|
|
|
فـي مراحلنا المدرسية الأولى حفظنا نصوصا تعزّز علاقة الإنسان بوطنه، وعرفنا، عندما كبرنا، أن هذه النصوص تصنّف على أنها من الشعر الوطني الذي له دور فـي بثّ روح الحماس فـي نفوس أبناء الوطن، وحثّهم على الدفاع عنه حين يواجه عدوّا، ونتذكّر جيدا الأثر الذي كان يحدثه فـي نفوسنا سماع نشيد « الفتوّة» الذي لحّنه الراحل سعيد شابو، ومطلعه:
لاحت رؤوس الحراب
تلمع بين الروابي
هاكم وفود الشباب
هيا فتوّة للجهاد
هيّا..هيا هيا هيّا هي
وكانت حناجرنا ترتفع بأعلى ما تستطيع، ونحن نردّد «هيّا هي»، بحماس كبير، ما زلت أجسادنا تهتزّ حين نستذكر تلك الكلمات التي لا يُعرف قائلها، كما أخبرني ملحّنها سعيد شابو، وروى لي قصّته المثيرة حين سألته عن اسم شاعرها فـي مطلع التسعينيات، ولا غرابة فـي ذلك، فمشاعر الانتماء للوطن تجعل جميع مَنْ يعيش على ترابه شعراء، وحين يعبّرون عنها، تتدفّق بشكل عفوي.
وفـي الشعر العماني برز شعراء تغنّوا بأمجاد عمان وتاريخها وحاضرها مثل: الشيخ عبدالله الخليلي وأبي سرور (حميد الجامعي)، وعبد الله الطائي، وعبدالله بن صخر العامري، وهلال العامري وسعيد الصقلاوي وحمود العيسري، وحسن المطروشي، وتركية البوسعيدي، ود. سعيدة خاطر، التي تقول «معظم شعراء عمان تناولوا الشعر الوطني، ونُرجِعُ ذلك لظروف عمان قبل وبعد النهضة بالإضافة إلى تنوّع بيئات عمان لكونه وطنا ثريا بالجمال متنوع الملامح، ولن يخطئ الرائي الملامح والهوية العمانية فـي الشعر الوطني، وهناك أبعاد وجدانية وأبعاد شبه ملحمية وأبعاد تاريخية وأبعاد شبه الأسطورية، والبعد الوجداني هو الأساس فـي كل شعر وطني».
وخلال قراءتي لنصوص الشاعرة هاشمية الموسوي لاحظتُ أن البعد الوجداني يتجلّى بشكل واضح فـي شعرها الوطني، بدءا من ديوانها الأول (إليك أنت) الصادر عام 1993 وليس انتهاء بديوانها الجديد (أبجديات عشق) الذي صدر مؤخّرا عن دار (الآن ناشرون وموزعون)، فقد تضمّن العديد من القصائد الوطنية، فبدءا من العنوان، العتبة الأولى، تعطينا الشاعرة مفتاحا لقراءة التجربة، فالعشق هنا يتجاوز العشق الحسّي، فالشاعرة تذهب بنا إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى عشق الوطن، وفـيها تتجلّى مشاعرها الوطنية التي تتأجّج فـي روحها وهي تتغنّى بالوطن المتوّج بالجمال:
وغالبا ما تبدأ نصوصها بالتغنّي بأمجاد عمان وحضارتها وتاريخها الزاهر، فعُمان فـي قصيدتها (قنديل الحضارة) تقترن بالضوء، الذي يسير على هديه الجميع، وهي «شموس المجد» و «سيدة الضياء» و«كوكب الأوطان» كما تصفها:
وفـي قصيدتها (تيجــان من العرفان) التي كتبتها بمناسبة العيد الوطني الـ٥٢ المجيد تتحدّث عن رؤية ٢٠٤٠ وركيزتها الأساسية الشباب، الذين هم عماد الوطن والحضارة، تقول:
وقد غلب نظام الشطرين على نصوص المجموعة التي بدأتها بأبجديات عشق الوطن وقيادته، وهذا المنحى يشغل جلّ نتاجها الشعري منذ بداياتها، وربما ساعد على توجّهها هذا عملها فـي التعليم وانخراطها فـي الأنشطة الطلابية، فجعلها تجتهد فـي وضع الكثير من النصوص ذات المنحى الوطني التي تُنشد فـي الاحتفالات والمناسبات الوطنية، وقد عبّرت فـي هذه النصوص عن مشاعرها اتجاه الوطن وجلالة السلطان والسيدة الجليلة، و(مسقط الحب) التي تخاطبها بقولها:
فهاشمية الموسوي عاشقة، ولم تجد وسيلة تعبّر عن عشقها لبلدها عُمان أفضل من القصيدة، وهي تتهجّى أبجديّات حروف أضواء كوكب الأوطان.
هذي المشاعرُ فـي صدري أُسطّرُها
حلم تجلّى على روحٍ مناصِرةٍ
وطنٌ تغنّى على فرش مبللة
فـي النائبات على الأحياء بركانا
صار التلاحمُ فـي الأهوال إيمانا
بالورد تزهو ترانيما وألوانا
وعمان باتت للحضارة معلما
وطن الألى فـيه المفاوز روضة
وعمان سيدة الضياء منارة
فـي كوكب الأوطان تهفو أنفس
وطن التسامح فـي الخطوب تبسّما
فبيه حقول العلم باتت مغنما
ألق جميل بالمعاني قد نما
وبريق شوقي فـي المدائن خيّما
المجد يُشرقُ فـي ربا أوطاني
هي «رؤيةٌ» حَطَّتْ ركابَ رحالِها
بوَّابةٌ فـيها المزايا جَمَّةٌ
فـيها الشبابُ عمادُ كلِّ حضارةٍ
وعليه تيجانٌ من العرفانِ
لتضوعَ مسكًا فاح بالرَّيحانِ
هبةُ السماءِ وروعةُ البنيانِ
عَبقُ المساءِ وهمّةُ الشجعانِ
يا مسقطَ الحب انعمي وتدلَّلي سيطيب جرحٌ يا بلادًا صانها
دُمنا جمالًا يا عُمانُ على المدى
يا نسلَ أمجادِ السلاطين التي
محروسةً فـي عهد فذٍّ ضيغم
عشقٌ من الرحمن يرقى فـي دمي
بوحٌ ليسري فـي الفضاء الباسم
صنعتْ رجالًا للشدائد تنتمي |
|
|
|
|