تقول إسرائيل إنها ما زالت تدافع عن نفسها ضد حماس، وهي تفعل ذلك منذ أكثر من 14 شهرا، ولو أعطاها الغرب الداعم دائما لها هذا الحق عن قناعة أنها تدافع عن نفسها حقا.. فكيف يقنع الغرب نفسه، ويقنع العالم أجمع، أنها تفعل ذلك وكل الحقائق الميدانية التي تنقلها شاشات القنوات الفضائية من الإعلام المنصف وتنقلها وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أن إسرائيل في حالة توحش غير مسبوقة في العالم، وأن أحدا، بما في ذلك أمريكا، لم تستطع حتى الآن إدارة التوحش الإسرائيلي، إلى حد باتت فيه أمريكا نفسها واقعة في الحرج ومتهمة عالميا أنها تدعم توحش إسرائيل وربما تصنعه أيضا.

وأمس قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة إن 14500 طفل قتلوا بشكل مباشر في غزة منذ بدء الحرب، وهذا الرقم يعني أن طفلا ونصف يقتل كل ساعة منذ بدء الحرب. وهذا معدل غير مسبوق أبدا في تاريخ كل الحروب خاصة عندما نتحدث عن حرب تدور في جيب صغير بمساحة قطاع غزة. لكن الحقيقة تشير أيضا، إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير، فهناك مئات الأطفال ما زالوا في أعداد المفقودين، وهم عمليا وفق فهم ظروف الحرب هناك تحت الأنقاض مع عشرات الآلاف من النساء والمدنيين الذين لم تستطع الجهود الأهلية الفردية إخراجهم حتى الآن ومن غير الواضح ما إذا كان سيكون لهم قبر على أرضهم في يوم من الأيام حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها نظرا للدمار الكامل الذي حدث في القطاع من شماله إلى الجنوب.

لكن الاعتداء على الأطفال وعلى الطفولة في هذه الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاوز كل حدود العدوانية والوحشية التي عرفها التاريخ؛ فإسرائيل تقتفي أثر الأطفال في المستشفيات وتخرجهم من الحاضنات وهم أطفال خدج في أشد حالات الضعف والحاجة إلى العناية الاستثنائية، وتقطع عنهم الأكسجين والأدوية الضرورية وتجوعهم أمام آبائهم وأمهاتهم وتستمتع بعذاباتهم في أشد حالات السادية توحشا وفي رغبة واضحة إلى ممارسة الإذلال.

لكن الغرب المساند الدائم لإسرائيل ولحقها المزعوم في الدفاع عن النفس ضد أطفال غزة يقرُّون كل هذا ولا يرون فيه بأسا وأنه طبيعي أو أنه حدث عارض استثنائي ناتج عن حرب «ضرورية». وسبق لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت عندما سألتها الصحفية ليزلي شتال في البرنامج التلفزيوني الشهير «60 دقيقة» عن أطفال العراق الذين يموتون بالمئات كل يوم: هل كان الثمن يستحق ذلك؟ فكان ردها: «أعتقد أن هذا خيار صعب للغاية، ولكننا نعتقد أن الثمن يستحق ذلك».

ما قالته أولبرايت قبل عقدين من الزمن تقريبا هو فلسفة لدى النخب السياسية الغربية لا يمكن أن نتصور عدول النخب السياسية الغربية عنها أبدا خاصة عندما يتعلق الأمر بدول العالم الثالث أو الدول الإسلامية وليس علينا أن نعتقد أن مثل هذه الفلسفة يمكن أن تتغير في غزة ونرى من ينتصر لعشرات الآلاف من الأطفال الذين يموتون بالصواريخ الإسرائيلية الموجهة أو يموتون في حاضنات المستشفيات في غزة أو يموتون من نقص الأكسجين أو جوعا في المخيمات أو حتى حرقا فيها؛ فالثمن كما يرى الغرب يستحق كل ذلك.. كل ذلك الموت، وكل ذلك الخراب، وكل تلك الطفولة المنتهكة وتلك الإنسانية المهانة من أجل أن تدافع إسرائيل عن نفسها!! ولا عزاء لكل القوانين والأنظمة والعهود الدولية والإنسانية قبل ذلك وبعدها!