«تحيا الجزائر، تحيا الجزائر»، بهذه العبارة هتفت طفلة لم تتجاوز الخامسة من العمر مع أمها، فـي ساحة مسجد (كيتشاوة) أسفل حي القصبة بالجزائر العاصمة فـي صيف 2007، أثناء زيارتي الأولى للجزائر، وقد نشرت تفاصيل الرحلة فـي كتاب (الطرف المرتحل. دار الفرقد: 2013). استذكر تلك الكلمات على أثر زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لسلطنة عمان، الجزائر التي تستعد لإحياء الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية التي انطلقت فـي الأول من نوفمبر 1954 ضد المحتل الفرنسي الذي استعمر بلاد الشهداء ما يقارب 130 عاما، ولكن «الدماء الزاكيات الطاهرات» -لأكثر من مليون ونصف مليون شهيد وشهيدة- كتبت الحرية لشعب أصبح أسطورةً فـي التضحية والفداء والنضال والتمسك بالوطن، وقد تعاطف مع الثورة الجزائرية العديد من أحرار العالم من أصول أوروبية وإفريقية ومن ديانات مختلفة منهم الكاتب والطبيب فرانز فانون، والطبيب بيار شولي وزوجته كلودين، وإيميل شقرون، وبعضهم قدّم روحه فداءً لها كالشهيد هنري مايو، وساهمت نضالاتهم الوطنية ومواقفهم الإنسانية فـي إخراج المحتل من بلاد تعد أكبر البلدان العربية والإفريقية مساحة. إن الكتابة عن الجزائر وثورتها فـي اللحظة الراهنة تمنح الجماهير العربية أملا بتحرير فلسطين طال الزمن أو قَصُر؛ فالثورة الجزائرية ملهمة وهي التي جلبت الحرية والاستقلال وليس الوعود الدولية والمفاوضات العبثية. ونأمل أن يكون طوفان الأقصى بداية النهاية للغطرسة الصهيونية؛ فالدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت لا بد أن يكون المقابل استعادة الحرية وتحرير الأرض من حركة الصهيونية العالمية. يُذكّرنا استشهاد قادة المقاومة فـي غزة وبيروت بشهداء الجزائر، ولمن يود الاطلاع على العزيمة الفولاذية للشعب الجزائري عليه زيارة مقام الشهيد فـي العاصمة الجزائر، الذي دشنه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد فـي نوفمبر 1982م، «يقع متحف المجاهد تحت النصب التذكاري المطل على أحياء العاصمة. يضم المتحف بين جنباته مراحل الجهاد فـي الجزائر، من المقاومة الشعبية ومبايعة الأمير عبدالقادر وعمره لم يتجاوز آنذاك الخامسة والعشرين بعد، إلى مقاومة جبهة التحرير التي قادها أبطال أشداء، أذاقوا المحتل الآلام وأثخنوهم بالجراح، وركّعوهم فـي أكثر من موقع، ومن أولئك الأبطال الذين تزين صورهم جدران المتحف، (العقيد عميروش) أو ذئب الصومام -منطقة من مناطق القبائل- و(كريم بلقاسم) و(جميلة بوحيرد)، و(محمد بوضياف) أو (سي الطيب) كما يلقب، ومهندس القنابل (عبدالرحمن طالب)، وصورة (علي عمّار) المعروف (بعلي لابوانت) وما زالت بندقيته المحترقة شاهدة على الطريقة الوحشية التي قُتِل بها». تذكرنا طريقة استشهاد لابوانت بطل معركة الجزائر بالطريقة التي استشهد بها الشهيد البطل يحيى السنوار. «كما توجد صورة للمناضل الشهيد (العربي بن مهيدي) أسطورة الثورة الجزائرية وأحد قادة معركة الجزائر، فـي سجنه والأغلال فـي يده ينظر بتحدٍ إلى سجّانه الفرنسي، وقد استشهد بن مهيدي تحت التعذيب. ليصبح أسطورة للنضال والشهادة». هكذا تتقاطع الثورة الجزائرية مع الثورة الفلسطينية، فالجزائر شهدت أول إعلان عن قيام الدولة الفلسطينية الذي أعلنه الرئيس ياسر عرفات أمام المجلس الوطني الفلسطيني فـي الجزائر عام 1988، والمعروف بإعلان الجزائر. عقد الجزائريون «العزم أن تحيا الجزائر» حرة ومستقلة، فهُم جند فـي سبيل الحق والتحرير، ولم يصغِ إليهم أحد حين نطقوا، لكنهم اتخذوا «رنة البارود وزنا، وعزفوا نغمة الرشاش لحنا» هذه العبارات مقتبسة من النشيد الوطني الجزائري (قسما) الذي ألّفه الشاعر مفدي زكريا عام 1956، ولحّنه الموسيقار المصري الذي أُطلق اسمه فـي العام 2017م، على المعهد العالي للموسيقى، معهد محمد فوزي. أخيرا لستُ وحدي من تستثيره عبارة «تحيا الجزائر» فقد ذكر المناضل الجزائري من أصل أوروبي فـيليكس كلوزي، أن هذه الكلمات تشعره بالقشعريرة؛ لأنها مرتبطة بلحظة إعدام المجاهدين. |