يفرض مجلس التعاون الخليجي الذي اجتمع قادته أمس الأول في دولة الكويت مكانته على المستوى الشعبي والدولي خلال هذه المرحلة المضطربة، وهو مشهد يتكرر في موقفه السياسي كما حدث في أزمة احتلال الكويت حيث كان له دورٌ فاعلٌ في إنهائها، وفي الأزمة الخليجية الداخلية الأخيرة التي تم تجاوزها بحكمة من خلال أدوار المجلس.

إن هذا الدور والحضور يأتيان في مرحلة مهمة قد يكون استشعر المواطن الخليجي خلالها أن بريق المجلس الذي تعول عليه الدول أدوارا كبيرة بدأ يخفت رويدا رويدا منذ بداية هذا العقد، وإن الإنجازات التي كان يحققها تباعدت وإن قادة المجلس قد يفضلون الشراكات الثنائية بين الدول أكثر من منظومة المجلس، وإن تعثر مشروع الجواز الموحد والعملة الواحدة واستكمال منظومة المواطنة والتنقل الحر بين دوله قد تكون مآخذ على وضع المجلس حاليا.

إن أهمية بقاء مجلس التعاون الخليجي ككيان جامع للفكر والرأي والتوجهات الخليجية المشتركة وأداء أدواره في الوقت الراهن يشكل مطلبا أوليا في توجهات دول المجلس؛ لأن الدول لن تتمكن من التصدي للتحديات الأمنية والتهديدات العسكرية وحدها، نظرا لما تشهده المنطقة والإقليم من تطرف في العنف والإبادة والحروب المفتعلة والمجاهرة بالأطماع من بعض دول الجوار لأراضيه، علماً بأن أطماعها في نفطه وأراضيه وموارده نتيجة لموقعه الجيوسياسي، ومخاطر الصراعات المتوقعة بين الأقطاب على حدوده والتهديدات المستمرة لا تخفى على أحد.

إن الوضع القادم في المنطقة أخطر مما نتوقع وأن تغيير حدود الخرائط وارد واختفاء وظهور كيانات متوقع، وإعادة تقسيم المنطقة محل نقاش بين الطامعين وهذا هو المقلق.

من هذا المشهد الضبابي غير الواضح للمستقبل لابد أن يكون مجلس التعاون الجامع بما تحت مظلته من حكومات وشعوب قادر على التقدم بخطوات متسارعة نحو الوحدة التي تضمن بقاءه واستمراره وتضمن مصيره، فالأسس التي بني عليها نحتاج إلى تعظيمها والمبادئ التي قام من أجلها يجب المحافظة عليها.

مصير دول المجلس وأملها وبقاؤها واحد وتطلعات شعوبها واحدة فهي من مجتمع واحد توزعت على جغرافيته؛ فارتبط مصيرها ووجودها.

لذا بقاء واستمرار وازدهار دول المجلس يحتاج إلى المزيد من الجهد والتسارع في اتخاذ القرار في مسائل مصيرية ولعل المنظومة العسكرية تأتي على رأس أولويات حفظ هذا الكيان الجماعي؛ لأنه الضامن الوحيد لبقاء مجلس التعاون واستمراره، أضف إلى ذلك ترسيخ أكبر لمبادئ الوحدة التي أقرها الآباء المؤسسون التي تهدف إلى دمج المواطنة والاقتصاد والتكاملية بين دوله في البنية الأساسية والربط الحكومي.

الرهان على وحدتنا هو ما نقدمه من إنجازات تضاف إلى ما تحقق وما يقوم به أصحاب الجلالة والسمو في كل اجتماعاتهم هو دعم خطوات الوحدة والربط بالمصير الواحد، ولا يعني تأخر الإنجازات التي ينشدها المواطن الخليجي أن منظومة المجلس قد أصابها الخلل، بل هي ماضية وإن تأخرت قليلا، لكن الواقع اليوم يفرض علينا التسارع في خطواتنا، وتقاربنا أكثر من أي وقت مضى، نظرا لما يدور حولنا.