طوال مسيرته المهنية التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما في مجال إعادة هيكلة الشركات شهد آندرياس روتر، كل تلك الأحداث الجسام من انفجار فقاعة "دوتكوم" وإلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر والانهيار المالي العالمي وأزمة اليورو وكوفيد-19. لكن روتر المستشار بشركة أليكس بارتنرز الاستشارية يعتقد أن ما يحدث الآن في قطاع الشركات الألمانية "غير مسبوق، وبحجم مختلف تماما"؛ فألمانيا تشهد تراجعا متزامنا في كل من قطاع سياراتها بالغ الأهمية وصناعتها الكيماوية وقطاعها الهندسي، وتزدحم طلبات الهيكلة التي تتلقاها شركة روتر (أليكس بارتنر) لدرجة اضطرارها إلى عدم قبول طلبات بعض زبائنها المحتملين. خلال الأعوام الثلاثة الماضية دخل أكبر اقتصادات أوروبا في أزمة ببطء ولكن على نحو مطرد؛ فألمانيا لم تشهد أي نمو له معنى في ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي ربع السنوي منذ أواخر عام 2021، ويتجه الناتج المحلي الإجمالي السنوي نحو الانكماش للعام الثاني على التوالي، ولقد بلغ الإنتاج الصناعي باستثناء الإنشاءات ذروته في عام 2017 ثم هبط بنسبة 16% منذ ذلك العام، ووفقا لأحدث البيانات المتاحة تراجع استثمار الشركات في 12 من أرباع العام من جملة 20 ربعا. وهو الآن عند مستوى رُصِد آخر مرة أثناء فترة الصدمة المبكرة للجائحة المبكرة، كما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بشدة، ومن الصعب رصد ضوء في الأفق، ففي أحدث توقعاته يقول صندوق النقد الدولي: إن الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا سينمو بنسبة 0.8% فقط في العام القادم. ومن بين أكبر وأغنى الاقتصادات في العالم فقط الاقتصاد الإيطالي هو الذي من المتوقع أن ينمو بمثل هذا البطء، ففي الصناعة التحويلية حيث تشكل ألمانيا مركزها التقليدي في أوروبا تبدو الأمور كئيبة على نحو خاص، ولقد حذرت شركة فولكس واجن من أنها بصدد إغلاق مصانع في بلدها ألمانيا لأول مرة في تاريخها، وهنالك نزاع مستمر بين أعضاء مجلس إدارة شركة "ثيسينكروب" حول مستقبل وحدتها الخاصة بصناعة الصلب مع مخاطر فقدان آلاف الوظائف، والجدير بالذكر أن هذه الشركة التي تأسست قبل 202 عاما كانت في وقت ما رمزا لقوة الصناعة الألمانية، كما تسعى شركة صناعة الإطارات "كونتيننتال" إلى فصل قسم السيارات الضعيف الأداء والذي تبلغ قيمة أصوله 20 بليون يورو، وفي سبتمبر تجنبت "ماير فيرفت" الإفلاس بصعوبة بعد حصول هذه الشركة العائلية لبناء السفن والتي يعود تأسيسها إلى 225 عاما على دعم حكومي بمبلغ 400 مليون يورو. وصف روبن وينكلر كبير الاقتصاديين ببنك دويتشه الهبوط في الإنتاج الصناعي بقوله: إنه "التراجع الأكثر وضوحا" في ألمانيا خلال فترة ما بعد الحرب. وهو ليس وحده في ذلك، ففي سبتمبر حذر زيجفريد روسفورم رئيس اتحاد الصناعات الألمانية من أن "نموذج الأعمال الألماني في خطر ماحق ليس في وقت ما في المستقبل ولكن هنا والآن" وتنبأ باختفاء حوالي 20% من الإنتاج الصناعي المتبقي لألمانيا بحلول عام 2030، ويعتقد روسفورم أن "تفكيك الصناعة" في ألمانيا خطر حقيقي.
أوضاع سياسية واقتصادية غير مواتية
تأتي هذه التنبؤات المفزعة في وقت يشهد تصاعدا في عدم الاستقرار السياسي، فالعلاقات بين أحزاب التحالف الهش للمستشار أولاف شولتز (الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر والليبراليين) في أسوأ أحوالها، خلافات هذه الأحزاب حول السياسات عميقة الآن إلى حد أن عديدين يتوقعون احتمال انهيار التحالف خلال أسابيع وإجراء انتخابات مبكرة، ومع تزايد ضعف الوسط السياسي صعدت الأحزاب الشعبوية من شاكلة الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا واليساري المتشدد" تحالف سارا فاجنيكنيشت"، ويثير خطابهما المخاوف بشأن مستقبل النظام السياسي دقيق التوازن والذي يرتكز على التوافق والتسويات. ينسب الاقتصاديون وقادة الأعمال متاعب ألمانيا الاقتصادية إلى تكاليف الطاقة المرتفعة وارتفاع ضرائب الشركات وازدياد تكاليف العمل وما يصفونه بالبيروقراطية المفرطة، وهذه القضايا زاد من حدتها النقص في العمالة الماهرة والحالة البائسة للبنية التحتية في ألمانيا بعد عقود من عدم كفاية الاستثمار، وفي الأثناء وحسب وكالة الإحصاء الألمانية يدخر المستهلكون الألمان "القلِقون" الآن 11.1% من دخولهم أو ما يساوي ضعف ادخار نظرائهم الأمريكيين. وهم بذلك يزيدون من بطء نمو الاقتصاد (بالتقليل من إنفاقهم) ليس كل أحد متشائم، يواكيم ناجيل رئيس البنك المركزي الألماني أصر في خطاب له أواخر سبتمبر على أن "ألمانيا ليست في حالة تدهور"، وأشار في هذا الصدد إلى متانة سوق العمل. فحجم البطالة (2.8 مليون باحث عن عمل) عند أدنى مستوى لها خلال عقد، كما تحدث عن الميزانيات العمومية القوية للشركات الألمانية، وأضاف قائلا: "ألمانيا كموقع لممارسة الأعمال أفضل من سمعتها الحالية"، مع ذلك، يحذر المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين من أن ألمانيا تواجه وضعا عاديا جديدا من سماته انخفاض النمو وضعف الأداء الاقتصادي، ويقدر المجلس أن معدل النمو الذي يمكن أن يحققه الاقتصاد دون ارتفاع التضخم ونقص العمالة تراجع إلى 0.4 فقط من معدل منخفض أصلا بلغ 1.4% بسبب شح العمالة وضعف نمو الإنتاجية، وبعد سنوات من الدروس الاستعلائية التي تلقيها برلين على الأوروبيين عن الإصلاح والانضباط المالي قد يحق لباقي بلدان أوروبا أن تشمت من حال ألمانيا، لكن إذا حلت أزمة بأكبر مساهم صاف في اقتصاد الاتحاد الأوروبي (اقتصاد ألمانيا) ستعاني بلدانه كلها من ذلك، فما يقرب من ثلثي واردات ألمانيا تأتي من بلدان الاتحاد ويشكل اقتصاد ألمانيا 25% من ناتجه المحلي الإجمالي. وإذا أضفنا متاعب فرنسا الاقتصادية والسياسية سيخاطر هذا بتقويض استقرار الاتحاد الأوروبي.
الصين
يقول كليمنس فويست مدير مركز "إيفو" للأبحاث الاقتصادية في ميونيخ: "طوال 15 عاما كان الاقتصاد الألماني مثل سفينة تهب في أشرعتها رياح مواتية قوية،" مشيرا إلى النمو القوي للوظائف وفوائض الموازنة وأرباح الصناعة الوفيرة بفضل إصلاحات سوق العمل وأسعار الفائدة المنخفضة وغاز روسيا الرخيص وانتعاش التجارة العالمية، أما الآن فيواجه هذا الاقتصاد "رياحا عكسية قاسية جدا"، في أحد أيام أواخر أكتوبر كان البخار يتصاعد من مصنع كيماويات بجانب نهر الراين في مدينة كريفيلد شمال غرب ألمانيا، وكانت رائحة الكبريت التي تشبه رائحة البيض عالقة في الهواء، ينتج هذا المصنع المواد الكيماوية منذ عام 1877، وفي الداخل يشرح مديره مايكل فوسينج الكيفية التي يذيب بها 280 عاملا خامَ التيتانيوم الأسود في حامض الكبريتيك المغلِي لصنع ثاني أكسيد التيتانيوم والذي يُستخدم لتبييض كل شيء من الأصباغ وإلى البلاستيك والحبوب والأقمشة ومعجون الأسنان، ويقول فوسينج الذي ظل يعمل هنا لمدة 20 سنة وشاهد أثناء ذلك الصين وهي تتحول إلى أكبر مصدِّر لهذه المادة الكيماوية "من الناحية الكيميائية هذه العملية بسيطة جدا"، وأضاف مشيرا بيده إلى المصنع الذي تملكه الآن شركة فيناتور البريطانية: "أنت تحتاج إلى المال فقط لإنشائه"، لكن المال أصبح عائقا كبيرا. ففي مايو أغلقت "فيناتور" مصنعها الآخر الوحيد لإنتاج ثاني أكسيد التيتانيوم بالقرب من دويسبورج وفقد حوالي 350 عاملا وظائفهم. يقول محمد مايتر، كبير مسؤولي التشغيل في الشركة: "المصنع لم يعد مجديا من الناحية المالية"، وصناعة الكيماويات إحدى أكبر القطاعات الصناعية في ألمانيا وتعتمد على موارد الطاقة المستوردة، لذلك تضررت هذه الصناعة بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة بعد نشوب حرب أوكرانيا، وفي حين بدا أن أسعار الغاز بلغت ذروة ارتفاعها إلا أنها في هذا الصيف لا تزال أعلى بحوالي ثلاثة أضعاف عن مستواها قبل الحرب، وإنتاج المواد الكيماوية في ألمانيا أقل بنسبة 18% عن معدله في عام 2018، ومع استمرار تأخر تعافي الصناعة الأوروبية في فترة ما بعد الجائحة ظل الطلب ضعيفا على ثاني أكسيد التيتانيوم، وفاقمت الوضع تخمة واردات صبغة التيتانيوم من الصين، وفي هذا الصيف استحدث الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية على الواردات الصينية لمكافحة الإغراق، لكن محمد مايتر يقول: إنها "تأخرت قليلا"،
انقلاب العلاقة مع الصين رأسا على عقب وراء بعض متاعب ألمانيا الحالية؛ فتحوُّل هذا العملاق الآسيوي من سوق واردات مربحة إلى منتج ومصدِّر يهدد بعض القطاعات الرئيسية التي يرتكز عليها الاقتصاد الألماني، في حين استوردت الصين 8% من الصادرات الألمانية في عام 2020 من المرجح أن يتراجع هذا الرقم إلى 5%. وتقول آلكه سبايدل- وولتس الاقتصادية بشركة إدارة الأصول الألمانية "دي دبليو إس" الشركات الصناعية الصينية بدلا من استيراد السلع الرأسمالية من ألمانيا صارت منافسة لها.
صناعة السيارات مهددة
هذه التغيرات ربما أوضح ما تكون في صناعة السيارات المرموقة في ألمانيا خصوصا وسط شركاتها الثلاثة الكبيرة فولكس واجن ومرسيدس بينز وبي إم دبليو؛ فخلال معظم العقدين الماضيين بدا أن الشهية الصينية لسيارات سيدان والدفع الرباعي الألمانية التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود لا حد لها. والأرباح هناك أعلى من مستواها في ألمانيا. يقول ابيرهارد فيبلين رئيس شركة بورشه للاستشارات والتي تملكها بورشه الأم: "الأرباح السهلة أغرت الشركات الألمانية على الاستمرار في إنتاج المزيد من نفس هذه السيارات" على مدى سنوات، لكن هذه الاستراتيجية جاءت الآن بنتيجة عكسية بالغة السوء؛ فعلامات السيارات التي تقتصر على المحركات الكهربائية مثل بي واي دي ونيو وشي بينج سعت إلى اجتذاب الصينيين بسياراتها المتطورة تقنيا والتي بفضل الدعم تباع أيضا بأسعار منخفضة جدا، ولدى الألمان فرصة أفضل للدفاع عن الحصة السوقية في أوروبا حسبما يقول المحللون وذلك بفضل العلامات التجارية القوية والميزانيات العمومية المتينة ومخصصات الاستثمار الضخمة. هذا إذا لم نذكر القرار الأخير للاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 45% على السيارات الكهربائية الصينية، لكن الأرقام تحكي حكايتها الخاصة بها. فحسب رابطة صناعة السيارات الألمانية (في دي أيه) بلغ إنتاج السيارات في ألمانيا ذروته في عام 2016 عند 5.7 مليون سيارة وفي العام الماضي تراجع الإنتاج بنسبة تزيد عن 25% إلى 4.1 مليون سيارة. ومنذ عام 2018 فقدت الصناعة 64 ألف وظيفة أو ما يقرب من 8% من القوة العاملة في صناعة السيارات. وهنالك عشرات الآلاف من الوظائف الأخرى المهددة، يعني ضعف الطلب على السيارات الكهربائية أيضا أن العديد من العلامات التجارية اعتبارا من العام القادم قد يلزمها دفع غرامات ثقيلة لإخفاقها في الوفاء بأهداف الاتحاد الأوروبي المتعلقة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون والمتشددة باطراد، يقول فيبلين محذرا: "مستقبل شركات السيارات الألمانية سيتحدد خلال السنتين إلى الثلاث سنوات القادمة"، وفي حين لا يمكن إنكار أن الأمور صعبة بالنسبة للعلامات التجارية الكبرى يواجه الموردون الذين يوظفون ثلث كل العاملين في صناعة السيارات متاعب أشد؛ فالسيارات الكهربائية تحتاج إلى مكوِّنات أقل كثيرا من سيارات محركات الاحتراق الداخلي مع ما يترتب على ذلك من تداعيات واضحة على الشركات الهندسية المتخصصة. يقول هولجر كلاين الرئيس التنفيذي لشركة زد اف فريدريشهافن وهي ثاني أكبر مورِّد لصناعة السيارات في ألمانيا: "عناصر القوة التقليدية لألمانيا والمتمثلة في تقنيات نقل الحركة والاحتراق الداخلي يجري إحلالها"، وكانت الشركة قد حققت إيرادات بلغت 46.6 بليون يورو في عام 2023.
وفي مسعى للتكيف مع الأوضاع المتغيرة أنفقت "زد اف فريدريشهافن" البلايين على تقنيات مستقبلية بما في ذلك على صفقة ممولة بالدين بقيمة 7 بلايين يورو في عام 2020 لشراء شركة "وابكو" الأمريكية المتخصصة في أنظمة المكابح. وعلى الرغم من زيادة إنفاقها على البحث والتطوير والذي ساعد على مضاعفة إنتاج المحركات الكهربائية في فترة 18 شهرا إلا أنها قلصت من توقعاتها لعام 2024 مرتين، وتستعد الشركة الآن لمواجهة تراجع بنسبة 12% في المبيعات و40% في الأرباح التشغيلية، وبحلول عام 2028 تخطط للتخلص من 14 ألف وظيفة في ألمانيا تشكل 25% من إجمالي عدد عامليها هناك. يقول كلاين: "هذه أصعب فترة تواجهها صناعة السيارات الأوروبية على الإطلاق".
مواقف الساسة وأهل الاقتصاد
خبراء الاقتصاد وقادة الأعمال الألمان على علم منذ فترة طويلة بالأزمة، لكن وعلى مدى شهور بدا أن المستشار الألماني شولتز ينكر وجود أية مشكلة. بل في مارس 2023 وعد بمعجزة اقتصادية ثانية بفضل استثمارات بالبلايين في التقنية الخضراء، وأكد قائلا: "سيكون بمقدور ألمانيا في وقت ما تحقيق معدلات نمو سُجِّلت آخر مرة في الخمسينيات والستينيات"، في أوائل هذا العام تجاهل شولتز تحذيرات قوية من اتحادات الأعمال حول التدهور الصناعي مستشهدا بالقول الألماني المأثور "التجار يشتكون دائما"، وعلى مدى شهور تشبث هو ووزراؤه بأمل شروع الاقتصاد في التعافي في النصف الثاني من هذا العام، بل عوَّل بعضهم على فوز فريق كرة القدم الألماني للرجال بالبطولة الأوروبية لعام 2024 مؤملين في أن يحدث مثل هذا الفوز تحولا في الجو العام، لكن في نهاية المطاف خرج الفريق من البطولة في مرحلة ربع النهائي وزادت البيانات الاقتصادية سوءا. وفي الشهر الماضي أقرّ الوزراء بأن ألمانيا تواجه أول انكماش اقتصادي لها على مدار سنتين منذ أوائل العشرية الأولى، وفي الأثناء يبدو أن شلل تحالف شولتز المتشاكس فاقمته الاختلافات الجذرية حول "مكبح الدين" الدستوري في ألمانيا وحجم الدين العام المسموح به لحكومتها.
في خطاب ساخر انتشر بسرعة خلال الصيف عبر ثيودور فايمر الرئيس التنفيذي لمجموعة البورصة الألمانية عن اليأس المتزايد الذي شعر به العديدون في أوساط نخبة الأعمال الألمانية وقال ألمانيا عرضة لأن تصبح "بلد ناميا"، كما زعم أيضا أن المستثمرين الدوليين يعتبرون الحكومة "غبية" وأنها تحوِّل بلدها إلى "متجر سلع غير مرغوبة".
مع تجمع الغيوم الاقتصادية بدأ خطاب شولتز في التحول، ففي يوليو تبنت وزارته مجموعة من الإصلاحات المصممة لتحفيز النمو بما في ذلك تقديم حوافز للشركات للاستثمار وللعمال للعودة إلى سوق العمل بجانب دعم يتعلق بالطاقة لبعض الشركات الصناعية وذلك على الرغم من أن معظم هذه الإجراءات لم يتم تطبيقها بعد.
كما وعد شولتز أيضا بأجندة "صناعية جديدة" حيث استدعى في الشهر الماضي قادة الأعمال ورؤساء الاتحادات إلى اجتماع قمة لمناقشة تأمين الوظائف الصناعية، مع ذلك وفي مؤشر على مدى تشظي التحالف الذي يقوده لم يوجه الدعوة إلى وزير اقتصاد حكومته روبرت هابيك (حزب الخضر) أو وزير ماليته كريستيان ليندنر زعيم حزب الديمقراطي الحر والذي عقد اجتماع مائدة مستديرة خاص به في نفس اليوم بدلا عن ذلك، ويشك قادة الأعمال في قدرة الحكومة الحالية على تغيير الأمور إلى الأفضل.، ويشيرون في ذلك إلى البلبلة التي تسبب فيها الشقاق في التحالف الحاكم والسياسات المتغيرة باستمرار. يقول روتر المستشار بشركة أليكس بارتنرز: "الشركات حاليا لا يمكنها الاعتماد على الحكومة الألمانية لتحديد الأسباب الجذرية للمشاكل" هذا الوضع أفسح المجال لفريدريش ميرس زعيم الاتحاد الديموقراطي المسيحي والذي يعتقد العديدون في ألمانيا أنه سيكون المستشار القادم، ولقد حقق الحزب تقدما قويا في استطلاعات الرأي على الرغم من أن أعدادا كبيرة من الناخبين يحمِّلون أنجيلا ميركل الزعيمة السابقة للحزب المسئولية عن العديد من المتاعب الحالية التي تعاني منها ألمانيا، لكن ميرتس سعى لإلقاء اللوم مباشرة على شولتز، فقد قال في خطاب مؤخرا: "بعد ثلاث سنوات فقدنا 300 ألف وظيفة، هذه ليست تركة الحكومات السابقة... إنها نتيجة سياستك الاقتصادية خلال السنوات الثلاثة الماضية".
سنتحرر من قيودنا
وعد زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ بتنفيذ "أجندة 2030" للتخفيف من عبء الإجراءات الروتينية والتي وصفها بأنها "عائق رئيسي للنمو" يعني ذلك تقليص الضرائب على الشركات وخفض أسعار شبكة الكهرباء إلى النصف للزبائن الصناعيين وتحسين تنافسية ألمانيا، نموذجه في ذلك "أجندة 2010" التي دفع بها المستشار جيرهارد شرودر عام 2003 عندما كانت ألمانيا مهمومة من معدلات بطالة قياسية في فترة ما بعد الحرب واعتبرها الناس "رجلَ أوروبا المريض".
يشاطر البعضُ ميرتس تفاؤلَه بأن ألمانيا يمكنها بتطبيق السياسات السليمة إصلاح حالها حقا، ومن جانبه يعتقد هولجر شميدينج كبير الاقتصاديين ببنك بيرنبرج أن ألمانيا لا تزال في وضع أفضل كثيرا مقارنة ببدايات العشرية الأولى بسبب متانة سوق العمل وسلامة أوضاع ماليتها العامة. ويشير شميدينج أيضا إلى منتصف التسعينيات عندما كانت ألمانيا تعاني من تكاليف توحيد شطريها ومن البطالة المتزايدة في الأجل الطويل وفقدان التنافسية العالمية. يقول: "الوعي بوجود مشكلة أعلى اليوم من الماضي"، ويعتقد أن الحكومة القادمة بصرف النظر عن الذي سيفوز بالانتخابات الفيدرالية المقررة في عام 2025 "يمكنها وضع الأمور في نصابها وستفعل ذلك"، ويؤكد المتفائلون أيضا على عناصر قوة ألمانيا في القطاعات الجديدة وخصوصا تلك المتعلقة بالتحول إلى الطاقة الخضراء، ويقول مايكل بريجل الشريك الإداري بمجموعة بوسطن الاستشارية "ألمانيا في وضع جيد لإيجاد قيمة جديدة في التقنيات المناخية والأتمتة الصناعية والصحة." ويعتقد أن ذلك يمكنها من توليد "نمو اقتصادي في المستقبل المنظور".
سعى وزير الاقتصاد هابيك أيضا إلى إظهار الثقة. فعند عرضه توقعات الحكومة المعدلة في الشهر الماضي أكد على أن ألمانيا بالرغم من كل شيء "تزخر بعناصر القوة"، فهي تملك ثالث أكبر اقتصاد في العالم ولديها شركات مبتكرة تخطط للأمد البعيد وتوجد بها مؤسسات أبحاث لا نظير لها وقوة عاملة عالية التدريب.
نعم. أقرَّ هابيك بأن البيئة "غير مُرضِية" ولكنه يقول: "نحن في سبيلنا إلى الخروج من هذا (الوضع) مثلما سبق لنا أن فعلنا ذلك كثيرا في الماضي"، وأضاف: "سنكسِر قيودنا".
أوضاع سياسية واقتصادية غير مواتية
تأتي هذه التنبؤات المفزعة في وقت يشهد تصاعدا في عدم الاستقرار السياسي، فالعلاقات بين أحزاب التحالف الهش للمستشار أولاف شولتز (الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر والليبراليين) في أسوأ أحوالها، خلافات هذه الأحزاب حول السياسات عميقة الآن إلى حد أن عديدين يتوقعون احتمال انهيار التحالف خلال أسابيع وإجراء انتخابات مبكرة، ومع تزايد ضعف الوسط السياسي صعدت الأحزاب الشعبوية من شاكلة الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا واليساري المتشدد" تحالف سارا فاجنيكنيشت"، ويثير خطابهما المخاوف بشأن مستقبل النظام السياسي دقيق التوازن والذي يرتكز على التوافق والتسويات. ينسب الاقتصاديون وقادة الأعمال متاعب ألمانيا الاقتصادية إلى تكاليف الطاقة المرتفعة وارتفاع ضرائب الشركات وازدياد تكاليف العمل وما يصفونه بالبيروقراطية المفرطة، وهذه القضايا زاد من حدتها النقص في العمالة الماهرة والحالة البائسة للبنية التحتية في ألمانيا بعد عقود من عدم كفاية الاستثمار، وفي الأثناء وحسب وكالة الإحصاء الألمانية يدخر المستهلكون الألمان "القلِقون" الآن 11.1% من دخولهم أو ما يساوي ضعف ادخار نظرائهم الأمريكيين. وهم بذلك يزيدون من بطء نمو الاقتصاد (بالتقليل من إنفاقهم) ليس كل أحد متشائم، يواكيم ناجيل رئيس البنك المركزي الألماني أصر في خطاب له أواخر سبتمبر على أن "ألمانيا ليست في حالة تدهور"، وأشار في هذا الصدد إلى متانة سوق العمل. فحجم البطالة (2.8 مليون باحث عن عمل) عند أدنى مستوى لها خلال عقد، كما تحدث عن الميزانيات العمومية القوية للشركات الألمانية، وأضاف قائلا: "ألمانيا كموقع لممارسة الأعمال أفضل من سمعتها الحالية"، مع ذلك، يحذر المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين من أن ألمانيا تواجه وضعا عاديا جديدا من سماته انخفاض النمو وضعف الأداء الاقتصادي، ويقدر المجلس أن معدل النمو الذي يمكن أن يحققه الاقتصاد دون ارتفاع التضخم ونقص العمالة تراجع إلى 0.4 فقط من معدل منخفض أصلا بلغ 1.4% بسبب شح العمالة وضعف نمو الإنتاجية، وبعد سنوات من الدروس الاستعلائية التي تلقيها برلين على الأوروبيين عن الإصلاح والانضباط المالي قد يحق لباقي بلدان أوروبا أن تشمت من حال ألمانيا، لكن إذا حلت أزمة بأكبر مساهم صاف في اقتصاد الاتحاد الأوروبي (اقتصاد ألمانيا) ستعاني بلدانه كلها من ذلك، فما يقرب من ثلثي واردات ألمانيا تأتي من بلدان الاتحاد ويشكل اقتصاد ألمانيا 25% من ناتجه المحلي الإجمالي. وإذا أضفنا متاعب فرنسا الاقتصادية والسياسية سيخاطر هذا بتقويض استقرار الاتحاد الأوروبي.
الصين
يقول كليمنس فويست مدير مركز "إيفو" للأبحاث الاقتصادية في ميونيخ: "طوال 15 عاما كان الاقتصاد الألماني مثل سفينة تهب في أشرعتها رياح مواتية قوية،" مشيرا إلى النمو القوي للوظائف وفوائض الموازنة وأرباح الصناعة الوفيرة بفضل إصلاحات سوق العمل وأسعار الفائدة المنخفضة وغاز روسيا الرخيص وانتعاش التجارة العالمية، أما الآن فيواجه هذا الاقتصاد "رياحا عكسية قاسية جدا"، في أحد أيام أواخر أكتوبر كان البخار يتصاعد من مصنع كيماويات بجانب نهر الراين في مدينة كريفيلد شمال غرب ألمانيا، وكانت رائحة الكبريت التي تشبه رائحة البيض عالقة في الهواء، ينتج هذا المصنع المواد الكيماوية منذ عام 1877، وفي الداخل يشرح مديره مايكل فوسينج الكيفية التي يذيب بها 280 عاملا خامَ التيتانيوم الأسود في حامض الكبريتيك المغلِي لصنع ثاني أكسيد التيتانيوم والذي يُستخدم لتبييض كل شيء من الأصباغ وإلى البلاستيك والحبوب والأقمشة ومعجون الأسنان، ويقول فوسينج الذي ظل يعمل هنا لمدة 20 سنة وشاهد أثناء ذلك الصين وهي تتحول إلى أكبر مصدِّر لهذه المادة الكيماوية "من الناحية الكيميائية هذه العملية بسيطة جدا"، وأضاف مشيرا بيده إلى المصنع الذي تملكه الآن شركة فيناتور البريطانية: "أنت تحتاج إلى المال فقط لإنشائه"، لكن المال أصبح عائقا كبيرا. ففي مايو أغلقت "فيناتور" مصنعها الآخر الوحيد لإنتاج ثاني أكسيد التيتانيوم بالقرب من دويسبورج وفقد حوالي 350 عاملا وظائفهم. يقول محمد مايتر، كبير مسؤولي التشغيل في الشركة: "المصنع لم يعد مجديا من الناحية المالية"، وصناعة الكيماويات إحدى أكبر القطاعات الصناعية في ألمانيا وتعتمد على موارد الطاقة المستوردة، لذلك تضررت هذه الصناعة بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة بعد نشوب حرب أوكرانيا، وفي حين بدا أن أسعار الغاز بلغت ذروة ارتفاعها إلا أنها في هذا الصيف لا تزال أعلى بحوالي ثلاثة أضعاف عن مستواها قبل الحرب، وإنتاج المواد الكيماوية في ألمانيا أقل بنسبة 18% عن معدله في عام 2018، ومع استمرار تأخر تعافي الصناعة الأوروبية في فترة ما بعد الجائحة ظل الطلب ضعيفا على ثاني أكسيد التيتانيوم، وفاقمت الوضع تخمة واردات صبغة التيتانيوم من الصين، وفي هذا الصيف استحدث الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية على الواردات الصينية لمكافحة الإغراق، لكن محمد مايتر يقول: إنها "تأخرت قليلا"،
انقلاب العلاقة مع الصين رأسا على عقب وراء بعض متاعب ألمانيا الحالية؛ فتحوُّل هذا العملاق الآسيوي من سوق واردات مربحة إلى منتج ومصدِّر يهدد بعض القطاعات الرئيسية التي يرتكز عليها الاقتصاد الألماني، في حين استوردت الصين 8% من الصادرات الألمانية في عام 2020 من المرجح أن يتراجع هذا الرقم إلى 5%. وتقول آلكه سبايدل- وولتس الاقتصادية بشركة إدارة الأصول الألمانية "دي دبليو إس" الشركات الصناعية الصينية بدلا من استيراد السلع الرأسمالية من ألمانيا صارت منافسة لها.
صناعة السيارات مهددة
هذه التغيرات ربما أوضح ما تكون في صناعة السيارات المرموقة في ألمانيا خصوصا وسط شركاتها الثلاثة الكبيرة فولكس واجن ومرسيدس بينز وبي إم دبليو؛ فخلال معظم العقدين الماضيين بدا أن الشهية الصينية لسيارات سيدان والدفع الرباعي الألمانية التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود لا حد لها. والأرباح هناك أعلى من مستواها في ألمانيا. يقول ابيرهارد فيبلين رئيس شركة بورشه للاستشارات والتي تملكها بورشه الأم: "الأرباح السهلة أغرت الشركات الألمانية على الاستمرار في إنتاج المزيد من نفس هذه السيارات" على مدى سنوات، لكن هذه الاستراتيجية جاءت الآن بنتيجة عكسية بالغة السوء؛ فعلامات السيارات التي تقتصر على المحركات الكهربائية مثل بي واي دي ونيو وشي بينج سعت إلى اجتذاب الصينيين بسياراتها المتطورة تقنيا والتي بفضل الدعم تباع أيضا بأسعار منخفضة جدا، ولدى الألمان فرصة أفضل للدفاع عن الحصة السوقية في أوروبا حسبما يقول المحللون وذلك بفضل العلامات التجارية القوية والميزانيات العمومية المتينة ومخصصات الاستثمار الضخمة. هذا إذا لم نذكر القرار الأخير للاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 45% على السيارات الكهربائية الصينية، لكن الأرقام تحكي حكايتها الخاصة بها. فحسب رابطة صناعة السيارات الألمانية (في دي أيه) بلغ إنتاج السيارات في ألمانيا ذروته في عام 2016 عند 5.7 مليون سيارة وفي العام الماضي تراجع الإنتاج بنسبة تزيد عن 25% إلى 4.1 مليون سيارة. ومنذ عام 2018 فقدت الصناعة 64 ألف وظيفة أو ما يقرب من 8% من القوة العاملة في صناعة السيارات. وهنالك عشرات الآلاف من الوظائف الأخرى المهددة، يعني ضعف الطلب على السيارات الكهربائية أيضا أن العديد من العلامات التجارية اعتبارا من العام القادم قد يلزمها دفع غرامات ثقيلة لإخفاقها في الوفاء بأهداف الاتحاد الأوروبي المتعلقة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون والمتشددة باطراد، يقول فيبلين محذرا: "مستقبل شركات السيارات الألمانية سيتحدد خلال السنتين إلى الثلاث سنوات القادمة"، وفي حين لا يمكن إنكار أن الأمور صعبة بالنسبة للعلامات التجارية الكبرى يواجه الموردون الذين يوظفون ثلث كل العاملين في صناعة السيارات متاعب أشد؛ فالسيارات الكهربائية تحتاج إلى مكوِّنات أقل كثيرا من سيارات محركات الاحتراق الداخلي مع ما يترتب على ذلك من تداعيات واضحة على الشركات الهندسية المتخصصة. يقول هولجر كلاين الرئيس التنفيذي لشركة زد اف فريدريشهافن وهي ثاني أكبر مورِّد لصناعة السيارات في ألمانيا: "عناصر القوة التقليدية لألمانيا والمتمثلة في تقنيات نقل الحركة والاحتراق الداخلي يجري إحلالها"، وكانت الشركة قد حققت إيرادات بلغت 46.6 بليون يورو في عام 2023.
وفي مسعى للتكيف مع الأوضاع المتغيرة أنفقت "زد اف فريدريشهافن" البلايين على تقنيات مستقبلية بما في ذلك على صفقة ممولة بالدين بقيمة 7 بلايين يورو في عام 2020 لشراء شركة "وابكو" الأمريكية المتخصصة في أنظمة المكابح. وعلى الرغم من زيادة إنفاقها على البحث والتطوير والذي ساعد على مضاعفة إنتاج المحركات الكهربائية في فترة 18 شهرا إلا أنها قلصت من توقعاتها لعام 2024 مرتين، وتستعد الشركة الآن لمواجهة تراجع بنسبة 12% في المبيعات و40% في الأرباح التشغيلية، وبحلول عام 2028 تخطط للتخلص من 14 ألف وظيفة في ألمانيا تشكل 25% من إجمالي عدد عامليها هناك. يقول كلاين: "هذه أصعب فترة تواجهها صناعة السيارات الأوروبية على الإطلاق".
مواقف الساسة وأهل الاقتصاد
خبراء الاقتصاد وقادة الأعمال الألمان على علم منذ فترة طويلة بالأزمة، لكن وعلى مدى شهور بدا أن المستشار الألماني شولتز ينكر وجود أية مشكلة. بل في مارس 2023 وعد بمعجزة اقتصادية ثانية بفضل استثمارات بالبلايين في التقنية الخضراء، وأكد قائلا: "سيكون بمقدور ألمانيا في وقت ما تحقيق معدلات نمو سُجِّلت آخر مرة في الخمسينيات والستينيات"، في أوائل هذا العام تجاهل شولتز تحذيرات قوية من اتحادات الأعمال حول التدهور الصناعي مستشهدا بالقول الألماني المأثور "التجار يشتكون دائما"، وعلى مدى شهور تشبث هو ووزراؤه بأمل شروع الاقتصاد في التعافي في النصف الثاني من هذا العام، بل عوَّل بعضهم على فوز فريق كرة القدم الألماني للرجال بالبطولة الأوروبية لعام 2024 مؤملين في أن يحدث مثل هذا الفوز تحولا في الجو العام، لكن في نهاية المطاف خرج الفريق من البطولة في مرحلة ربع النهائي وزادت البيانات الاقتصادية سوءا. وفي الشهر الماضي أقرّ الوزراء بأن ألمانيا تواجه أول انكماش اقتصادي لها على مدار سنتين منذ أوائل العشرية الأولى، وفي الأثناء يبدو أن شلل تحالف شولتز المتشاكس فاقمته الاختلافات الجذرية حول "مكبح الدين" الدستوري في ألمانيا وحجم الدين العام المسموح به لحكومتها.
في خطاب ساخر انتشر بسرعة خلال الصيف عبر ثيودور فايمر الرئيس التنفيذي لمجموعة البورصة الألمانية عن اليأس المتزايد الذي شعر به العديدون في أوساط نخبة الأعمال الألمانية وقال ألمانيا عرضة لأن تصبح "بلد ناميا"، كما زعم أيضا أن المستثمرين الدوليين يعتبرون الحكومة "غبية" وأنها تحوِّل بلدها إلى "متجر سلع غير مرغوبة".
مع تجمع الغيوم الاقتصادية بدأ خطاب شولتز في التحول، ففي يوليو تبنت وزارته مجموعة من الإصلاحات المصممة لتحفيز النمو بما في ذلك تقديم حوافز للشركات للاستثمار وللعمال للعودة إلى سوق العمل بجانب دعم يتعلق بالطاقة لبعض الشركات الصناعية وذلك على الرغم من أن معظم هذه الإجراءات لم يتم تطبيقها بعد.
كما وعد شولتز أيضا بأجندة "صناعية جديدة" حيث استدعى في الشهر الماضي قادة الأعمال ورؤساء الاتحادات إلى اجتماع قمة لمناقشة تأمين الوظائف الصناعية، مع ذلك وفي مؤشر على مدى تشظي التحالف الذي يقوده لم يوجه الدعوة إلى وزير اقتصاد حكومته روبرت هابيك (حزب الخضر) أو وزير ماليته كريستيان ليندنر زعيم حزب الديمقراطي الحر والذي عقد اجتماع مائدة مستديرة خاص به في نفس اليوم بدلا عن ذلك، ويشك قادة الأعمال في قدرة الحكومة الحالية على تغيير الأمور إلى الأفضل.، ويشيرون في ذلك إلى البلبلة التي تسبب فيها الشقاق في التحالف الحاكم والسياسات المتغيرة باستمرار. يقول روتر المستشار بشركة أليكس بارتنرز: "الشركات حاليا لا يمكنها الاعتماد على الحكومة الألمانية لتحديد الأسباب الجذرية للمشاكل" هذا الوضع أفسح المجال لفريدريش ميرس زعيم الاتحاد الديموقراطي المسيحي والذي يعتقد العديدون في ألمانيا أنه سيكون المستشار القادم، ولقد حقق الحزب تقدما قويا في استطلاعات الرأي على الرغم من أن أعدادا كبيرة من الناخبين يحمِّلون أنجيلا ميركل الزعيمة السابقة للحزب المسئولية عن العديد من المتاعب الحالية التي تعاني منها ألمانيا، لكن ميرتس سعى لإلقاء اللوم مباشرة على شولتز، فقد قال في خطاب مؤخرا: "بعد ثلاث سنوات فقدنا 300 ألف وظيفة، هذه ليست تركة الحكومات السابقة... إنها نتيجة سياستك الاقتصادية خلال السنوات الثلاثة الماضية".
سنتحرر من قيودنا
وعد زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ بتنفيذ "أجندة 2030" للتخفيف من عبء الإجراءات الروتينية والتي وصفها بأنها "عائق رئيسي للنمو" يعني ذلك تقليص الضرائب على الشركات وخفض أسعار شبكة الكهرباء إلى النصف للزبائن الصناعيين وتحسين تنافسية ألمانيا، نموذجه في ذلك "أجندة 2010" التي دفع بها المستشار جيرهارد شرودر عام 2003 عندما كانت ألمانيا مهمومة من معدلات بطالة قياسية في فترة ما بعد الحرب واعتبرها الناس "رجلَ أوروبا المريض".
يشاطر البعضُ ميرتس تفاؤلَه بأن ألمانيا يمكنها بتطبيق السياسات السليمة إصلاح حالها حقا، ومن جانبه يعتقد هولجر شميدينج كبير الاقتصاديين ببنك بيرنبرج أن ألمانيا لا تزال في وضع أفضل كثيرا مقارنة ببدايات العشرية الأولى بسبب متانة سوق العمل وسلامة أوضاع ماليتها العامة. ويشير شميدينج أيضا إلى منتصف التسعينيات عندما كانت ألمانيا تعاني من تكاليف توحيد شطريها ومن البطالة المتزايدة في الأجل الطويل وفقدان التنافسية العالمية. يقول: "الوعي بوجود مشكلة أعلى اليوم من الماضي"، ويعتقد أن الحكومة القادمة بصرف النظر عن الذي سيفوز بالانتخابات الفيدرالية المقررة في عام 2025 "يمكنها وضع الأمور في نصابها وستفعل ذلك"، ويؤكد المتفائلون أيضا على عناصر قوة ألمانيا في القطاعات الجديدة وخصوصا تلك المتعلقة بالتحول إلى الطاقة الخضراء، ويقول مايكل بريجل الشريك الإداري بمجموعة بوسطن الاستشارية "ألمانيا في وضع جيد لإيجاد قيمة جديدة في التقنيات المناخية والأتمتة الصناعية والصحة." ويعتقد أن ذلك يمكنها من توليد "نمو اقتصادي في المستقبل المنظور".
سعى وزير الاقتصاد هابيك أيضا إلى إظهار الثقة. فعند عرضه توقعات الحكومة المعدلة في الشهر الماضي أكد على أن ألمانيا بالرغم من كل شيء "تزخر بعناصر القوة"، فهي تملك ثالث أكبر اقتصاد في العالم ولديها شركات مبتكرة تخطط للأمد البعيد وتوجد بها مؤسسات أبحاث لا نظير لها وقوة عاملة عالية التدريب.
نعم. أقرَّ هابيك بأن البيئة "غير مُرضِية" ولكنه يقول: "نحن في سبيلنا إلى الخروج من هذا (الوضع) مثلما سبق لنا أن فعلنا ذلك كثيرا في الماضي"، وأضاف: "سنكسِر قيودنا".