فـي نهاية المطاف لم يكن الفارق طفـيفا. ولقد قال دونالد ترامب وهو يعلن انتصاره فـي أولى ساعات السادس من نوفمبر من مقر حملته الانتخابية فـي بالم بيتش بفلوريدا إن «أمريكا أعطت تفويضا قويا وغير مسبوق». ليس مهما أن معظم الشبكات الكبرى لم تكن قد أعلنت نتيجة السباق بعد أو أن منافسته الديمقراطية كامالا هاريس لم تكن اعترفت بعد بالهزيمة. وفـي ظل فوز الجمهوريين بالسيطرة فـي مجلس الشيوخ ومضيّ الرئيس السابق على طريق الفوز بالتصويت الشعبي بجانب المجمع الانتخابي، بدا واضحا أن ترامب فـي طريق الرجوع إلى البيت الأبيض فـيما أطلق عليه شريكه فـي الترشح جيه دي فانس «العودة السياسية العظمى فـي تاريخ الولايات المتحدة».

وفـي إشارة إلى قيام مسلح بإطلاق النار عليه حتى أوشك على قتله فـي محاولة اغتيال فـي شهر يوليو خلال مسيرة فـي بتلر بولاية بنسلفانيا فأصاب أذنه قال ترامب أمام حشد من أنصاره إن «الرب لم ينقذ حياتي إلا لحكمة» ومضى فقال إن «هذا سوف يظل فـي الذاكرة بوصفه اليوم الذي استرد فـيه الشعب الأمريكي سيطرته على بلده». فانفجر الحشد هاتفا «أمريكا! أمريكا».

من المهم أن نفهم المزيج القوي المؤلف من الخوف والظلم والتفكك الاقتصادي، فذلك هو المزيج الذي كان وقودا لرجوع ترامب إلى السلطة فـي بلد تشعر أغلبية الناخبين فـيه بأنهم أسوأ حالا مما كانوا عليه قبل أربع سنوات. فـ7% فقط من الناخبين فـي استطلاع شبكة سي إن إن للناخبين الخارجين من لجان الاقتراع هم الذين قالوا إنهم متحمسون للوجهة التي يمضي فـيها البلد. و72% قالوا إما أنهم غير راضين أو غاضبون على الاتجاه الذي يمضي إليه بلدهم. وفـي انتخابات يبدو مرجحا أن تشهد أكبر انقسام جندري وتعليمي فـي تاريخ الولايات المتحدة ـ حيث إن بعض أوفى أنصار ترامب شباب بلا شهادة جماعية ـ لقى تعهد ترامب بـ«الانتقام» و«إرجاع أمريكا» جمهورا متلهفا فـي شريحة عريضة من الشعب شعرت أنها تلقى نظرة دونية من النخبة السياسية.

فـي أثناء تغطيتي لمسيرة لترامب فـي سالم بولاية فرجينيا فـي الثاني من نوفمبر، لفت نظري أن كثيرا من الناس يرتدون أكياس قمامة بلاستيكية سوداء وصدريات ناصعة فـي إشارة إلى تعليق لبايدن فـي أواخر أيام حملته إذ بدا أنه يقول: إن أنصار ترامب «قمامة». بدا للكثيرين فـي تعليقه ذلك صدى من وصف هيلاري كلينتن الشهير لناخبي ترامب بأنهم «سلة بائسين» سنة 2016. قال لي أحد الأنصار فـي المسيرة ويدعى جو جاكسن وعمره ستون عاما: إن «كل ما تبني عليه هاريس حملتها هو ترامب وفكرة أننا جميعا قمامة بائسة»، وكان واقفا بجوار شاحنة قمامة بيضاء عليها صورة بالحجم الطبيعي للرئيس السابق وعبارة نصها «قمامة بائسة من أجل ترامب». وصاح من ورائنا صائح فـي اعتزاز قائلا «أنا قمامة». اصطف الناس لالتقاط صور لأنفسهم بجوار ترامب، رافعين قبضاتهم فـي محاكاة لتعبيره المتحدي بعد محاولة الاغتيال مكررين قولته «النضال، النضال، النضال». مضى جاكسن يقول: «يحلو لي أنني قمامة». سألته إن كان يعتقد أن هذا رأي كامالا هاريس الحقيقي فـيه. فقال «نعم، كان هذا إحساسها دائما. وهكذا هم الديمقراطيون».

كان مات بارجر، 33 عاما، يقف على مقربة، مشاركا فـي المسيرة مع والديه، وقال: إن ترامب يمثل «رجل الطبقة العاملة». أعجبه فـي ترامب أنه أدار عمله الخاص وآمن بقدرته على الوفاء بوعده بتخفـيض تكاليف الحياة على الأسر المماثلة لأسرة مات بارجر. قال لي: «معروف أن الرجل منا يحب أن يشعر بأنه قادر على أن يوفر لأسرته أسباب الحياة، ولقد بلغت صعوبة تحقيق الرجل لذلك ودعمه لأسرته حد الجنون. يكاد يكون من المستحيل أن تسمح لزوجتك بالبقاء فـي البيت لرعاية الأولاد، وهنا يستصغر الرجال أنفسهم». وأضاف والده لاري بارغر، الذي يبلغ من العمر ستين عاما وهو من قدامى المحاربين فـي الجيش الأمريكي قائلا: إن «اقتصادنا الآن فـي ركود». قال إنه تلقى ضربة قوية برفع أسعار الوقود وإنه يريد رئيسا يتبنى موقفا متشددا من الهجرة. «لم يكن فـي هذه المدينة حينما انتقلنا إليها قبل إحدى عشرة سنة أي جرائم تقريبا وظلوا يستوردون الناس، وينقلونهم بالطائرات، وهم الآن يعيشون حرفـيا فـي الجهة المقابلة لبيتنا من الشارع، وهذا ما يجري فـي كثير من المدن الصغيرة فـي أمريكا».

رسالة ترامب هي أن نجاة أمريكا تقوم على نتيجة هذه الانتخابات، وقد وجدت رسالته صدى لدى الحشود. قال لي الناس إنهم يصوتون لإنقاذ أمريكا من «غزو المهاجرين غير الشرعيين» ولمنع «البلد من التفكك» واستباقا لانحدار حتمي إلى «الاشتراكية» لولا هذا التدخل منهم. فالرهان فـي هذه الانتخابات هائل مثلما قالت لي سارة ويتمر، 33 عاما، التي كانت ترتدي كيس قمامة أسود كتبت عليه «من أجل الخطائين مات يسوع». قالت: إنها لا تعتقد أن ترامب نفسه مسيحي «نظرا لخياراته الحياتية» لكنها رأت مواقفه السياسية «أقرب إلى الحياة المسيحية» وبوصفها والدة لأربعة أبناء فهي معنية بشدة بضمان حدود الولايات المتحدة وتأمينها. قالت: إن «الناس يكافحون والأمر يزداد سوءا، وكلما زاد عدد المهاجرين الشرعيين المسموح لهم بالدخول، يزداد الجهد. فـي حال مضاعفة السكان فـي مكان هو غير مهيأ له، فهذه جريمة فـي حق الجميع».

بدا المشاركون متفائلين عند سؤالهم عن تحذير مسؤولين كبار سابقين فـي إدارة ترامب من كونه «فاشيا» يمثل خطرا جسيما على الديمقراطية الأمريكية. فقد قال لورنس ديموريت، 34 سنة، وهو يمسك يد ابنته ذات العامين «يمكنني أن أرى مصدر ذلك كله. هو يبدو لي هتلريا». سألته عما يعنيه بذلك، فـي ضوء أن بعض المدافعين عن ترامب حاولوا التهوين مما تردد عن إعجابه بهتلر وثنائه على الزعماء الاستبداديين فقال «أقصد المعنى السيئ. هو خطر». ومع ذلك فهو لا يرى له بديلا. قال «سأبقى مفتوح العينين. لكنه أهون الشرين».

وإذن، يعلم الأمريكيون من هو دونالد ترامب. وقد صوتوا له بأغلبية وانتخبوه وهو على ما يعلمونه.

كاتي ستالارد كبيرة محرري نيوستيتسمان فـي الشؤون الدولية والصينية

ذي نيوستيتسمان