فـي المركز التجاري «مول عمان»، أُقيم هذا الأسبوع معرض استثنائي للنزيل الخليجي، عرض فـيه نزلاء السجون الكثير من إبداعاتهم، وحرفهم، وطاقاتهم الإيجابية، ورسوماتهم، وأشعارهم، وهواياتهم، مما أعطى للآخرين بانوراما واقعية لما يحدث خلف القضبان الحديدية، وكيف يقضي النزلاء أوقاتهم، ومدى الرعاية التي يتلقونها، والتأهيل الذي يتعلمونه داخل زنازينهم، كما أظهر تلك الإبداعات الخلاقة التي يتمتع بها كثير من هؤلاء النزلاء الذين فقدوا حرياتهم، ولكنهم أطلقوا طاقاتهم الكامنة، واستفادوا من عزلتهم القسرية فـي إنتاج مشاريع مبدعة، فـي الوقت الذي يقضون فـيه محكوميتهم.
فأن تكون نزيلًا فـي سجن، لا يعني ذلك بالضرورة أن تكون «مجرمًا» - على الأقل فـي التعريف الإنساني الاجتماعي البسيط -، ولكنك مجرم فـي نظر القانون، الذي يعرّف الجريمة بأنها «فعل أو امتناع تجرّمه القوانين، صادر عن إرادة جنائية، يعاقب عليها التشريع»، وهو بذلك يُدرِج كل شخص مهما كانت طبيعة «جرمه» تحت هذا التوصيف، ولذلك فالمقترض المتعسّر مجرم فـي نظر القانون، والمتعثّر فـي سداد الديون البنكية أو الشخصية مجرم، وصاحب العمل الذي أوقعه عامل فـي مأزق مالي وهرب إلى بلده، وتركه يعاني التبعات القانونية مجرم، ومن يكفل شخصًا فـي البنك ثم يتهرّب الدائن الأصيل عن السداد يعتبر فـي نظر القانون غارمًا ومجرمًا، وحتى المدافع عن عرضه، وبيته -إن لم تتوفر لديه الدوافع، والظروف- هو فـي نظر التشريعات مجرم حتى تثبت براءته، وغير ذلك الكثير من «الجرائم» التي قد تكون خارج إرادة الشخص، ولكن القانون ينظر إليها كجرائم تستوجب الحبس المؤقت.
ولذلك يقبع فـي السجون مئات الأشخاص المعسرين، أو المتعثرين فـي السداد، أو المسرّحين الذين واجهوا صعوبات معيشية قاهرة، فاقترضوا، ثم لما عجزوا عن السداد، بات مصيرهم السجن بحكم قضائي، وبمادة قانونية جامدة، لا روح لها، ولا تقبل التأويل، ولكي يتأقلم هذا السجين على المكان الجديد، يأخذ وقتًا طويلًا، ويعاني معاناةً نفسيةً قاسيةً، ولكنه فـي النهاية يرضخ للأمر الواقع، ويسلم أمره لله، ويعيش أيامه بكل حالاتها، وفـي هذه الأثناء تظهر إنسانية «السجّان» -بمفهومه الفردي والمؤسسي-، والذي يعمل على تنفـيذ القانون، ولكنه فـي الوقت ذاته، يتفهم نفسية، وظروف، ومعاناة هؤلاء النزلاء، ولذلك يتولى رعايتهم، والتعاطف معهم، وتقويم سلوكهم، وإرشادهم، وتأهيلهم، ليتقبلوا وضعهم الوقتيّ العصيب، وفـي الوقت نفسه يتيح لهم الاستفادة من أوقاتهم، والعمل بمقابل مادي، وتفريغ طاقاتهم وإبداعاتهم كعلاج سلوكي للكثيرين منهم، كما أنه يتيح لهم فرصة استكمال دراساتهم، والاستفادة من أوقات فراغهم فـي حفظ القرآن الكريم، أو القراءة فـي معارف مختلفة تعود على تنمية عقولهم، وتفكيرهم، وتثري ثقافتهم، فالسجن لم يعد بذلك المفهوم التقليدي الذي يحبس الحريات، ويعد أنفاس المحبوسين فـيه، بل أصبح مفهومًا أوسع، وأكثر عمقًا، وفلسفةً.
وتبقى نظرة المجتمع خارج السجن لهؤلاء النزلاء نظرة دونية -للأسف-، تحتاج إلى الكثير من التثقيف، وتغيير المفاهيم، فرغم أن السجن يبقى عقوبة وقتية، إلا أن النظرة العامة لا تزال محدودة لكل من حُكم عليه بالحبس، وقد يخرج النزيل بعد انقضاء فترة العقوبة، ويسترد حريته، ولكن المجتمع يحبسه فـي صورة نمطية لفترة طويلة، خاصة النساء السجينات، اللاتي يعانين الكثير بعد خروجهن، ويحتجن إلى فترات طويلة من التأهيل، والصبر لمواجهة نظرات الآخرين لهن.
فشكرًا لكل يد مخلصة فـي شرطة عمان السلطانية شعرت بألم هؤلاء النزلاء، فأتاحت لهم فرصة لإطلاق إبداعاتهم، وتبديد تلك الصورة السلبية النمطية للسجون، وإتاحة المجال للمجتمع لرؤية ما يحدث داخل أسوار السجن المركزي، وطرق الإصلاح التي تعمل عليها الدولة، وصولًا إلى «النزيل رقم صفر».
فأن تكون نزيلًا فـي سجن، لا يعني ذلك بالضرورة أن تكون «مجرمًا» - على الأقل فـي التعريف الإنساني الاجتماعي البسيط -، ولكنك مجرم فـي نظر القانون، الذي يعرّف الجريمة بأنها «فعل أو امتناع تجرّمه القوانين، صادر عن إرادة جنائية، يعاقب عليها التشريع»، وهو بذلك يُدرِج كل شخص مهما كانت طبيعة «جرمه» تحت هذا التوصيف، ولذلك فالمقترض المتعسّر مجرم فـي نظر القانون، والمتعثّر فـي سداد الديون البنكية أو الشخصية مجرم، وصاحب العمل الذي أوقعه عامل فـي مأزق مالي وهرب إلى بلده، وتركه يعاني التبعات القانونية مجرم، ومن يكفل شخصًا فـي البنك ثم يتهرّب الدائن الأصيل عن السداد يعتبر فـي نظر القانون غارمًا ومجرمًا، وحتى المدافع عن عرضه، وبيته -إن لم تتوفر لديه الدوافع، والظروف- هو فـي نظر التشريعات مجرم حتى تثبت براءته، وغير ذلك الكثير من «الجرائم» التي قد تكون خارج إرادة الشخص، ولكن القانون ينظر إليها كجرائم تستوجب الحبس المؤقت.
ولذلك يقبع فـي السجون مئات الأشخاص المعسرين، أو المتعثرين فـي السداد، أو المسرّحين الذين واجهوا صعوبات معيشية قاهرة، فاقترضوا، ثم لما عجزوا عن السداد، بات مصيرهم السجن بحكم قضائي، وبمادة قانونية جامدة، لا روح لها، ولا تقبل التأويل، ولكي يتأقلم هذا السجين على المكان الجديد، يأخذ وقتًا طويلًا، ويعاني معاناةً نفسيةً قاسيةً، ولكنه فـي النهاية يرضخ للأمر الواقع، ويسلم أمره لله، ويعيش أيامه بكل حالاتها، وفـي هذه الأثناء تظهر إنسانية «السجّان» -بمفهومه الفردي والمؤسسي-، والذي يعمل على تنفـيذ القانون، ولكنه فـي الوقت ذاته، يتفهم نفسية، وظروف، ومعاناة هؤلاء النزلاء، ولذلك يتولى رعايتهم، والتعاطف معهم، وتقويم سلوكهم، وإرشادهم، وتأهيلهم، ليتقبلوا وضعهم الوقتيّ العصيب، وفـي الوقت نفسه يتيح لهم الاستفادة من أوقاتهم، والعمل بمقابل مادي، وتفريغ طاقاتهم وإبداعاتهم كعلاج سلوكي للكثيرين منهم، كما أنه يتيح لهم فرصة استكمال دراساتهم، والاستفادة من أوقات فراغهم فـي حفظ القرآن الكريم، أو القراءة فـي معارف مختلفة تعود على تنمية عقولهم، وتفكيرهم، وتثري ثقافتهم، فالسجن لم يعد بذلك المفهوم التقليدي الذي يحبس الحريات، ويعد أنفاس المحبوسين فـيه، بل أصبح مفهومًا أوسع، وأكثر عمقًا، وفلسفةً.
وتبقى نظرة المجتمع خارج السجن لهؤلاء النزلاء نظرة دونية -للأسف-، تحتاج إلى الكثير من التثقيف، وتغيير المفاهيم، فرغم أن السجن يبقى عقوبة وقتية، إلا أن النظرة العامة لا تزال محدودة لكل من حُكم عليه بالحبس، وقد يخرج النزيل بعد انقضاء فترة العقوبة، ويسترد حريته، ولكن المجتمع يحبسه فـي صورة نمطية لفترة طويلة، خاصة النساء السجينات، اللاتي يعانين الكثير بعد خروجهن، ويحتجن إلى فترات طويلة من التأهيل، والصبر لمواجهة نظرات الآخرين لهن.
فشكرًا لكل يد مخلصة فـي شرطة عمان السلطانية شعرت بألم هؤلاء النزلاء، فأتاحت لهم فرصة لإطلاق إبداعاتهم، وتبديد تلك الصورة السلبية النمطية للسجون، وإتاحة المجال للمجتمع لرؤية ما يحدث داخل أسوار السجن المركزي، وطرق الإصلاح التي تعمل عليها الدولة، وصولًا إلى «النزيل رقم صفر».