية لها. غرف سرية: كثيرة هي غرائب، معبد دندرة، لكن أبرزها، 32 غرفة ضيقة، يصعب الوصول إليها، لأنها بنيت بداخل حوائط المعبد، وتسمى بالغرف السرية ، وهى حجرات مزخرفة، وبنيت على ثلاث مستويات، ويمكن الوصول للغرف الوسطى، بواسطة أبواب مسحورة، وربما كانت تلك الغرف، لكل شيء ثمين بداخل المعبد، وبخاصة أدوات الطقوس الدينية، وهناك رواية أخرى تقول بأن تلك الغرف أعدت لاستقبال بعض القوى، التي تساعد الإله في يوم ما، على أن يولد من جديد. أما الطابق الثاني من المعبد، فيضم بين منشآته، محراب مكشوف، كانوا يقيمون به احتفال (الاتحاد بقرص الشمس) والذي كان يقام بالمعبد في ليلة رأس السنة. أول خريطة للسماء وفى الطابق الثاني من معبد دندرة، يوجد محراب رسمت بسقفه، أول خريطة للسماء والنجوم والأبراج، لكن لا يوجد من تلك الخريطة سوى نسخة مصبوبة - مقلدة - لأن الخريطة الأصلية، نقلت قبيل قرون، إلى فرنسا، حيث تعرض الآن بمتحف اللوفر في باريس، والخريطة السماوية، التي وجدت بمعبد دندرة، تؤكد على علاقة قدماء المصريين بعلم الفلك، وتمكنهم من إمتلاك كثير من أدواته. وربما تدلنا تلك الظواهر الفلكية التي تشهدها كثير من المعابد المصرية القديمة، ومن بينها معبد دندرة، من تعامد للشمس والقمر، على براعة المصريين القدماء، في علوم الفلك والهندسة. اكتشافات جديدة ويلفت نظر الزائر لمعبد دندرة، تلك القطع الأثرية، من تماثيل وتوابيت، ولوحات منقوشة، وقد وضعت على منصات على يسار بوابة الدخول، وهى قطع أثرية اكتشفت حديثا بالمعبد، ويجرى جمعها وترميمها، والبحث عن الأجزاء المفقودة منها، وإعادة تجميعها مجددا، لتعرض في مكانها الأصلي، إن كان لها موقعا بالمعبد، أو تعرض بصالة عرض متحفى، ومعظم تلك القطع التي عثر عليها، هي قطع كاملة النقوش والرسوم. وتتواصل أعمال البحث والتنقيب والترميم بمعبد دندرة، سعيا لاكتشاف مزيد من أسراره التي مازال بعضها غامضا حتى اليوم. ومن المعروف أن معبد دندرة، قد شٌيٍدَ لعبادة الربة حتحور «رفيقة حورس، و ربة السماء، والحب، والفرح، والموسيقى، والرقص، والسرور، والخصوبة، والولادة،، وقد عبد قدماء المصريين، آلهة عدة، وصورت تلك القوى الإلهية ، في صور بشرية وحيوانية، مثل حتحور التي تارة ما تظهر برأس بقرة، أو وجه إنسان، وكما تحكى نقوش معبد دندرة، فإن تعدد الآلهة لم يكن نوعا من الشرك، بل كان لكل إقليم إلها محليا يعبده، لكن آلهة صارت تعبد في كل مصر، مثل آمون وحتحور، التي تنتشر معابدها، وتتعدد تسمياتها أيضا، فهي (سيدة الجبلين) فى القوصية وأطفيح، وهى (إيماو) في النوبة، وهى (حتحور الجميزة) فى منف، ووجدت حتحور بجميع الأماكن التي نسبها الإغريق، إلى (أفروديت) في شمال مصر وجنوبها. وكانت حتحور، حاكمة السماء وجسمها الحقيقي، والروح الحية للأشجار، وربة في صورة بقرة، ومربية ملك مصر، وربة الذهب، وكانت شخصية متعددة الألوان، وخليطا من عدة شخصيات إلهية، وجعلها قدماء المصريين، ربة للأماكن البعيدة، مثل بلاد بونت، ومناجم سيناء، وفى البر الغربي للأقصر، كانت تسمى حتحور، وتتعامد الشمس على تمثال لها في قدس أقداس معبد الدير البحري، الذي شيدته الملكة حتشبسوت، في حضن جبل القرنة التاريخي، الذي يحوى بين جنباته مئات المقابر لملوك وملكات وأميرات ونبلاء الفراعنة، وفي منف كانت حتحور حارسة للموتى. وفى معبد دندرة العظيم، تظهر في صورها الكلاسيكية الحقيقية، كربة عامة، وكامرأة شابة، مرحة وباسمة، وكربة للسعادة، والرقص، والموسيقى، أما مدينة قنا، التي أقيم ببرها الغربي، معبد دندرة، فهي محافظة ضاربة في التاريخ، وتضم مدنا تاريخية عدة، بينها قفط ، وقوص، وفرشوط، ونجع حمادي، ونقادة، وجميعها مدن تحتوى على معالم أثرية، تؤرخ لمكانة قنا في التاريخ الفرعوني، ومختلف العصور التي تلت الحقبة الفرعونية، وتسعى وزارة الآثار المصرية، بحسب مصادر في منطقة آثار مصر العليا، لتحقيق مزيد من الحماية والترميم، لمزارات قنا الأثرية، ووضع معبد دندرة، على خريطة البرنامج السياحية المصرية، لتحقيق مزيد من الجذب السياحي لمعالمه النادرة، وبرغم حرارة الجو، في فصول الصيف، وبرغم حالة التراجع السياحي، إلا أن معبد دندرة، يستقبل مئات السياح من مختلف الجنسيات في كل يوم.