أحد السائلين يقول: يقوم بعض الناس بنشر مقاطع فـيديو خادشة للحياء على مجموعات «الواتس آب» بقصد إنكار المنكر، فهل هذا الفعل جائز مع هذا المقصد؟

يعتمد، لا يمكن تعميم الجواب، ولعل مقصود السائل أنه ينقل حدثا معينا هذا الحدث يشتمل على منكر لكن يريد أن ينبه الناس عليه، فهو ينقل ذلك الحدث الذي صار عند من يرجو منهم أن يكونوا سببا لتغيير هذا المنكر فهذا مما هو داخل فـي الإصلاح، على أن يحذر من أن يتعرض لأعراض الناس، فلذلك قلت لا يمكن تعميم الجواب، وأما إذا كان فـيه ما يمكن أن يعرض أو يتعرض لأعراض معينين، أو أن يكون فقط للتندر وليس للإصلاح والإنكار والتغيير فلا ينبغي له أن ينشر مثل هذه المقاطع، أو حتى يمكن أن يكون سببا للتلذذ بها إذا كانت هناك مقاطع كما قال خادش للحياء فهذه لا تنشر.

سائلة تقول: أسأل عن الأم كيف تتصرف إن لم يبق على خروج وقت الصلاة إلا وقت يسير وطفلها يبكي ولا معين لها عليه وإن جلست لترضعه وتسكته ذهب وقت الصلاة وإن ذهبت للصلاة لم يتوقف عن البكاء فكيف تتصرف؟

لا حرج عليها فـي أن تحمله فـي صلاتها، وهذا الجواب ذكرته فـي أكثر من مناسبة ولتسعى قدر المستطاع إلى أن تبكر فـي صلاتها لا أن تؤخر صلاتها تحسبا لمثل هذه الأحوال والظروف، وهذا تنبيه مهم أيضا، فإن الكثير من النساء نظرا لعدم لزوم صلاة الجماعة فـي المساجد، فإنهن يؤخرن الصلوات حتى يضيق الحال، فـيتعرضن لمثل هذه الظروف والأحوال، ولذلك فإن الأولى فـي حقهن أن يبادرن إلى الصلاة أول دخول الوقت أو أن ينتهزن الفرصة أول ما تسنح لهن لأداء الصلاة فـيؤدين فرضهن وما استطعن من السنن والنوافل ثم ينصرفن بعد ذلك إلى أعمالهن لكن لو حصل ما يمكن أن يضيق به الحال ويمكن أن يخرج الوقت وطفلها يبكي ولم تجد من يحمله عنها، فلا مانع من أن تحمله، وأن تؤدي الصلاة وهي حاملة لطفلها، أو لرضيعها والله تعالى أعلم.

متى ينتهي وقت صلاة المغرب؟ هل مدتها قصيرة؟

ينتهي وقت صلاة المغرب بمغيب الشفق الأحمر، وعلى هذا فإن وقتها فـيه قدر من السعة ليس كما يتوهم الناس، وظني أن توهم الناس ناشئ إليهم من المبادرة إلى أداء فريضة المغرب أول الوقت، فالفقهاء قد اختلفوا هل يصلي ركعتين بعد أذان المغرب وقبل الفريضة أو لا، ومذهب الحنفـية وكثير من أصحابنا الإباضية أنه لا يصلي، والصحيح الذي دلت عليه السنة أنه لا مانع من أداء ركعتين بعد الأذان وقبل الفريضة، والروايات التي ورد فـيها وهي من طريق ابن عمر أنه لم ير رسول الله صـلى الله عليه وسلم يركع شيئا، هذه نافـية. لكن الروايات المثبتة لأداء أصحاب رسول الله صـلى الله عليه وسلم لسنة أو لركعتين قبل الفريضة صحيحة ثابتة، وهي مثبتة للفعل لمن شاء، وتوهم أن وقت المغرب قصير ناشئ عن الخلاف فـي تعجيل المغرب ولذلك أيضا تجد أن عددا من الفقهاء يشددون حتى فـي سنة المغرب، وهي سنة مؤكدة، أنه لا يفصل بينها وبين الفريضة بفاصل، فـيتعجلون فـي أداء سنة المغرب لكن الحال أوسع من ذلك، ومع هذا فـيسري الذي قلته من قبل فـي شأن التبكير والمبادرة إلى أداء الصلاة يسري أيضا على صلاة المغرب للنساء خصوصا، وأن يتخذن الأساليب وأن يهيئن أنفسهن لأداء الصلاة فـيما يتعلق بأطفالهن والله تعالى أعلم.

فـي سورة البقرة « وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، بينما جاء فـي آل عمران معدودات هل هناك مناسبة قرآنية لكتابة التاء؟

ظني أنه يسأل عن استعمال اللفظ المفرد واستعمال صيغة الجمع فـي الموضعين، ففـي سورة البقرة ربنا تبارك وتعالى حكى عنهم

« وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً» بصيغة الإفراد فـي هذه الصفة معدودة وأما فـي آل عمران فجاءت بصيغة الجمع المؤنث السالم « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَات وَغَرَّهُمْ فـي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ» ويفهم من هذا التنوع فـي استعمال هذه الصفة بين الإفراد والجمع السالم الإفراد فـي الوصف أنه يدل على الكثرة وجمع المؤنث السالم أو الجمع السالم يدل على القلة هذا مما هو مقرر عند علماء اللغة ولكن قد تستعمل صيغة لعلة بلاغية، للدلالة على غير ما وضعت له أصلا، إذن ما ورد على اطراد القاعدة فـي آية البقرة « وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً» هنا الدلالة تدل على الكثرة، و أما ما ورد فـي سورة آل عمران ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، فالدلالة اللغوية لهذا الوصف القلة، فهذا الذي ندخل منه إلى الجواب تقرير هذه القاعدة أولا، الآن من حيث المعنى هناك نكتة بلاغية ومن حيث اللفظ هناك نكتة بلاغية.

لنأخذ من حيث المعنى فـي سورة البقرة عدد لنا القرآن الكريم نعما كثيرة أنعم بها على بني إسرائيل وفـي مقابل هذه النعم بيّن وجوها كثيرة لإعراضهم وانصرافهم وجحودهم وكفرانهم قبل هذه الآية الكريمة فقال: «وَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ «79» وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً» فـي هذا السياق بيان لوجوه كثيرة من إعراضهم وكفرانهم نعم الله تبارك وتعالى التي عددت أيضا فـي السورة الكريمة قبل هذه الآية الكريمة فناسب ذلك تكثير المدة بقوله « وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً»، لأنه كما تقدم لأن الذي عدد من كفرانهم وجحودهم وإعراضهم شيء كثير أكثر مما ورد فـي سورة آل عمران، ومن أهم الموضوعات فـي سورة البقرة بيان صفات بني إسرائيل بما أنعم الله عز وجل به عليهم وبما قابلوا به هذه النعم من الكفران والجحود والإعراض فناسب ذلك ما يتعلق بتكثير بالوصف الدال على الكثرة «أياما معدودة».

أما فـي آل عمران فإن هذه المذمة وردت فـي سياق التعليل لما «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ «٢٣» ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَات وَغَرَّهُمْ فـي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ»، فالسياق سياق بيان مذمة اتخذها علة فـي إعراضهم حينما دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم، ليس هو سياق تعداد وجوه من الجحود والكفران والإعراض وإنما فـي هذه المذمة فـي هذا الوجه الذي عوتبوا به، إذن فـي سياق هذه المذمة الواحدة فناسبها أن يكون التعبير مناسبا لهذه القلة من المذام والمعاتب التي ذكرت فـي هذا السياق، مع أنها وردت أيضا وهذا ينبغي أن يلتفت إليه ما ورد فـي سورة البقرة، ورد من جملة المعاتب والمذام التي كشفت عن طبائعهم وعن خصائصهم وصفاتهم وقالوا لن تمسنا النار، أما هنا فورد على سبيل التعليل، ليس هو من المذام نفسها وإنما العلة نفسها مذمة، لكن ليس فـي سياق سرد المعاتب ذلك بأن هذا الموقف الذي اتخذوه من دعوتهم إلى تحكيم كتاب الله عز وجل اتخذوه بسبب هذا الاستعلاء والكبر ودعواهم أنهم لن يعذبوا إلا أياما معدودات، فناسب بيان استعلائهم وكبرهم أن يكون ما يدعونه إنما هو تعذيب فـي أيام قلائل ليس فـي المدة الأطول، هذا أوجه ما يمكن أن يؤخذ فـي جانب المعنى، وهناك أقوال كثيرة عند أهل التفسير لكنني أجد أن هذا الوجه أكثرها إقناعا.

أما من حيث اللفظ، فسياق سورة البقرة فـيه آيات كثيرة تبين النعم وما قوبلت به هذه النعم من بني إسرائيل فهو تعداد لنعم والوجوه التي قابل بها بني إسرائيل هذه النعم فـي سياق الإنكار والمعاتبة وقدر من كشف جوانب كثيرة من خصالهم وطباعهم ولذلك فإن هذا التكثير فـي بيان الصفات يستدعي أن تكون الألفاظ موجزة حتى تستوعب كل صفاتهم وخصائصهم، ولذلك جاءت الألفاظ أيضا موجزة مع أن دلالة هذا الوصف أعمق وأكثر فـي الدلالة على التكثير فـي سورة آل عمران، فالسياق لا يتعرض لبيان وجوه من مخالفات بني إسرائيل ومن وجوه إعراضهم ومن تعداد ما أنعم به عليهم وما قابلوا به هذه النعم، لا، هو يتحدث عن هذه القضية ووردت فـي سياق بيان التعليل لكشف ما وراء هذا الموقف الذي اتخذوه، ولذلك أطال فـيها النفس فاستعمل ألفاظا أكثر، ونجده يريد أن يلقي ظلالا لنعيش المشهد لننظر، يعني لنتمكن من استيعاب حقيقة موقف هؤلاء، فأضاف إلى مقولتهم هذه «ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات»، أضاف إليها «وغرهم فـي دينهم ما كانوا يفترون» يريد أن يشبع المعنى فـي هذه الصورة وأن يعطيه حقه ومستحقه ليتلقى القارئ هذا المعنى فـي هذه الصورة وكأنه يرى الحدث ويرى بواطن هذه النفوس مكشوفة أمامه والله تعالى أعلم.