من أهم نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعموم فلسطين وعلى لبنان والتطورات السياسية المتلاحقة والانقسامات الداخلية في الكيان الصهيوني بين الساسة وفي مقدمتهم رئيس الحكومة المتطرفة نتنياهو وبين قيادات الجيش، هو اقتراب نهاية نتنياهو السياسية من خلال عدد من المؤشرات والحسابات الداخلية والشلل الاقتصادي الذي يعم الكيان المحتل علاوة على أهم تلك العوامل وهي الهزيمة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي جبهتي غزة وجنوب لبنان وتدني الروح المعنوية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تكبدت خسارة كبيرة على صعيد القتلى والجرحى وتدمير آلاف المدرعات والمركبات والجرافات.

ومع اقتراب نقل السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية من الرئيس الأمريكي الحالي بايدن إلى الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب تبدو الصورة أكثر ضبابية بالنسبة لنتنياهو، والذي دخل في مشكلات معقدة في إسرائيل بداية من الهزيمة الاستراتيجية في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ بعد الهجوم العسكري التاريخي الذي شنته المقاومة الفلسطينية حماس وبقية الفصائل الأخرى ومرورا بفشل تحقيق أهداف الحرب وفضيحة التسريبات، وأخيرا وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق سياسي بين لبنان والكيان الصهيوني بوساطة أمريكية، وعلى ضوء ذلك فإن المناخ السياسي في الكيان يوحي بأن نتنياهو هو في أيامه الأخيرة في السلطة خاصة إذا توقفت الحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان.

إن مرور أكثر من ١٤ شهرا على معركة الأقصى التاريخية وأيضا المواجهة الاستراتيجية بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان قد وضعت نتنياهو وحكومته المتطرفة في موقف محرج، كما أن الإدارة الأمريكية القادمة وخطط ترامب تريد إنهاء الحروب والصراعات في الشرق الأوسط، وهذا يعطي مؤشرا على أن قضايا التحقيق من خلال عدد من الاتهامات القضائية ضد نتنياهو سوف تنشط في المحاكم الإسرائيلية وهو الأمر الذي يخشاه نتنياهو.

من أهم المتغيرات الأخيرة والتي عصفت بمستقبل نتنياهو السياسي هو إعلان مذكرة التوقيف الدولية ضد نتنياهو ورئيس الأركان جالانت من قبل محكمة الجنايات الدولية وهو الأمر الذي لقي ترحيبا من عدد كبير من الدول الغربية ودول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مما يعني وجود عزلة دولية على تحركات نتنياهو ورئيس الأركان جالانت، كما أن السمعة السياسية لنتنياهو وهي مدمرة أساسا ازدادت تدميرا حتى من قبل الدول الغربية والتي تعد حليفة للكيان الصهيوني مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. كما أن الكيان الصهيوني أصبح منبوذا من العالم خاصة على الصعيد الشعبي، حيث فضحت شبكات التواصل الاجتماعي سلوك الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين وفي لبنان مما جعل ملايين الشعوب تخرج في مظاهرات كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية، كما فضح الإعلام الدولي جريمة الكيان الصهيوني، والذي ارتكب جرائم إبادة ضد المدنيين في قطاع غزة معظمهم من الأطفال والنساء وهي أحد أبشع جرائم الحروب في التاريخ الحديث. ومن هنا فإن المشهد السياسي في الكيان الصهيوني هو مشهد مرتبك، ونتنياهو يبحث عن طريق إنقاذ من السقطات والكوارث العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تجمعت عليه، كما أن المظاهرات من قبل أهالي الأسرى المحتجزين من قبل حماس قد أضافت للمشهد السياسي الكثير من التعقيد وخيبة الأمل لنتنياهو وحكومته المتطرفة العالم، وفي ظل مشاهد جريمة الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني واللبناني لم يعد قادرا على تحمل حماقة نتنياهو وحكومته المتطرفة كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة لها برامج وأهداف ذات صبغة اقتصادية كما وعد بذلك الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب إذا ما صدق في وعوده الانتخابية على اعتبار أن الرجل ذو اهتمامات اقتصادية والحروب لا تخدم استراتيجيته وشعاره أمريكا أولا. كما أن المزاج الشعبي الأمريكي الذي انتخب ترامب لايريد الحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان وهو يشاهد المجازر اليومية ضد الإنسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي. كما أن ترامب يتحدث عن عالم بعيد عن الحروب ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تكلف الخزينة الأمريكية عشرات المليارات من الدولارات علاوة على المساعدات العسكرية والأمنية لكل من الكيان الصهيوني وأوكرانيا وهو ما يكلف دافع الضرائب الأمريكي الكثير وعلى حساب معيشته ومصالحه الداخلية.

إذن سقوط نتنياهو على ضوء تلك المحددات والعوامل والمؤشرات هي مسألة وقت، كما أن صدور مذكرة التوقيف الدولية من محكمة الجنايات الدولية والمداولات الأخرى في محكمة العدل الدولية قد أحكمت الخناق على نتنياهو وحكومته المتطرفة. كما أن نتنياهو في تصوري سوف يشكل عبئا سياسيا كبيرا لا يريده ترامب، وهو يستعد إلى مرحلة سياسية مختلفة، وفي إطار منهج داخلي وخارجي تتطلع إليه ملايين من الناخبين الأمريكيين، وهذا عامل مهم لدى إدارة ترامب القادمة، والتي سوف تتسلم السلطة وتدخل للبيت الأبيض في العشرين من شهر يناير من العام الجديد القادم ٢٠٢٥. لم يعد لنتنياهو من مخرج في تصوري أمام تلك المتغيرات الداخلية والخارجية وسوف يكون سقوطه السياسي مدويا ليدخل التاريخ كواحد من كبار مجرمي الحرب في التاريخ الحديث.