من فضل الله علينا أن ولدنا فـي عصر شبكات التواصل الاجتماعي التي وضعت العالم بين أيدينا، كشفت لنا كيف يعيش من حولنا فـي بؤس وشظف عيش لم تكن عقولنا قادرة على استيعابه، وتلمسنا من خلالها حاجاتهم، وظهرت كثير من الفرق التطوعية والأعمال الخيرية التي تتبع هذه الاحتياجات وتنقلها لنا حتى نستطيع أن نوجه صدقاتنا التوجيه الصحيح، وتنبهنا إلى ما تشكله ظاهرة (التسول) من خطورة على المجتمعات، فقد كانت هذه هي الوسيلة التي كنا نوجه لها صدقاتنا فـي الغالب، صحيح أن التصريح بالصدقات غير جائز إذا كانت بهدف الرياء، لكن لا نستطيع أن ننكر أن الإعلان عنها فتح لنا آفاقا واسعة لتوجيه صدقاتنا المادية والمعنوية على حد سواء، فالمولى جلت قدرته يقول فـي محكم آياته:

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» والصدقة ليست بالضرورة أن تكون بالمال، أحيانا كلمة طيبة واحدة تقولها فـي لحظة استعداد من الطرف الآخر قادرة على نقله إلى مستويات لا يحلم بها، وفـي الوقت ذاته صدقة مالية يعقبها كلمة جارحة قادرة على أن تهوي بذات الشخص إلى مستويات مدمرة قد لا يخرج منها، وهو ما يدعونا إلى اختيار عطائنا بحذر، ونختار الطريقة بحذر، فإلى جانب الفوائد الجمة لعرض الصدقات، فـي المقابل هناك للأسف سلبيات أيضا تتمثل فـي عرض هذه الصدقات بطريقة قبيحة، يتم من خلالها تصوير المحتاج وهو يستلم الصدقة، وعرض تفاصيل حياته الخاصة فـي طريقة أجدها شخصيا مهينة، فالله سبحانه وتعالى قال أيضا فـي محكم آياته: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» فالله سبحانه صوَّر العطاء بمن وأذى، بالحصى الأملس الذي يتساقط عليه المطر، لكنه لا يستطيع الاحتفاظ بشيء من الماء، كذلك هو إنفاقنا بالمن والأذى، يذهب هباءً منثورًا لا يبقى لنا من أجره شيئًا، فلنختر عطاءنا بحذر.

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية