تقول الأسطورة اليونانية القديمة إن أطلس - وهو فـي هذه الأسطورة إله ابن إله- ارتضى لنفسه العقاب الذي قرره له زيوس فـي حربه ضد الجبابرة بأن يحمل السماء فوق كتفـيه طوال حياته، وذلك بعد خسارة الجبابرة فـي حربهم وتمردهم على آلهة الأولمبيين. تستطرد الأسطورة فـي الحديث عن هرقل، ابن الإله زيوس المنتصر، بأنه أراد إراحة أطلس من مهمة حمل السماوات على كتفـيه مقابل جلب ثلاث تفاحات ذهبية، على أن ينوب عنه فـي الحمل حتى عودته من مهمته. وحين أنهى أطلس المهمة، رفض حمل ما كان يحمله. إلا أن هرقل، المتصف بالدهاء، خاطب أطلس قائلاً إن حمل السماوات لا يحتاج إلا إلى شخص قوي مثله. وهنا انطلت الخدعة على أطلس فعاد إلى حمل السماوات أو الكرة الأرضية كما يرمز لها فـي التماثيل الإغريقية.

قد تكون قصة أطلس هذه ساذجة وصعبة التصديق، لكنها تحمل مدلولاتها الفلسفـية التي نراها ماثلة أمام أعيننا كل يوم. فكثير من الناس يتصفون بسذاجة كبيرة، فـيصدقون ما يقال لهم من مديح عن ذواتهم ويعتقدون أن ما يسمعونه من قول لين حسن يمثل شخصيتهم. فـيتحملون أعباء كبيرة ربما يكونون فـي غنى عنها. يمكن وصف أطلس هنا بالقوي الشجاع الذي يقبل تحمل المسؤولية ويلتزم بها، وهو من يقوم بالتضحية لأجل الآخرين. لكنه فـي ذات الوقت واهم وساذج، مخدوع بالمظاهر الخارجية لمن حوله من البشر الذين يقولون ما لا يضمرون من أقوال وأفعال مقابل وعود سطحية قد لا تتحقق على أرض الواقع. فليس كل ما يقال يحمل فـي داخله نية صادقة.

من الدروس الفلسفـية التي يمكن استنباطها من أطلس الساذج وهو يحمل السماء على كتفـيه، أن كثيرًا من الناس يعيشون فـي وهم أن العالم لا يمكن أن يستمر دونهم. ابتداءً من السياسة وانتهاءً بالأسرة، فهم مثل أطلس يتوهمون أن أكتافهم وحدها قادرة على تحمل الأعباء الكبرى، وأنهم المسؤولون عن تسيير أمور الحياة وحراسة الكون وحدهم.

فـي أمور السياسة، مثلاً، نجد أن شخصية أطلس متقمصة فـي العديد من الزعماء والسياسيين والقادة ممن يعتقدون أن وجودهم فـي السلطة هو الضمان الوحيد لاستقرار البلاد واستمرار الحياة. وهذا الوهم يدفعهم إلى التشبث بالمناصب رغم الرفض الشعبي لهم، متجاهلين أن العالم لا يقوم على أكتافهم وحدهم. هؤلاء القادة غالبًا ما يستمعون إلى المحيطين بهم الذين يلعبون دور «هرقل»، يوهمونهم بأهميتهم المطلقة ويعززون شعورهم بأن غيابهم يعني سقوط النظام.

لكن التاريخ يثبت أن هذا التفكير لا يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع. فالمكابرة والاستمرار فـي المنصب ضد إرادة الناس تفضي إلى الثورات والفوضى، وتؤدي إلى انهيار الأوطان. كما أن تحمل أعباء السلطة وحدها، دون تفويض أو بناء مؤسسات قوية، يخلق فراغًا كبيرًا عند غياب القائد، مما يجعل الخراب حتميًا.

يظل البشر كما هم منذ خلقهم الله، يحملون ذات الصفات والخصائص منذ فجر الكون وحتى نهايته. فهم أحفاد أطلس وهرقل، يحملون ذات الجينات الوراثية البشرية، ويواجهون المصير ذاته الذي واجهه أطلس فـي تحمله لأعباء الحياة. لكن العبرة تكمن فـي كيفـية التعامل مع تلك الأعباء. فكما كانت خدعة «هرقل» تلاعبًا بعقل أطلس، علينا أن نتجنب تصديق المخادعين الذين يزينون لنا الأوهام ويثقلوننا بالأعباء التي لا نطيقها. ومن جهة أخرى، يجب أن نعلم أن الحياة لا تقوم على شخص واحد أو فرد يظن نفسه القادر على حمل السماء فوق كتفـيه. بل إن الحكمة تقتضي أن يتحمل الجميع المسؤولية بتوازن منسجم، وألا نسمح لأحد أن يثقلنا بما لا نحتمل، كما فعل الإله أطلس من قبلنا.