حدثان عالميان ينشغل بهما الناس كل 4 سنوات، ويشعر المتابع لهما بالانخراط فـي مشاعر يتشاركها مع كافة البشر، هما الانتخابات الأمريكية، ومونديال كأس العالم. وبالرغم من اختلاف الحدثين من حيث النشاط، إلا أن ما يتشابهان فـيه بعضهما بعضًا؛ من روح التنافس ومشاعر الزهو والإحباط نتيجة للنصر أو الهزيمة - كل حسب فريقه - فـي نهاية المناسبة، يجعل من الحدثين بالغي الأهمية. لكن بطبيعة الحال؛ تكمن خطورة الحدث الأول (الانتخابات الأمريكية) فـي أنه يلابس المسارات السياسية والواقعية لمصائر البشر فـي العالم ويلامس مخاطر عديدة تتعلق بتلك المصائر، فـيما تبدو القيمة الرمزية للحدث الثاني (كأس العالم) مناسبة لتجديد تفاعلات العواطف النظيفة. خطورة ما يمكن أن تحدثه نتائج الانتخابات الأمريكية فـي العالم بصفة عامة وفـي منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، تشكل هاجسًا مقيمًا، لاسيما إذا ما بدت الانتخابات الأمريكية اليوم ستتمخض عن عودة الرئيس الأمريكي الشعبوي دونالد ترامب، مرةً أخرى. وفـي أثناء كتابة هذه السطور، تبدو كل مؤشرات السباق الانتخابي فـي الولايات المتحدة الأمريكية تتجه إلى عودة ترامب مرة أخرى عقب انتخابات فريدة من نوعها، لجهة تكرار حالة رئاسية نادرة فـي تقاليد الرئاسيات الأمريكية (حدثت لمرة واحدة فـي القرن التاسع عشر) وهي عودة رئيس سابق إلى سدة الرئاسة عبر دورتين غير متتاليتين! هذه الحادثة التي وقعت مرةً واحدة فـي تاريخ الرئاسيات الأمريكية للرئيس الأمريكي جروفر كليفلاند (المرة الأولى العام 1884 والثانية العام 1892) تحدث هذه مرة أخرى، مع عودة الرئيس ترامب إلى قيادة العالم، لكن ليس فـي ذلك الزمن القديم نسبيًا، الذي وصفت فـيه أمريكا بـ(بلاد العزلة السعيدة) وإنما فـي زمن حديث للعولمة؛ تشتبك فـيه مصائر العالم على نحو خطير، وتختبر فـيه هذه المصائر احتمالات معقدة وبالغة الصعوبة على نحو أكبر بكثير من القدرات الشعبوية التي يتوفر عليها سيد البيت الأبيض المستعاد! عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستدفع نحو تعقيد قد لا يخلو من خطورة ومجازفة على مصائر وملفات كثيرة فـي المنطقة والعالم : الصين - الناتو - الاتحاد الأوروبي - أوكرانيا - إيران - فلسطين - لبنان؛ كل تلك الملفات المفتوحة كيف سيعالجها ترامب الذي جاء مرةً أخرى للعالم فـي زمن مختلف؟ إن أخطر ما يمكن أن يدخل ترامب فـي مآزق ولايته الثانية هذه؛ يكمن فـي ما هي الكيفـية التي سيمسك بها ميزان المصالح المتجانسة بين سياساته الداخلية والخارجية؟ فإذا كانت انتخابات الولايات المتحدة هي حدث عالمي بامتياز، كيف يمكن لسياسة ترامب الجديدة أن تحميه من مأزق الصدام المرتد من التناقض الذي سيقع لا محالة بين عزلته وشعبويته من ناحية، وبين هوية أمريكا التي تعني الكثير فـي رسم مصائر العالم من حيث موقعها ودورها الجيوسياسي العالمي؟ هل يمكن القول إن ترامب هذه المرة، وعبر هذه الولاية الجديدة سيكون مختلفًا عن ترامب النسخة الأولى؟ قد لا يكون ذلك صحيحًا، والأرجح أن الرجل سيعيد ما كان يفعله من سياسات لكن فـي زمن مختلف. فنتنياهو، الذي كان يصلي من أجل عودة ترامب، لطالما ظل محتفـيًا بمقولة الأخير حين وصف إسرائيل بأنها «صغيرة» مع ما يتضمنه هذه الوصف من استعارة سياسية ذات مغزى خطير بالنسبة لنتنياهو! لا شك أن العالم يحبس أنفاسه، خلال السنوات الأربع القادمة، وأخطر ما يمكن أن تخلفه سياسيات الرجل على مستقبل أمريكا؛ هو ما يشكّله من خطورة على ديمقراطيتها. ثمة الكثير مما ستشهده السنوات الأربع القادمة فـي المنطقة والعالم من خلال سياسات ترامب العائد إلى البيت الأبيض فـي زمن مختلف وعالم ليس هو العالم الذي تركه وراءه فـي العام 2020م. فـي تقديرنا، أن ما ستشهده الولايات المتحدة فـي السنوات الأربع؛ من سياسات رئيس أراد جهارًا نهارًا تقويض ديمقراطيتها فـي 6 يناير حين أمر أتباعه باقتحام مبنى الكابيتول اعتراضًا على نتائج انتخابات العام 2020، سيكون أكثر إثارة وخطورةً على أمريكا والعالم، لأن مياهًا كثيرة ستجري تحت الجسر فـي نهاية السنوات الأربع. تشير بعض استطلاعات الرأي التي صاحبت الانتخابات أمس إلى أن أكثر من 72% من الأمريكيين يشعرون بأن الديمقراطية الأمريكية فـي خطر، وهو مؤشر خطير سبقت إليه هوليوود حين أنتجت هذا العام فـيلمًا بعنوان «الحرب الأهلية» للمخرج أليكس غارلاند الذي استلهم عبره سيناريو مرعب لحرب محتملة فـي أمريكا؛ مستوحى من أحداث اقتحام الكابيتول فـي 6 يناير2021م. |