العلاقة بين عمان والمغرب الأقصى عموما، ومنها الجزائر بشكل خاصّ؛ ليست علاقة وليدة اليوم، بل هي موغلة في التّأريخ من حيث اللّغة وتجارة اللّبان وغيرها، وتجسّدت من القرن الثّاني الهجريّ - أي قبل أكثر من ألف عام - في العلاقات العلميّة، الّتي لم تنقطع حتّى اليوم، فظلّ الكتاب والعَلم العمانيّ حاضرا في الجزائر والمغرب الأقصى عموما، والعكس صحيح، خصوصا في الفقه الإباضيّ، فعلماء عمان الأوائل، وعلى رأسهم جابر بن زيد (ت 93هـ)، شكلوا العقليّة الفقهيّة عند إباضيّة المغرب الأقصى والجزائر، فأسماء الأعلام العمانيين حاضرة بقوّة في المدونات المغاربيّة، كما أنّهم اهتموا بتراث الآباء الأوائل وبنوا عليه، ومن اهتمامهم مؤخرا مثلا ما قام به يحي محمّد بكّوش الميزابيّ الجزائري (ت 1435هـ/ 2014م) من تجميع آثار جابر بن زيد من المدونات العمانيّة والمغاربيّة خصوصا، ومن التّراث الإسلاميّ عموما.

كما أنّ أيضا التّأصيل المغاربيّ والجزائريّ في الأصول وعلم الكلام والسّلوك ظلّ حاضرا في الفقه الإباضيّ العمانيّ، خصوصا بعد القرن السّادس الهجريّ، وعلى رأس هؤلاء أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلانيّ (ت 570هـ/ 1175م) من وارجلان بالجزائر، وتسمى حاليا ورقلة، خصوصا في كتابيه «الدّليل والبرهان في علم الكلام»، وكتاب «العدل والإنصاف في أصول الفقه والاختلاف»، كما رتب مسند الإمام الرّبيع بن حبيب العمانيّ، وقد اهتم الفقهاء العمانيون بهذه الكتب، وأثرت في تدوينهم المعرفيّ، خصوصا الكلاميّ والفقهيّ، من ذلك ما قام به عامر بن خميس المالكيّ (ت 1346هـ/ 1928م) من نظم العدل والإنصاف في منظومة بعنوان «موارد الألطاف بنظم مختصر العدل والإنصاف».

عموما لا نستطيع بعد ألف عام من العلاقات العلميّة والمعرفيّة بين القطر العمانيّ، والقطر المغاربيّ عموما والجزائري خصوصا، وبشكل أخصّ الصّحراء الجزائريّة، أو وادي ميزاب؛ لا نستطيع أن نفصل بينهما بحال من الأحوال، حيث أصبح التّشكل المعرفيّ متداخلا في أدنى المفاهيم والجزئيات، وإن كان لهذه الأقطار ظروفها وطبيعتها ومقدار تأثرها بالأجزاء المحيطة بها، بيد أنّ التّداخل المعرفيّ لم ينقطع، وظلّ التّواصل ممتدا طيلة ألف عام، كما أنّ موسم الحجّ كان ملتقى سنويّا بينهما، وفيه يعقد أشبه بالمؤتمر السّنويّ، يتبادلون فيه المعارف والكتب والرّسائل بينهما، وظلّت هذه السنّة باقية حتّى اليوم، لولا أنّها ضعفت حاليا لأنّ التّواصل اليوم أسهل بكثير من السّابق، وتوسع في طرقه بشكل أكبر حضوريّا ورقميّا.

والعلاقة بين عمان والجزائر توسعت اليوم بشكل كبير، سياسيّا واقتصاديّا وتأثيرا عربيّا وعالميّا، ومنها ما يقوم به اليوم الرّئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، رئيس الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبيّة بزيارة «دولة» إلى سلطنة عمان، هو توكيد للعلاقة بين الدّولتين والقطرين الشّقيقين، خصوصا في الجانب الإحيائيّ والتّنمية بين البلدين، وفي الجانب الإحيائي في العالم العربيّ، وفي وقف الإبادة في غزّة والحرب في لبنان، وغيرها من المناطق الملتهبة، فعمان والجزائر لعدم تدخلهما في الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة، ووقوفهما مع السّلم والإحياء؛ أصبحتا - والحمد لله - محلّ ثقة عربيّا وعالميّا.

والعلاقات الإحيائيّة بين البلدين لها حضور كبير في العصر الحديث، فقد وقف العمانيون معنويّا وماديّا، وأدبيا وشعريّا مع النّضال الجزائريّ ضدّ الاستعمار الفرنسيّ، كما وقفت عمان مع الجزائر في تجاوز العشريّة السّوداء أواخر القرن العشرين، كما أنّ الجزائر وقفت أيضا موقفا مشرفا في ضرورة التّنمية والإحياء في عمان، إبان صراعاتها الأهليّة قبل عام 1970م، من ذلك أرسل أعضاء جمعيّة الإصلاح وعلماء ميزاب بالجزائر عقب وفاة محمد بن عبد الله الخليليّ (ت 1373هـ/ 1954م) حيث «ناشدوا أهل عمان بتشييد المدارس والمعاهد والكليّات، وإرسال البعثات، وتعميم الصّناعات، وتأسيس المطابع والشّركات، وإصدار الجرائد والمجلّات، وإنشاء المستوصفات والمستشفيات، وتعبيد السّبل والطّرقات، ومدّ السّكك الحديديّة والأسلاك الكهربائيّة، وإنشاء المعامل بأنواعها، واستخراج معادن الأرض ومحاصيلها»، وكان يؤلمهم «ما وصل إليه القطر العمانيّ [حينها] من تخلّف مدنيّ وعلميّ، نتيجة الصّراع السّياسيّ والقبليّ».

ولقد أثرت المدرسة الإصلاحيّة المصريّة في العالم الإسلاميّ عموما، ومنها الجزائر في وادي ميزاب، فنشأت المدرسّة الإصلاحيّة البيوضيّة، أي نسبة إلى الشّيخ إبراهيم بن عمر بيّوض (ت 1981م)، من كبار علماء النّهضة الحديثة في الجزائر، وهذه أثرت في تونس وليبيا ثمّ عُمان، ومن المتأثرين بالمدرسة الإصلاحيّة عموما، وبالجزائر خصوصا، المصلح اللّيبيّ سليمان البارونيّ باشا (ت 1970م)، وكان من الرّموز السّياسيّة في الدّولة العثمانيّة، وقد أتى إلى عُمان في عهد السّلطان تيمور بن فيصل (ت 1965م)، والإمام الخليليّ، فقد حثّ من الابتداء العمانيين على «ضرورة طلب العلم، ونبذ الجهل، وإصلاح المجتمع، والتّمسك بأصول الإسلام»، فقام ببعض الإصلاحات الماليّة في إدارة المال العام، وأنشأ المدرسة البارونيّة في سمائل، وحاول التّوفيق بين الخلافات السّياسيّة، وقيام دولة مركزيّة واحدة، وقد تحقّق مراده وإن لم يره بقيام النّهضة الحديثة عام 1970م.

لهذا وقفت الجزائر كدولة قُطريّة موقفا مشرفا مع الدّولة العُمانيّة الحديثة، كما وقفت موقفا مشرّفا مع العمانيين عموما قبل ذلك، فاستقبلت - مثلا - مجموعة من العمانيين للدّراسة في الجزائر، وقد رحبّ الشّيخ بيّوض بالطّلبة العمانيين للدّراسة في معهد الحياة الّذي أسّسه في 21 مايو 1925م في القرارة بالجزائر، ويعدّ اليوم من المعاهد العريقة في الجزائر في الصّبغة الدّينيّة والفكريّة والأدبيّة، وقد قال حول هذه المناسبة: «نحن على أتمّ الاستعداد [لاستقبال الطّلبة العمانيين]، فهم أبناؤنا، وهذا شرف لنا، أن نسهم بتعليم بعض الطّلبة، لعلّ الله أن يجعل منهم رجالا وقدوة بالعلم والتّربية، عندما يتزودون بسلاح العلم»، وقد كتبتُ شخصيّا حول «التّواصل الجزائريّ العمانيّ من خلال الحركة الإصلاحيّة البيوضيّة»، نشرت في مجلّة الحياة الجزائريّة، في شوال 1440هـ/ جوان 2019م، وفيها تفصيل أكبر لهذه العلاقة.