- عبدالله المهيري يكسر سوداوية النص ويوصل رسالته بإبداع ونجاح
ما أن أعلن الشاب المسرحي عبدالله المهيري عبر حسابه في الإنستجرام استعداد فريق "مسرح دبي الوطني" للمشاركة في مهرجان دبي لمسرح الشباب بنسخته الـ 15، حتى ملأني الحماس لحضور عرضه الموسوم بـ "جيران القمر"، وهو عرض من تأليفه وإخراجه. قد عرفت المهيري بدايةً كممثل مسرحي وتلفزيوني، وشدّني أحد أعماله التلفزيونية للكتابة عنه سابقًا، وكان العمل بعنوان "حمارة القايلة"، إذ جرّني نحو مسألة طال الحديث عنها وهي إمكانية استثمار موروثاتنا التقليدية من حكايات وأساطير في أعمال إبداعية، ومنذ ذلك الحين آمنت برجاحة عقل المهيري، الشاب الهادئ في ظاهره والمليء بالحماس والإبداع والجنون المصحوب بالفنون في أعماله. ففي حديثه عن "حمارة القايلة"، عرفت أنني أخاطب شابًا شغوفًا يعرف ما يقول ويعرف يقينًا ماذا يفعل، لذلك يجرني الحماس دائمًا لحضور أي عمل من أعماله الفنية التي ستكون بلا شك ناضجة.
في "جيران القمر"، عقدت العزم على أن أكون أحد الحضور، مرتّبًا جدول العمل والعائلة لأحملهم معي نحو الإمارات الشقيقة في زيارة للأهل وتقضية بعض المشاوير المهمة، ومن بينها حضور العرض، فكان لي ما أصبو إليه.
قبيل بداية العرض، جلست بجانب الفنان الجميل حميد عبدالله، هذا الشاب الذي قد ألهمني بدوره في مسرحية "زغنبوت" الإماراتية، حيث جسد معاني القوة والسطوة والسيطرة في مشاهده الصامتة. دار حديث بيني وبينه عن تجربته، وعن "جيران القمر"، ليلفت انتباهي إلى أن المهيري دائمًا ما يلهم الجمهور بعروضه، فتجد المسرح يمتلئ دائمًا، ما أكد لي وجهة نظري حول أعماله. فحين يثق الجمهور بقدرات فنان يطوّعون الظروف لحضور فرجة بصرية وفكرية والاستمتاع بها، وهذه الثقة التي اكتسبها المهيري حمَّلته مسؤولية ألا يقدم إلا ما يليق بمسيرته وذائقة جمهوره.
ملامسة الهموم
بالحديث عن نص "جيران القمر"، يعكس النص المسرحي وجهة نظر المهيري، بتقديم فرجة مسرحية تلامس هموم الشباب والمجتمع وقضاياه، وإن بدت بشكل غير مباشر، لنجد العرض يتحدث عن الضغوط التي يعيشها الأفراد بشكل عام، وإن تشابهت تلك المشكلات، تبقى طرق الخلاص منها متعددة وكثيرة، منها طرق تؤدي إلى حل المشكلات، ومنها طرق تزيد المشكلة، بل وتضاعفها وتشابك خيوطها حتى لا تنفك أبدًا. تحدث العمل عن مشكلة شاب ضاقت به الحياة وهو يبحث عن وظيفة، تغلق جميع الأبواب في وجهه، وحتى عائلته تتهمه بالتواكل وعدم تحمل المسؤولية، ليجد نفسه أمام ضغوط المجتمع. بل حتى حبيبته قررت التخلي عنه فلا يمكنها الانتظار أكثر بينما قطار العمر يمضي. يجد الشاب نفسه في ضيقة من العيش، وانعكس ذلك على مزاجه، فما كان من أصدقائه إلا أن اقترحوا عليه عددًا من الفعاليات ليخرج من جو البؤس إلى الترويح عن النفس، بدايةً من حلبة السباقات السريعة التي لا تعنيه، ثم إلى عروض الأزياء التي يجدها تافهة وغريبة ولا تصلح إلا للعروض البائسة، فلم تستطع "مصممة الأزياء العالمية" أن تثير إعجابه بالتصاميم العصرية الغريبة، ثم إلى محطة ثالثة حيث العرض المسرحي الذي فشل في إحداث أي تغيير في مزاج الشاب للأفضل، فما كان من رفاق السوء إلا أن دلوه على سر السعادة السام، فيقع في براثن الإدمان، ليصبح الشاب منبوذًا من أهله وأصدقاء السوء الذين يقتربون من نقوده وليس منه.
يرى الشاب في الإدمان خلاصه، ففي قمة نشوته يلتقي بـ "هالوس" التي تأخذه بخياله إلى القمر، تلك الفتاة التي تسمع منه، وتراقصه، وتكون له الملاذ بعدما تخلى عنه الجميع، ولكنها لا تظهر دائمًا، فما أن يصحو من خيالاته حتى تختفي، يصرخ مناديًا إياها فلا تظهر إلا بعد جرعة من السم، فمن تكون "هالوس" تلك، التي تجر الشباب نحو مصير مشؤوم؟ هل هي النفس الأمارة بالسوء؟ هل هي الشيطان الذي يدفع ببني آدم نحو الجحيم؟ هل هي الشر المتشكل بصورة إنسان؟ هل هي نفوس رفاق السوء المريضة، لكنها في الواقع جسدت كل تلك المعاني ونجحت في تدمير الشاب.
واستطاع المهيري أن يحملنا معه نحو شعور الندم، فما كان من الشاب إلا أن لجأ إلى صديقه الثري، حتى غرق في جرعة مميتة، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، استعاد شريط الذكريات بين الموت والحياة، إذ توقف به الزمن، لينادي أمه باكيًا "أنقذيني يا أمي فأنا لست مستعدًا للموت"، يصرخ بالدكتور "مهلًا يا دكتور فأنا لم أصلِّ، أنقذني"، فكانت صرخاته دون جدوى، ليسدل العمل بنهاية مأساوية لم تخلُ من الرسائل كأنها تحذير من هذا المنزلق.
قدم المهيري في عمله "جيران القمر" العديد من الرسائل، المباشرة وغير المباشرة. أما المباشرة فتمثلت بأن الإنسان هو صاحب قرار نفسه، وليس الضغوط الاجتماعية مبررًا لسلك مسار الضياع، كما أوضح في حديثه في الجلسة التعقيبية، إذ قال: "الإنسان هو صاحب القرار، فكم من إنسان خرج من الضغوط بنجاح، وكم من إنسان رغم التربية الصالحة والوضع المالي القوي اتبع طريق الضلال". أما الرسائل الثانوية التي وصلت فتمثلت بمجموعة قضايا، منها الانجرار الأعمى وراء ما يسمى بالموضة، ورسالة أخرى حول هموم المسرح وكيف للتجريب أن يكون متقبلًا لدى الجمهور وأساتذة المسرح، وغيرها من القضايا الثانوية التي جاءت بسياق مدروس استطاع المهيري أن يمررها بنجاح دون مساس بخط العمل العام.
الرؤية الإخراجية
بالحديث عن عبدالله المهيري كمخرج، فقد استطاع أن يقدم فرجة بصرية شدت حماس الجمهور منذ بداية العرض إلى نهايته. فرغم سوداوية النص إلا أن الرؤية الإخراجية نجحت في كسر هذه السوداوية بتمرير الكوميديا غير المخلة، والتي نجحت في رسم الضحكة على وجوه الجمهور، وكأنه يترجم واقع الحياة التي تصنع لنا الضحكات في قمة الحزن والبؤس. قدم الفرجة المقترنة بالموسيقى التصويرية الرائعة التي عززت من خطط المخرج لحمل الجمهور نحو المنطقة التي يريدها، فتارة نحو الحماس والصخب، وتارة نحو الغموض والجو الشيطاني المريب، وتارة نحو عوالم متعددة تجوب البلدان والأمصار وكأنه يسافر بنا إلى ثقافات وبلدان أخرى ونحن على مقاعدنا. وكذلك الحال بالنسبة إلى لعبة الإضاءة والفرجة السينوغرافية الذكية، رغم ما بها من أخطاء طفيفة لم يلاحظها أغلب الحضور نتيجة حسن التصرف، فما إن خرج الفنان من بقعة الضوء إلا ونجد المتابعة الأولية من كادر العمل وكواليسه الفنية لتصحيح مسار الضوء. وقد عزا المهيري ذلك بقوله: "المشكلة في المهرجانات عدم تسليم المسرح بوقت كافٍ حتى نتمكن من ضبط الإضاءات على مهل". ورغم ذلك لم تكن الأخطاء الطفيفة لتؤثر على مجمل العمل الرائع، والذي نجح في أن يترك أثرًا على النفس. وإلى جانب كل ذلك كان المهيري مهندسًا مسرحيًا بجدارة، مستغلًا المساحات المفتوحة على المسرح موظفًا كل جزء منه، بل حتى ذكاءه بصناعة صف علوي واستعمال قطع الديكور المتحركة بطريقة سلسة وبرشاقة على خشبة المسرح، لينتقل بنا من بيت الشاب إلى حلبة السباق إلى المسرح، إلى عروض الأزياء، ثم إلى سرير المستشفى حيث الرمق الأخير للشاب.
ومن دون شك، استطاع عبدالله المهيري بمعية فريق عمله الرائع أن يمتلك الجمهور ويثبت أنه رقم صعب في صناعة العمل المسرحي، وأنه قادر على أن يحمل راية الفن المسرحي الإماراتي والخليجي.
شارك في هذا العمل ياسين الدليمي بدور الشاب، وخولة عبدالسلام بدور هالوس، إضافة إلى زين زهير، وأمل حسن، وخالد حسين، وعبدالله عقيل، ومحمد بن حارب، وعلي حسين، وعبدالله دلفش، وصالح البلوشي. وفي تصميم الإضاءة رضوان النوري، وتأليف الموسيقى عبدالعزيز الخميس، إضافة إلى فريق عمل رائع عكس التجانس والانسجام في عملهم وأخرجوا لنا عملًا مسرحيًا ناجحًا.
فوز مستحق
بعد كتابة ما سبق بحوالي يومين، توثق انطباعي عن العرض المسرحي "جيران القمر" أكثر، فها هي لجنة تحكيم المهرجان بنسخته الخامسة عشرة -التي ترأستها الفنانة سميرة أحمد، وضمت في عضويتها الدكتور خالد البناي، والفنان والمخرج فيصل عبد الله الدرمكي- قد أنصفت العرض، لتمنحه جائزة أفضل عرض متكامل في المهرجان، وهي الجائزة الوحيدة لأفضل عرض، إضافة إلى جوائز فردية أخرى تمثلت في أفضل موسيقى، وأفضل سينوغرافيا، وأفضل إخراج، وأفضل ممثلة لمؤدية شخصية "هالوس".
وجاء تتويج "جيران القمر" من بين 7 عروض مسرحية قدمها الشباب على خشبة مسرح ندوة الثقافة والعلوم بدبي.
ما أن أعلن الشاب المسرحي عبدالله المهيري عبر حسابه في الإنستجرام استعداد فريق "مسرح دبي الوطني" للمشاركة في مهرجان دبي لمسرح الشباب بنسخته الـ 15، حتى ملأني الحماس لحضور عرضه الموسوم بـ "جيران القمر"، وهو عرض من تأليفه وإخراجه. قد عرفت المهيري بدايةً كممثل مسرحي وتلفزيوني، وشدّني أحد أعماله التلفزيونية للكتابة عنه سابقًا، وكان العمل بعنوان "حمارة القايلة"، إذ جرّني نحو مسألة طال الحديث عنها وهي إمكانية استثمار موروثاتنا التقليدية من حكايات وأساطير في أعمال إبداعية، ومنذ ذلك الحين آمنت برجاحة عقل المهيري، الشاب الهادئ في ظاهره والمليء بالحماس والإبداع والجنون المصحوب بالفنون في أعماله. ففي حديثه عن "حمارة القايلة"، عرفت أنني أخاطب شابًا شغوفًا يعرف ما يقول ويعرف يقينًا ماذا يفعل، لذلك يجرني الحماس دائمًا لحضور أي عمل من أعماله الفنية التي ستكون بلا شك ناضجة.
في "جيران القمر"، عقدت العزم على أن أكون أحد الحضور، مرتّبًا جدول العمل والعائلة لأحملهم معي نحو الإمارات الشقيقة في زيارة للأهل وتقضية بعض المشاوير المهمة، ومن بينها حضور العرض، فكان لي ما أصبو إليه.
قبيل بداية العرض، جلست بجانب الفنان الجميل حميد عبدالله، هذا الشاب الذي قد ألهمني بدوره في مسرحية "زغنبوت" الإماراتية، حيث جسد معاني القوة والسطوة والسيطرة في مشاهده الصامتة. دار حديث بيني وبينه عن تجربته، وعن "جيران القمر"، ليلفت انتباهي إلى أن المهيري دائمًا ما يلهم الجمهور بعروضه، فتجد المسرح يمتلئ دائمًا، ما أكد لي وجهة نظري حول أعماله. فحين يثق الجمهور بقدرات فنان يطوّعون الظروف لحضور فرجة بصرية وفكرية والاستمتاع بها، وهذه الثقة التي اكتسبها المهيري حمَّلته مسؤولية ألا يقدم إلا ما يليق بمسيرته وذائقة جمهوره.
ملامسة الهموم
بالحديث عن نص "جيران القمر"، يعكس النص المسرحي وجهة نظر المهيري، بتقديم فرجة مسرحية تلامس هموم الشباب والمجتمع وقضاياه، وإن بدت بشكل غير مباشر، لنجد العرض يتحدث عن الضغوط التي يعيشها الأفراد بشكل عام، وإن تشابهت تلك المشكلات، تبقى طرق الخلاص منها متعددة وكثيرة، منها طرق تؤدي إلى حل المشكلات، ومنها طرق تزيد المشكلة، بل وتضاعفها وتشابك خيوطها حتى لا تنفك أبدًا. تحدث العمل عن مشكلة شاب ضاقت به الحياة وهو يبحث عن وظيفة، تغلق جميع الأبواب في وجهه، وحتى عائلته تتهمه بالتواكل وعدم تحمل المسؤولية، ليجد نفسه أمام ضغوط المجتمع. بل حتى حبيبته قررت التخلي عنه فلا يمكنها الانتظار أكثر بينما قطار العمر يمضي. يجد الشاب نفسه في ضيقة من العيش، وانعكس ذلك على مزاجه، فما كان من أصدقائه إلا أن اقترحوا عليه عددًا من الفعاليات ليخرج من جو البؤس إلى الترويح عن النفس، بدايةً من حلبة السباقات السريعة التي لا تعنيه، ثم إلى عروض الأزياء التي يجدها تافهة وغريبة ولا تصلح إلا للعروض البائسة، فلم تستطع "مصممة الأزياء العالمية" أن تثير إعجابه بالتصاميم العصرية الغريبة، ثم إلى محطة ثالثة حيث العرض المسرحي الذي فشل في إحداث أي تغيير في مزاج الشاب للأفضل، فما كان من رفاق السوء إلا أن دلوه على سر السعادة السام، فيقع في براثن الإدمان، ليصبح الشاب منبوذًا من أهله وأصدقاء السوء الذين يقتربون من نقوده وليس منه.
يرى الشاب في الإدمان خلاصه، ففي قمة نشوته يلتقي بـ "هالوس" التي تأخذه بخياله إلى القمر، تلك الفتاة التي تسمع منه، وتراقصه، وتكون له الملاذ بعدما تخلى عنه الجميع، ولكنها لا تظهر دائمًا، فما أن يصحو من خيالاته حتى تختفي، يصرخ مناديًا إياها فلا تظهر إلا بعد جرعة من السم، فمن تكون "هالوس" تلك، التي تجر الشباب نحو مصير مشؤوم؟ هل هي النفس الأمارة بالسوء؟ هل هي الشيطان الذي يدفع ببني آدم نحو الجحيم؟ هل هي الشر المتشكل بصورة إنسان؟ هل هي نفوس رفاق السوء المريضة، لكنها في الواقع جسدت كل تلك المعاني ونجحت في تدمير الشاب.
واستطاع المهيري أن يحملنا معه نحو شعور الندم، فما كان من الشاب إلا أن لجأ إلى صديقه الثري، حتى غرق في جرعة مميتة، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، استعاد شريط الذكريات بين الموت والحياة، إذ توقف به الزمن، لينادي أمه باكيًا "أنقذيني يا أمي فأنا لست مستعدًا للموت"، يصرخ بالدكتور "مهلًا يا دكتور فأنا لم أصلِّ، أنقذني"، فكانت صرخاته دون جدوى، ليسدل العمل بنهاية مأساوية لم تخلُ من الرسائل كأنها تحذير من هذا المنزلق.
قدم المهيري في عمله "جيران القمر" العديد من الرسائل، المباشرة وغير المباشرة. أما المباشرة فتمثلت بأن الإنسان هو صاحب قرار نفسه، وليس الضغوط الاجتماعية مبررًا لسلك مسار الضياع، كما أوضح في حديثه في الجلسة التعقيبية، إذ قال: "الإنسان هو صاحب القرار، فكم من إنسان خرج من الضغوط بنجاح، وكم من إنسان رغم التربية الصالحة والوضع المالي القوي اتبع طريق الضلال". أما الرسائل الثانوية التي وصلت فتمثلت بمجموعة قضايا، منها الانجرار الأعمى وراء ما يسمى بالموضة، ورسالة أخرى حول هموم المسرح وكيف للتجريب أن يكون متقبلًا لدى الجمهور وأساتذة المسرح، وغيرها من القضايا الثانوية التي جاءت بسياق مدروس استطاع المهيري أن يمررها بنجاح دون مساس بخط العمل العام.
الرؤية الإخراجية
بالحديث عن عبدالله المهيري كمخرج، فقد استطاع أن يقدم فرجة بصرية شدت حماس الجمهور منذ بداية العرض إلى نهايته. فرغم سوداوية النص إلا أن الرؤية الإخراجية نجحت في كسر هذه السوداوية بتمرير الكوميديا غير المخلة، والتي نجحت في رسم الضحكة على وجوه الجمهور، وكأنه يترجم واقع الحياة التي تصنع لنا الضحكات في قمة الحزن والبؤس. قدم الفرجة المقترنة بالموسيقى التصويرية الرائعة التي عززت من خطط المخرج لحمل الجمهور نحو المنطقة التي يريدها، فتارة نحو الحماس والصخب، وتارة نحو الغموض والجو الشيطاني المريب، وتارة نحو عوالم متعددة تجوب البلدان والأمصار وكأنه يسافر بنا إلى ثقافات وبلدان أخرى ونحن على مقاعدنا. وكذلك الحال بالنسبة إلى لعبة الإضاءة والفرجة السينوغرافية الذكية، رغم ما بها من أخطاء طفيفة لم يلاحظها أغلب الحضور نتيجة حسن التصرف، فما إن خرج الفنان من بقعة الضوء إلا ونجد المتابعة الأولية من كادر العمل وكواليسه الفنية لتصحيح مسار الضوء. وقد عزا المهيري ذلك بقوله: "المشكلة في المهرجانات عدم تسليم المسرح بوقت كافٍ حتى نتمكن من ضبط الإضاءات على مهل". ورغم ذلك لم تكن الأخطاء الطفيفة لتؤثر على مجمل العمل الرائع، والذي نجح في أن يترك أثرًا على النفس. وإلى جانب كل ذلك كان المهيري مهندسًا مسرحيًا بجدارة، مستغلًا المساحات المفتوحة على المسرح موظفًا كل جزء منه، بل حتى ذكاءه بصناعة صف علوي واستعمال قطع الديكور المتحركة بطريقة سلسة وبرشاقة على خشبة المسرح، لينتقل بنا من بيت الشاب إلى حلبة السباق إلى المسرح، إلى عروض الأزياء، ثم إلى سرير المستشفى حيث الرمق الأخير للشاب.
ومن دون شك، استطاع عبدالله المهيري بمعية فريق عمله الرائع أن يمتلك الجمهور ويثبت أنه رقم صعب في صناعة العمل المسرحي، وأنه قادر على أن يحمل راية الفن المسرحي الإماراتي والخليجي.
شارك في هذا العمل ياسين الدليمي بدور الشاب، وخولة عبدالسلام بدور هالوس، إضافة إلى زين زهير، وأمل حسن، وخالد حسين، وعبدالله عقيل، ومحمد بن حارب، وعلي حسين، وعبدالله دلفش، وصالح البلوشي. وفي تصميم الإضاءة رضوان النوري، وتأليف الموسيقى عبدالعزيز الخميس، إضافة إلى فريق عمل رائع عكس التجانس والانسجام في عملهم وأخرجوا لنا عملًا مسرحيًا ناجحًا.
فوز مستحق
بعد كتابة ما سبق بحوالي يومين، توثق انطباعي عن العرض المسرحي "جيران القمر" أكثر، فها هي لجنة تحكيم المهرجان بنسخته الخامسة عشرة -التي ترأستها الفنانة سميرة أحمد، وضمت في عضويتها الدكتور خالد البناي، والفنان والمخرج فيصل عبد الله الدرمكي- قد أنصفت العرض، لتمنحه جائزة أفضل عرض متكامل في المهرجان، وهي الجائزة الوحيدة لأفضل عرض، إضافة إلى جوائز فردية أخرى تمثلت في أفضل موسيقى، وأفضل سينوغرافيا، وأفضل إخراج، وأفضل ممثلة لمؤدية شخصية "هالوس".
وجاء تتويج "جيران القمر" من بين 7 عروض مسرحية قدمها الشباب على خشبة مسرح ندوة الثقافة والعلوم بدبي.