لا شك أن الحركة الصهيونية العالمية منذ تأسيسها، ومن يدعمها في الصراع العربي/ الإسرائيلي، تراهن على الضعف العربي القائم، وعلى الخلافات البينية بينها، لشقّ صف الوحدة بما هو قائم في ميثاق الجامعة العربية، ومنها ما تم الاتفاق عليه في المؤتمرات العربية، تجاه الصراع مع إسرائيل، وفي مسألة الحق العربي الفلسطيني، واستغلال هذه التباينات السياسية لمرامٍ وأهداف مغايرة ومعاكسة للتضامن العربي، إما لجعلهم دولا محايدة تماما عن دعم هذا الحق العربي الفلسطيني، أو تشجيعهم على التطبيع معها، بحُجج ما تسميه تشجيع السلام مع هذا الكيان المحتل. ولكن الهدف الأساسي هو تنفيذ مشروعها القديم الجديد؛ لتهويد كل الأرض الفلسطينية والسيطرة عليها، والتي اعتُبرت بعد حرب 1967 أراضي فلسطينية محتلة بالقرار الأممي المعروف، لكنها الآن ترفض هذا القرار بحُجة الحق التاريخي والديني لإسرائيل! خاصة التحركات الراهنة من اليمين الصهيوني الذي يدير الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يترأسها نتنياهو، وما سبق من خطط للحركة الصهيونية منذ القرن التاسع عشر عندما تم التخطيط للاستيلاء على فلسطين لإقامة ما سُمّي بالوطن البديل للصهيونية! ولا شك أن الشعب الفلسطيني، يرفض بإصرار هذا المحتل الغاشم، ولا يعترف بكل ما وضعه من سياجات وقوانين السيطرة والتحكم، ومن مخططات أخرى في بقية الأرض الفلسطينية المحتلة، لذلك لا يزال يقاوم بالقدر المتاح له من القدرات والإمكانيات العسكرية، لطرد الاحتلال من أرضه المحتلة، خاصة في مدينة غزة الباسلة، التي دخلت في حروب عديدة منذ العقد الماضي، لمواجهة هذا الاحتلال وتوجيه الضربات إليه للانسحاب من غلاف غزة المحاذية للقطاع، وهي ضمن أراضي غزة تم اقتطاعها بعد حرب 1967، والتأكيد أنهم لا يمكن أن يهدأ لهم بال وهم تحت هذا لاحتلال والحصار والهجمات بين الحين والآخر لغزة، لكن اليمين الصهيوني أيضا من جانبه لا يزال يخطط -وهذا ليس جديدا- على احتلاله فلسطين كلها، بل تتجاوزها في سعيه لاحتلال بعض المناطق من الدول العربية المجاورة، بحُجج تاريخية ملفقة على الأقل للاستفراد بكل الأراضي الفلسطينية، وقالها صراحة بعض المتدينين الصهاينة في أحاديث متلفزة منذ عدة أسابيع، ومن أكثر من واحد منهم، وبعض هؤلاء أعضاء في حزب الليكود والحكومة الحالية! لا شك أن طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر العام المنصرم، وجَّه ضربة استباقية للفكر الصهيوني، وهي رسالة بأن الوضع لم يعد يمكن السكوت عنه، مع أن الصهاينة باتوا يعتقدون أن الأمر سيستمر معهم وفق مخططاتهم السياسية والاستراتيجية، والرهان -كما يخططون له- هو على الوضع العربي القائم وضعفه، وعلى التطبيع الذي يسعون إليه؛ وهو بأن الأمة العربية منشغلة راهنا في مشاكلها الداخلية وقضاياها الخاصة وغيرها من القضايا، لذلك قامت إسرائيل بحربها الانتقامية في غزة بعد طوفان الأقصى مذعورة مما جرى على غير المتوقع، وشملت حربها بالإبادة الجماعية سكان القطاع من المدنيين وتدمير البنية الأساسية للحياة المدنية وتهجير السكان وقتل عشرات الآلاف منهم، وتدمير المدارس والمستشفيات على رؤوس الطلاب والمرضى، وشملت أيضا قصف حتى مؤسسات الإيواء التابعة للأمم المتحدة! لكن هذا الشعب المقاوم والصابر ثابت ومتمسك بالأرض ولن يفرط فيها، ولن يهاجر منها مهما كانت التحديات، وهذه الإرادة من هذا الشعب الذي صمد صمودا يفوق كل التوقعات بمقاييس عصرنا الراهن من خلال غياب الكهرباء والمياه الصحية النقية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، وهذا فوق طاقة البشر عندما يبقون في مثل هذه الظروف القاسية، مع الحرب التي اعتادوا عليها في مرات سابقة، لكنها زادت قسوة أضعاف الأضعاف، إلى جانب ما يعانونه من تشريد مرات ومرات من مكان إلى آخر، وتجويع وحصار وغياب الأدوية وغيرها من الممارسات اللاإنسانية. لكن هذه الحرب الانتقامية ضد الشعب الفلسطيني، لم تكن مبررة أبدًا، ولن تحقق هدفها في كسر إرادة شعب يطلب تحرير أرضه، وذلك الصمود الكبير الذي استمر أكثر من عام ولا يزال صامدا، والمقاومة كل يوم تقدم الدليل على قدرتها على استمرار المقاومة، بالرغم من الضربات والقصف المتواصل والحصار، وهذا يبرز أن هذا الشعب حيّ، ولن يستكين أو يستسلم، على الرغم مما أصابه من تنكيل وتدمير، وهذه هي إرادة الحياة الحرة وطلب الاستقلال، لذلك جاء السابع من أكتوبر ليعزز روح المقاومة مرة أخرى، وأن الحق الذي أريد له أن يلغى من الذاكرة، لا يزال متوقدا وعازما على إحياء روح مقاومة العدو بالجهاد المستمر، وفق ما يملك، مع كل وسائل الحصار الذي استمر منذ عقود، ولا يزال قائما، لذلك هذه الروح الوقادة لمواجهة المحتل الذي يراد له إنهاء ذاكرته لحق الشعب العربي الفلسطيني، لم تعد قادرة أبدا على تحقيق هذا الهدف، وهذه هي المطالب الأساسية لطرد المحتل وخسارته في المواجهة، وهذا ما عبَّر عنه الكثير من القيادات العسكرية والاستخباراتية الصهيونية، عن الفشل في القضاء على حركة حماس أو استسلامها، مع بقية الحركات المقاومة في غزة، وفي بقية أراضي الضفة الغربية والقدس، والاستهداف المتعمد للمدنيين المستمر حتى الآن، وهذا الحقد الصهيوني يبرز جانبا مهما من عقلية ساسة إسرائيل الحاليين والسابقين، من أنه لا حل لاستمرار الاحتلال إلا بإبادة الشعب الفلسطيني، أو على الأقل تدجينه أو إخضاعه للقبول بالأمر الواقع الإسرائيلي الذي يسيطر على العقلية الصهيونية. فإسرائيل منذ احتلالها لفلسطين في عام 1948، وهي ماضية في خططها وأهدافها -كما أشرنا آنفا- في استمرارية المذابح والاغتيالات والاستباحات والاعتقالات، وذلك لإبقاء هذا الاحتلال قائما وجاثما على الأرض الفلسطينية، لكنها تحاول من خلال بعض أبناء جلدتنا الادعاء لتصديقها بأنها تريد السلام، وأنها تحارب دعاة الإرهاب والعنف الذين يمارسونه!! ولا يريدون السلام الذي تريده إسرائيل وكما تفهمه! ثم توقع قادة الكيان الصهيوني بعد عام على حرب غزة، أنهم نجحوا في القضاء على المقاومة في غزة، بعدما دخلوا شمال وجنوب القطاع، والذهاب حتى إلى حدود معبر رفح وفيلادلفيا ومعبر كرم أبو سالم، وكلها بهدف تصفية المقاومة، فبحسب اعتقادهم أنهم يحاصرون كل الأماكن في طول غزة وعرضها، ومع ذلك حدث العكس، واستمرت المقاومة، لكن المفاجأة الكبيرة أنه في يوم ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى، وجّهت حركة حماس صواريخها لعمق تل أبيب مع ذهول المراقبين والمتابعين للحرب في غزة، التي اعتبرت القيادات الإسرائيلية، أنها أنهت قوة المقاومة والدور أتى على ضرب حزب الله. فقامت إسرائيل بمخطط للهجوم على المقاومة الإسلامية في لبنان، وبالتحديد حزب الله، تحت ذريعة إعادة سكان شمال إسرائيل إلى مناطقهم، لكن الهدف هو ضرب المقاومة، لكنها الخطة منذ سنوات، وأن تبدأ بضرب القيادات أولا، قبل التوسع في الهجوم البري والجوي، وفعلا تم استهداف أغلب قيادات حزب الله السياسية والعسكرية، إما بتفجير من الهواتف، وإما بضرب اجتماع القيادات بقنابل أمريكية تدميرية، ويعتقد نتنياهو وقيادات حربه، أن اغتيال القيادات كفيل بانهيار قوة الحزب وارتباكه وخلخلة قدراته العسكرية، لكن هذه أوهام وغرور وهي أيضا غير أخلاقية في كل الحروب قديما وحديثا، لكن العقلية الصهيونية لا تأبه بشيء لا أخلاقي ولا قانوني، وإلا لماذا ضربت المدارس والمستشفيات ومؤسسات الإغاثة الأممية في مناطق مدنية؟ من هنا فإن قوة المقاومة الإسلامية، عندها تراتبية في القيادات العسكرية والسياسية، ولديها الكوادر المنظمة والمعدة، لكل الاحتمالات السياسية والعسكرية، من هنا واجهت إسرائيل بمقاومة شديدة في جنوب لبنان، لم تكن تتوقعها من حزب الله على الحدود وفي قوة الردع والضرب الصاروخي الموجه للمدن والقواعد العسكرية والاستخبارية ومناطق الصناعات العسكرية، لذلك التوهم الذي توقعه قادة الحرب الصهاينة كان أقرب للسذاجة التي ليس لها نظرة عسكرية دقيقة، وهي الهزيمة نفسها التي وقعت لهم في السابع من أكتوبر العام الماضي من حماس وهي ضربة قاسية وهزيمة لهم. الخلاصة أن الحرب الإسرائيلية التي شنّت على غزة بعد طوفان الأقصى، ودخلت عامها الثاني ولا تزال، لم تستطع -كما تقول إسرائيل- أن تقضي على حماس وبقية المقاومة، لكن كما يبدو هدف هذه الحرب هو الانتقام من الأبرياء الذين واجهوا حربا بربرية ظالمة، لمجرد أنهم لم يخرجوا من أرضهم ورفضوا التهجير، مع أن نتنياهو ادعى أن هدف الحرب هو القضاء على المقاومة، وتحرير الرهائن المحتجزين، لكن هذا الرهان فشل تماما حتى الآن، وبقي التركيز على قتل المدنيين وتدمير المدارس والمستشفيات وأماكن الإيواء، وغيرها من الأماكن الآمنة للمدنيين، وفي الحرب على لبنان، فإن الخسارة كانت كبيرة خلال شهر، وأصبحت صواريخ المقاومة تضرب القواعد العسكرية والصناعات والموانئ وغيرها، ووصلت هذه الصواريخ حتى غرفة نوم نتنياهو!! إلى جانب الفشل العسكري لاختراق الحدود اللبنانية، مع الخسائر البشرية الكبيرة في عدد القتلى والمصابين يوميا في غزة وفي لبنان، لذلك أصبح الطلب الملحّ الإسراع في عملية التبادل مع وقف إطلاق النار في غزة من قادة الصهاينة، ووقف الحرب في لبنان بشروط متكافئة، وهذا يعني فشل ما كان يقوله قادة إسرائيل من أنهم سيرجعون لبنان للقرون الوسطى لو دخلوا الحرب معها! لكن الأمور خالفت توقعاتهم وتهديداتهم فأصحاب الحق هم المنتصرون دائما. |