تُعد الثقافة التنظيمية من العوامل الأساسية التي تؤثر على تطبيق إدارة المعرفة في المؤسسات، مما يجعلها أداة فعّالة لتحقيق الأهداف والرؤى لا سيما أولوية حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع ضمن أولويات رؤية عُمان 2040. إذ تُسهم الثقافة التنظيمية في إيجاد بيئة عمل داعمة لتطبيق إدارة المعرفة، والتي تعتبر ركيزة أساسية لتطوير الأداء الحكومي وتعزيز كفاءة الموارد. وقد أشار دافنبورت وبروساك (1998) إلى أنّ إدارة المعرفة هي تلك الجهود المُتكاملة لتنظيم وتخزين ونقل المعرفة داخل المؤسسة، بهدف تحسين الأداء المؤسسي وتعزيز فعالية العمليات الإدارية. وتبرز أهمية إدارة المعرفة في المؤسسات من خلال توجيه الموارد والاستفادة منها بشكل أكثر كفاءة لتحقيق أهداف المؤسسات. ولضمان تحقيق أولوية حوكمة الجهاز الإداري، فإن إدارة المعرفة توفر الأدوات والآليات اللازمة لتطوير منظومة متكاملة لإدارة المعلومات، مما يُعزز من اتخاذ القرارات على أساس معرفي وموجه للنتائج. إلى جانب ذلك، تنقسم المعرفة إلى نوعين رئيسيين هما: المعرفة الصريحة والمعرفة الضمنية، حيث تُعتبر المعرفة الصريحة تلك التي يُمكن توثيقها ونقلها بسهولة، كالوثائق والإجراءات المكتوبة، بينما تتجسد المعرفة الضمنية في الخبرات الشخصية المكتسبة من الممارسة، والتي يصعب توثيقها. وتحتاج المؤسسات لتطوير آليات فعّالة لنقل المعرفة الضمنية إلى معرفة صريحة يُمكن هيكلتها وتصنيفها وفهرستها في قواعد بيانات المؤسسة، مما يؤدي ذلك إلى إمكانية إعادة استخدامها وتحليلها وإنتاج معارف جديدة لدعم العمل المؤسسي القائم على الإبداع والابتكار، ويُمكن تحقيق ذلك بواسطة بناء فرق العمل المتعاونة ودعم الابتكار، لتوظيف هذه المعرفة في تطوير الأداء المؤسسي وتحقيق أولوية حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع. ومن التحديات التي تواجه المؤسسات عند تطبيق إدارة المعرفة هي التحديات التقنية والثقافة التنظيمية. إذ يتطلب التطبيق الناجح لإدارة المعرفة تطوير بُنى أساسية رقمية تُدعم تخزين واسترجاع البيانات بكفاءة وسُرعة، وهو ما يشكل أساسًا ضروريًا لتطوير جهاز إداري فعّال مرن مبتكر ومُبدع. كما يعتبر التحفيز التنظيمي للمشاركة في إدارة المعرفة من التحديات الأخرى، حيث يحتاج الموظفون إلى إطار عمل واضح للمُساهمة في تبادل معارفهم ومهاراتهم، خاصةً المعرفة الضمنية التي تُكتَسب بالممارسة اليومية. ويبرز كذلك تحدي بناء ثقافة تنظيمية مرنة وداعمة لإدارة المعرفة، حيث من المؤمل أن تُسهم هذه الثقافة في تشجيع الأفراد على المشاركة الفعّالة والانخراط في عمليات التعلُّم وتبادل الخبرات. فالحوكمة الفعّالة للجهاز الإداري لا تتطلب فقط آليات تقنية، بل تتطلب أيضاً ثقافة تنظيمية تُشجع على الابتكار والتعاون لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، وتعزز الكفاءة المؤسسية من خلال إدارة المعرفة. وتعرف الثقافة التنظيمية على أنها مجموعة القيم والمعتقدات والممارسات التي توجه سلوك الأفراد وتؤطر تفاعلهم داخل المنظمة حسبما أشار إليها شين(2010)، حيث تكتسب الثقافة التنظيمية عاملًا مُهمًا في دعم أو إعاقة تطبيق إدارة المعرفة، إنّ بيئة العمل التي تتميز بالثقة والانفتاح تُسهم في تمكين الأفراد من تبادل المعرفة وتطبيقها، مما يعزز من كفاءة وفعالية المؤسسة. في المقابل، قد تحد الثقافة التنظيمية السلبية من قدرة المؤسسة على تطبيق إدارة المعرفة، وتؤدي إلى تقييد تداول المعلومات، مما يعيق الأداء الإداري ويؤثر سلباً على تحقيق أولوية الحوكمة. ومن خلال تعزيز ثقافة تنظيمية مُشجعة على التعاون وتبادل المعرفة، تصبح المؤسسات أكثر قدرة على تطبيق استراتيجيات إدارة المعرفة بنجاح. فالمعرفة، سواءً كانت صريحة أو ضمنية، تحتاج إلى بيئة محفزة تتيح للأفراد الشعور بالراحة في مشاركتها، حيث يُشكل هذا التبادل أساساً لتحسين أداء الجهاز الإداري. وتُعدّ ثقافة الابتكار والتعلُّم المستمر من أهم عوامل تحقيق النجاح في تطبيق إدارة المعرفة بما يخدم أهداف حوكمة المؤسسات، خاصةً في سياق التغيرات السريعة والمتزايدة في بيئات العمل. بالإضافة إلى ذلك تُساعد الثقافة التنظيمية الداعمة لإدارة المعرفة في تعزيز الأداء المؤسسي، حيث تصبح القرارات المستندة إلى المعرفة أكثر دقة وفعالية. فعلى سبيل المثال، تتيح إدارة المعرفة للمؤسسات جمع البيانات والمعلومات اللازمة لمتابعة المشاريع وتقييم أدائها، وبالتالي تحديد نقاط القوة وفرص التحسين، مما ينسجم مع الأولوية التي تضعها رؤية عُمان 2040 على تحسين كفاءة استخدام الموارد وتحقيق الاستدامة. ومن استراتيجيات تعزيز الثقافة التنظيمية لدعم إدارة المعرفة وتحقيق حوكمة فعّالة، تطوير برامج توعية بأهمية الثقافة التنظيمية وتشجيع الموظفين على تبادل المعرفة وإنشاء منصات رقمية وقواعد بيانات وتحفيز الموظفين على المشاركة ودعم المبادرات الاجتماعية وتحسين البُنى الأساسية الرقمية. حيث تؤدي الثقافة التنظيمية دورًا هامًا في توفير بيئة تتيح للأفراد تبادل المعرفة بدون حواجز، مما يزيد من فرص الابتكار والتطوير. في حين أن الحوكمة تعتمد على استغلال الموارد بشكل مثالي، فإن الثقافة الداعمة لإدارة المعرفة تُمكّن الموظفين من استخدام معرفتهم وخبراتهم لتحقيق أقصى استفادة من الموارد، مما يجعل المشاريع الحكومية أكثر استدامة وفعالية. عليه، فإنّ الثقافة التنظيمية تُعدُّ أساسًا لنجاح تطبيق إدارة المعرفة، فهي تُسهم في تمكين الأفراد من تبادل المعارف وتطبيقها في سياق تحقيق أهداف وأولويات رؤية عُمان 2040. وبتعزيز الثقافة التنظيمية الداعمة لإدارة المعرفة، يُمكن للمؤسسات تحقيق كفاءة وفعاليّة أعلى، وذلك من خلال تحسين الحوكمة، وتوجيه الموارد والمشاريع وفق أفضل الممارسات. |