يواصل الكاتب والشاعر فراس الحاج محمد جنونه الجمالي، قافزا عن كثير من العراقيل ومتجاهلا هجوم النقاد، واستياء قطاع كبير من القراء، هذا الجنون دفع وزارة التربية والتعليم برام الله إلى تشكيل لجنة تحقيق لمساءلة الكاتب عن مضمون كتاباته الموغلة في إباحية النص وتفلته من الحشمة حسب رأي المشتكين الذين تقدموا بالشكوى إلى الوزارة، فراس كما يقول أقنع لجنة التحقيق أن كلماته ومضامين نصوصه لا يمكن لجمها أو تقييدها لأن ذلك سيحد من جمالية المشهد ومن الصدق الفني ومن حرارة المشاعر.

في هذا الكتاب الجديد الذي بين أيدينا، يذهب فراس إلى تحد آخر لا علاقة له بالحسية المعهودة في كتاباته، (سر الجملة الاسمية) صدر حديثا جدا عن دار الرقمية برام الله وهو يبحث في موضوع جديد قديم لكن فراس دخل إليه من مداخل جديدة كعادته، فراس يبحث عن استخدامات الجملة الاسمية في الشعر الفلسطيني والعربي، ويطبق ذلك في قصيدة يكتبها لا أفعال فيها، وتقول الكاتبة الفلسطينية الليبية جمانا العتبة في تقديمها للكتاب: يبدأ الكاتب بشرح معنى الاسم وأنه الأصل بعرض بعض من الأمثلة في أصل الأشياء بداية من القرآن الكريم وتعليم سيدنا آدم، والبشرية الأسماء أولا لا الأفعال وهنا ينوه الكاتب أن الاسم ليس بداية اللغة وإنما أيضا الكينونة والوجود، فالاسم له دلالات وجودية لحامله فيذكر كيف للأسماء تأثيرها على الحياة الاجتماعية وكيف يخلد الاسم الفعل.

الكتاب مكون من عدة محاور: لماذا علم الله آدم الأسماء كلها؟ محمود درويش والجملة الاسمية والنصوص الدينية والجملة الاسمية و الأساليب الإنشائية والشعر والجملة الاسمية والترجمة التجليات الإيقاعية والمعنوية لاسم فاطمة، وقراءات في بعض مقاطع ديوان هي جملة اسمية، ولعل محور محمود درويش والجملة الاسمية هو الأكثر غنى وحيوية وجرأة، فهو يناقش ويحلل مطلع ديوان حصار لمدائح البحر: ليس سهلا التخلي عن الفعل في الحياة والكتابة كما يقول الباحث، بما يشكله الفعل من ثلث مساحة اللغة، باعتبار اللغة العربية مكونة من اسم وفعل وحرف، عدا أننا كائنات سردية، نحب الحكي، والسرد يحتاج إلى فعل، وإسقاط الأفعال من الكلام مع بقاء المعنى حاضرا يحتاج قدرة ما، هذا ما حدث مع محمود درويش فقد التزم في مطلع النص بالجملة الاسمية كاملة مع إمكانية تعويض الاسم باستخدام المشتقات التي تتفق مع الفعل في جملها للحدث فقط دون الارتباط المؤقت بزمن طارئ سرعان ما يزول.

يقول الشاعر والكاتب فراس الحاج محمد، ردا عن سؤالنا بخصوص هدف كتابه العام وهواجسه قبل كتابته:( يعد الكتاب (سر الجملة الاسمية) امتدادا لبحثي في صنوف بلاغة الشعر العربي، حيث بدأته في كتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، ليقودني إلى آفاق جديدة، فيحفر عميقا في صورة من صور الشعر، والتعمق أكثر في الأسلوب الذي يحكم الشاعر، فوجدت صنوفا من الصنعة أشار إليها نقاد ودارسون، ولم يلتفتوا إلى الأسلوب العام الذي يحكم القول الشعري، فجاء هذا الكتاب ليبحث في هذا الأمر، وهو اتكاء الشاعر على الجملة الاسمية أكثر من اتكائه على الأسلوب السردي الذي هو أدخل في صنوف السرد، لاعتماده على الفعل/ الحدث والزمن، وهذا ما أردت أن يلتفت إليه قارئ الشعر العربي، ويفتح آفاقا لباحثين آخرين، لدراسة الأسلوب الشعري عموما، وليس عند شاعر بعينه).

ترى مالذي سيقوله النقاد في فلسطين عن هذا الكتاب البحثي المهم؟ هل سيتجاهلوه خلطا بين فراس الحسي وفراس الباحث؟ لقد تعودوا على انتهاكات فراس للسائد والمتفق عليه في الكتابة الأدبية، وها هو هنا يضعهم في جهده البحثي هذا أمام تحد كعادته، خصوصا وأنه أرفق في آخر الكتاب قصيدة له طويلة لا أفعال فيها، عنوانها (هكذا كأنها كاملة). كم تحتاج فلسطين إلى معارك ثقافية نظيفة، لا شتائم فيها ولا لجان تحقيق ولا رقابة،! للأسف الشديد الحالة الإبداعية في فلسطين غير صحية تماما كما هي في العالم العربي، وأحيانا يظنها المرء انعكاس للتشرذم السياسي والحزبي والفكري، سننتظر ردود الفعل على هذا الجهد البحثي المهم.

الكاتب في سطور

فراس حاج محمد: كاتب من مدينة نابلس، ولد عام 1973، يحمل درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث عن دراسته "السخرية في الشعر الفلسطيني المقاوم بين عام 1948- 1993".

عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا جامعيا غير متفرغ، عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وشارك مع آخرين في تأسيس "منتدى المنارة للثقافة والإبداع".

أصدر أكثر من ثلاثين كتابا بين السرد والنقد والشعر، منها كتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور" وديوان "في أعالي المعركة"، وحرر (17) كتابا معظمها يختص بأدب الأسرى الفلسطينيين..