ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -
كثيرا ما أفسد الشخير نوم أحدهم في الليل، ولا شك أن ذلك أفسد العديد من العلاقات أيضا. إن محاولة النوم بجانب شخص يشخر ليست إلا مجرد محاولة للنوم لا أكثر، فما إن تبدأ محركات الشخير في العمل، لا يوجد أمامك سوى تدابير قليلة مضادة تتمثل في تحريك جسد الشاخر لإيقاف صوته المزعج، أو وضع سدادات الأذن، أو لا شيء سوى الصبر.
هذا هو الحال مع الشخير. كثيرون منا يعدّونه مجرد مصدر للإحراج أو الإزعاج ويتقبلونه على مضض. لكن النتائج المتراكمة تشير إلى أن هذه الفكرة عن الشخير تقلل من أهمية مشكلة صحية مهمة وشائعة.
لا يرتبط الشخير بالنوم المتقطع فحسب، بل قد يكون أيضا جرس إنذارٍ لمشكلة صحيّة قائمة أو قادمة، ويبدو أيضا أنه قد يكون له بعض التأثيرات الخطيرة المحتملة على الجهاز القلبي الوعائي للشاخر أو المُشَخّر (الذي يشخر). وعلى الرغم من انتشار علاجات له، إلا أن الأدلة نادرة حول نجاعة هذه العلاجات. ومع الثورة التي يقوم بها الباحثون في مجال بحوث النوم لسبر أغوار المخاطر الخفية للشخير، هناك أمل في أن ينتهي هذا الكابوس قريبا.
إن الشخير منتشر للغاية، ولكن من الصعب تحديد مدى شيوعه. فالكثير من الأشخاص الذين يشخرون لا يدركون أنهم يشخرون. يقول داني إيكرت، مدير صحة النوم في معهد فليندرز للصحة والأبحاث الطبية في أديلايد بأستراليا: «إذا سألت شخصا ما «هل تشخر؟» فسيقول «لا أعرف، أنا نائم». «قد يخبره شريكه في الغرفة بذلك، ولكن الكثير من الناس ليس لديهم شريك في الغرف». ومع ذلك، وفقا لتجربة إيكرت، فإن الشّخير منتشر على نطاق واسع. ويقول: «إنها مشكلة كبيرة. السبب الأول لمراجعة الناس عيادتنا هو الشخير».
تعتمد أغلب التقديرات الرسمية لانتشار الشخير على التقارير الذاتية، أو التقارير الواردة من شركاء السكن أو الفراش، وتختلف هذه التقديرات بشكل كبير في نتائجها، حيث تصل الأرقام إلى 1.5% في بعض الدراسات وتصل إلى 83% في دراسات أخرى. ولكنْ هناك رقمان شائعان هما: أن حوالي 45% من البالغين يشخرون من حين لآخر، و25% يشخرون بانتظام. والرجال أكثر عرضة للشخير من النساء، وترتفع هذه النسبة مع تقدم العمر وارتفاع مؤشر كتلة الجسم. كما أن شرب الكحوليات، وتناول الحبوب المنومة، والنوم على الظهر يزيد من تفاقم المشكلة.
بالنسبة لأي شخص يعاني من مُشّخِّرٍ ينام جنبه، فإن الشخير هو الشخير بغض النظر عن نوعه وسببه. ومع ذلك، من منظور طبي، هناك فئتان من المشَخّرين في هذا العالم: الأولى هم الأشخاص الذين يعانون من حالات اضطراب التنفس أثناء النوم مثل انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم (OSA) أو ضعف التنفس. تحدث هذه الحالات عادة بسبب انهيار الهياكل التشريحية الإسفنجية للمجرى الهوائي العلوي تحت تأثير الجاذبية. عندما يمر الهواء فوق هذه الأنسجة فإنها تهتزّ مصدرة صوتا مزعجا.
قد تسد الأنسجة المحيطة بأعلى الحلق القصبة الهوائية بشكل كامل (في حالة انقطاع التنفس أثناء النوم) أو جزئيا (في حالة ضعف التنفس)، مما قد يؤدي إلى انخفاض خطير في مستويات الأكسجين في الدم لدى المُشخّر. يمكن للأشخاص المصابين بانقطاع التنفس أثناء النوم الشديد أن يتوقفوا عن التنفس تماما مئات المرات في الليلة.
غالبًا ما يكون الشخير أحد أعراض هذه الاضطرابات، ولكن ليس دائمًا. في الواقع، حوالي ثلث الأشخاص الذين يشخرون بشكل معتاد ليس لديهم حالات انقطاع التنفس أثناء النوم أو ضعف التنفس، لذلك يُصنَّف شَخيرُ المجموعة الثانية على أنه شخير أولي. سبب شخيرهم هو أيضًا ترهل مجاري الهواء، لكن الأنسجة لا تتداخل غالبًا مع عملية دخول الهواء إلى الرئتين. تعرف الأكاديمية الأمريكية لطب النوم الشخير الأولي بأنه شخير بمتوسط أربع نوبات انقطاع التنفس أو ضعف التنفس في الساعة الواحدة من النوم، أقل بكثير من أولئك الذين يعانون من انقطاع التنفس أثناء النوم الشديد.
في حين ارتبط انقطاع التنفس أثناء النوم منذ فترة طويلة بأمراض القلب والأوعية الدموية المختلفة، وخاصة السكتات الدماغية، إلا أن الشخير الأولي كان يُنظر إليه على أنه أقل خطورة بكثير. العواقب الصحية الأكثر شهرة للشخير الأولي النعاس أثناء النهار، والتهيج، والصداع، وانخفاض الأداء الإدراكي. كما أن شركاء السرير معرضون لخطر فقدان السمع، وخاصة في الأذن المواجهة لصوت الشّخير.
ومع كثرة الإزعاج، إلا أنّ الشخير لا يقتصر على ليلة نوم سيئة. فمن المعروف منذ زمن طويل أن الشخير الشديد يرتبط بمرض يسمى تصلب الشرايين السباتية، حيث تتراكم لويحات صلبة على الجانب الداخلي من الشرايين الرئيسية في الرقبة. وهذا يشكل عامل خطر رئيسي للإصابة بالسكتات الدماغية لأن قِطَعَ اللويحات يمكن أن تتحرر وتطفو في المخ وتسد الأوعية الدموية الأصغر. ولكن كان من المفترض أن يكون هذا مرتبطًا بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم وليس بالشخير الأولي.
الشخير الثقيل
ولكن هذا الارتباط تغير في عام 2008 عندما قام باحثون في معهد ويست ميد للأبحاث الطبية في سيدني بأستراليا بفحص الشرايين السباتية لمجموعة من الأشخاص الذين يشخرون أثناء النوم والذين لا يشخرون. ووجدوا أن العديد من هؤلاء الأشخاص مصابون بتصلب الشرايين السباتية. وكلما زاد شخيرهم، زادت احتمالية إصابتهم بهذا التصلب. وكان حوالي ثلثي الأشخاص الذين يشخرون أثناء النوم بشدة، أي أولئك الذين يشخرون لأكثر من نصف ليلة نوم عادية، مصابين بتصلب الشرايين السباتية.
وقام الباحثون أيضا بفحص الشرايين الفخذية في أفخاذ المشخّرين ولم يجدوا أي علامة على تصلب الشرايين، وهو ما يشير إلى أن مشكلة الشريان السباتي كانت مرتبطة بشكل خاص بالشخير.
وقد قُدّم بالفعل تفسير محتمل، وهو أن الشريان السباتي، الواقع بالقرب من الأنسجة المهتزة أثناء الشخير، قد يتضرر من الإجهاد الحركيّ المتكرر. للتأكد من ذلك، قام الباحثون بتعريض الشرايين السباتية لأرانب تحت التخدير لاهتزازاتٍ تشبه الشخير لمدة ست ساعات. وقد أدى هذا إلى تضييق جدران الشرايين، وهذه الحالة معروفة بأنها علامة مبكرة على تصلب الشرايين.
وقد دفعت هذه النتائج جيريمي ريتش، الذي كان يعمل آنذاك في مركز والتر ريد الطبي العسكري في واشنطن العاصمة، وزملاءه إلى البحث بشكل أعمق. وقد حصلوا على قاعدة بيانات تحتوي على أكثر من 77 ألف تقييم للشاخرين المعتادين الذين يخضعون للفحص باحتمال إصابتهم بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم. وكان أغلب الأشخاص في قاعدة البيانات مصابين بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم بالفعل، ولكن نحو 6 آلاف منهم لم يكونوا مصابين به، مع استمرار تعرضهم لخطر أعلى للوفاة. وحتى عندما استبعد الباحثون أولئك الذين لديهم عامل الخطر الإضافي المتمثل في السمنة، كان معدل الوفيات بين أصحاب الشخير الأولي أعلى بنسبة 16% من المتوقع. ولم يكن السبب الدقيق وراء ذلك واضحا. وكان الارتباط بتصلب الشرايين السّباتية احتمالا قائما، وكذلك حقيقة أن العديد من أصحاب الشخير الأولي يعانون من بعض نوبات انقطاع النفس أو نقص التنفس، وإن لم يكن ذلك بالقدر الكافي لتجاوز العتبة التشخيصية. وقد يكون الشخير الأولي بداية لانقطاع النفس الانسدادي أو نقص التنفس الكامل، وربما سلك بعض المشخّرين في الدراسة هذا الطريق بعد الاختبار.
منذ ذلك الحين، ارتفعت مستويات الضوضاء حول المخاطر الصحية للشخير الأولي. في عام 2018، عززت دراسة الارتباط بين الشخير وتصلب الشرايين السباتية، حيث وجدت أن أصحاب الشخير الأولي كانوا أكثر عرضة من الذين لا يشخرون للإصابة بأحد أعراضه، وهو تضيق الشريان السباتي.
مجال آخر للقلق هو متلازمة التمثيل الغذائي، وهي مزيج خطير من السمنة وارتفاع ضغط الدم ومستويات الدهون غير الطبيعية في الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم. انقطاع النفس الانسدادي النومي هو عامل خطر معروف لمتلازمة التمثيل الغذائي، ولكن الشخير الأولي يظهر كعامل خطر أيضًا. ظهرت التلميحات الأولى لوجود صلة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتراكمت الأدلة منذ ذلك الحين. وفي عام 2020، راجع فريق من جامعة شانشي الطبية في تاييوان بالصين الأدلة المنشورة، وخلص إلى أن الشخير الأولي مرتبط بوضوح بمتلازمة التمثيل الغذائي، على الرغم من أن الرابط بينهما غير واضح. من الممكن أن تسبب متلازمة التمثيل الغذائي أو مكوناتها الشخير وليس العكس. الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة جسم أعلى هم أكثر عرضة للشخير، على سبيل المثال.
لكن أحد مكونات متلازمة التمثيل الغذائي يبرز كمصدر قلق خاص للشخير الأولي وهو ارتفاع ضغط الدم، وهو عامل خطر رئيسي لأمراض القلب والأوعية الدموية والكلى. في عام 2018، نشر سيرج براند من جامعة بازل في سويسرا وزملاؤه دراسة أجريت على 181 بالغا تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاما والذين تم إحالتهم إلى عيادة النوم في جامعة كرمانشاه في إيران بسبب صعوبات التنفس أثناء النوم. أمضى الجميع ليلة في مختبر النوم لتقييم انقطاع التنفس أثناء النوم وقياس ضغط الدم لديهم.
وعندما قام الباحثون بتحليل الأرقام، وجدوا أن الأشخاص الذين شُخّصوا بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم كانوا أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم. ولكن الأمر نفسه ينطبق على الأشخاص الذين يعانون من الشخير الأولي.
من المؤكد أن الدراسة كانت صغيرة، لكن مجموعة البيانات الأكبر حجما تؤكد هذه النتيجة. في وقت سابق من هذا العام، قام فريق بقيادة باستيان ليشات، زميل إيكرت، الذي يعمل أيضا في معهد فليندرز للأبحاث الصحية والطبية، بتجنيد أكثر من 12000 شخص في منتصف العمر، معظمهم من الرجال، ممن يشتبه في إصابتهم بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم. والأمر المهم هنا هو أن المشاركين كانوا يستخدمون بالفعل جهاز تحليل النوم من إنتاج شركة (وِذينجز)، يوضع تحت فراشهم في المنزل ويسجل الشخير ونوبات انقطاع التنفس وانقطاعات النفس المحتملة. كما كانوا يتابعون قياس ضغط الدم لديهم.
«لا يرتبط الشخير فقط بالنوم المتقطع، بل يمكن أن يكون علامة تحذيرية لمشكلة قادمة».
يقول إيكرت إن مثل هذه الأجهزة أحدثت ثورة في دراسة الشخير الأولي. فقبل ظهور هذه الأجهزة، كان من الصعب الحصول على بيانات جيدة عن الشخير، حتى أثناء تقييم انقطاع التنفس أثناء النوم في مختبر النوم، مضيفا: «أننا لم نقِسْ الشخير بشكل جيد أو كمي. كان الأمر في الغالب مجرد سؤال: هل يشخرون؟ نعم أم لا؟ لذا لم نتمكن من تحديد دور الشخير في حد ذاته بدرجة من اليقين». لكن هذه الأجهزة مكنتنا من جمع هذه المعلومات.
استمر فريق (ليشات) حوالي ستة أشهر يجمع البيانات من كل مشارك. كان حوالي 20% من المشاركين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، والذي عُرّف على أنه قراءة انقباضية / انبساطية متوسطة تبلغ 140/90 ملم زئبق أو أكثر. في كثير من الحالات، يمكن ربط ارتفاع ضغط الدم بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، وهو أمر متوقع.
ومع ذلك، عندما استبعد الباحثون الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، وجدوا أن أصحاب الشخير الأولي لديهم أيضا ارتفاع في ضغط الدم، وكانوا أكثر عرضة مرتين تقريبا من غير الشخير لتجاوز عتبة 140/90 في المتوسط، وكانت قراءات ضغط الدم لديهم أعلى بمقدار 6 ملم زئبق من الذين لا يشخرون. يقول (ليشات) إن هذا مهم سريريا، فبالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاما، فإن زيادة ضغط الدم الانقباضي بمقدار 20 ملم زئبق، أو ضغط الدم الانبساطي بمقدار 10 ملم زئبق، تزيد من خطر الوفاة بسبب السكتة الدماغية أو أمراض القلب بأكثر من الضِّعف.
لا تزال العلاقة السببية غير محددة بشكل كامل، ولكن من الواضح أن الأشخاص الذين يعانون من الشخير وارتفاع ضغط الدم كانوا أصغر سنا وأكثر نحافة من المشاركين العاديين، كما يقول إيكرت، لذلك لا يمكن أن يعزى ارتفاع ضغط الدم لديهم إلى عوامل السن وكتلة الجسم فقط.
يقول إيكرت إن هناك العديد من التفسيرات المعقولة التي توضح كيف يؤدي الشخير الأولي إلى ارتفاع ضغط الدم. «لا تزال عضلات وهياكل مجرى الهواء تسترخي وتضيق، ربما لا يكون ذلك كافيا لجعل مستويات الأكسجين لديك منخفضة للغاية، ولكنك لا تزال تضع ضغطا إضافيا على القلب وعضلات التنفس وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم». علاوة على ذلك، فإن تصلب الشرايين هو أيضا سبب لارتفاع ضغط الدم لأنه يضيق الشرايين. وخلص ليشات وزملاؤه في ورقتهم البحثية إلى أن «الشخير قد يكون آلية مهمة تسهم في ارتفاع ضغط الدم».
التلوث الضوضائي
قد ترجع المشكلة جزئيا أيضا إلى عامل آخر وهو التعرض للضوضاء. يقاسُ ذلك عادة بـوحدة «الديسيبل»، الذي تمثل بشكل أفضل من غيرها ترددات الصوت الأكثر سماعا للبشر. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الضوضاء الليلية التي تزيد عن 45 ديسيبل، على غرار الموسيقى الخلفية منخفضة المستوى، يمكن أن تعطل النوم، مما قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. إنّ التعرض المستمر للضوضاء التي تزيد عن 53 ديسيبل في الليل يمكن أن يؤدي مباشرة إلى ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية وقصور القلب والسكتات الدماغية، ربما بسبب ارتفاع مستويات هرمون التوتر.
يحطم الذين يشخرون بانتظام حواجز الصوت هذه. وجدت دراسة صغيرة نُشرت في عام 2019 أن ثلثي من اعتادوا الشخر يتجاوزون 45 ديسيبل، و14% يتجاوزون 53 ديسيبل. وفقا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية، وكان قياس أعلى شخير على الإطلاق 93 ديسيبل. يقول إيكرت: «هذا مرتفع جدّا، فهو يصل إلى مستوى يعادل ضربة مطرقة هوائية».
ويضيف إن الخطوة التالية التي يتعين على فريق فليندرز أن يتخذها هي معالجة الشخير الأولي، ومعرفة ما إذا كان هذا العلاج يؤدي إلى خفض ضغط الدم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العلاقة السببية سوف تشير بقوة إلى أنّ الشخير سبب مستقل لارتفاع ضغط الدم. وفي الوقت الحالي، يقول إيكرت، إنه من المستحسن أن يقوم الأشخاص الذين يشخرون بفحص ضغط دمهم.
كل هذا يشير إلى الحاجة الملحة لإيجاد علاجات مناسبة. بالنسبة لانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، يكون الحل أحيانا هو الجراحة، ولكن ما الذي يمكن فعله لمن يعانون من الشخير الأولي؟ في عام 2023، أصدرت جمعية النوم الأسترالية كتيب إرشادات تضمن فقدان الوزن، والحد من تناول الكحول، والتدريب على وضعية لا ينام فيها الذين يشخرون على ظهورهم، وأدوات مضادة للشخير توضع في فم المشخّرين مصممة خصيصا لفتح مجاري الهواء لديهم. أما عن التدابير الأكثر صرامة التي تتطلب إشرافا طبيا فتتمثل في الضغط الإيجابي المستمر على مجرى الهواء، باستعمال جهاز يشبه جهاز التنفس الصناعي يحافظ على مجاري الهواء مفتوحة. وكحل أخير، يمكن إجراء جراحة الأنف أو الحنك الرخو لتقليص الأنسجة التي تسبب الشخير.
يقول إيكرت إن هذه كلها علاجات موصوفة بشكل شائع، وكذلك الإقلاع عن التدخين. ولكن لا يوجد دليل قوي يدعم أيّا منها. والعديد من الخيارات الأخرى المدرجة في قائمة علاج الشخير أقل مصداقية. ويقول: «هناك الكثير من المعلومات المغلوطة».
في وقت سابق من هذا العام، أجرى تشيدسانو تشانجسيربون، الذي كان يعمل آنذاك في جامعة يورك في المملكة المتحدة، وزملاؤه، أجروا مراجعة منهجية للدراسات المنشورة التي تبحث في العلاجات المنتشرة. وبالرغم من أنهم لم يقيموا قوة الأدلة، لكنهم وجدوا ثغرات مهمة في الدراسات. كانت إحدى هذه الثغرات هو عدم وجود أي بحث على الإطلاق حول فعالية إنقاص الوزن، والحد من تناول الكحول، والإقلاع عن التدخين.
«شركاء السرير معرضون لخطر فقدان السّمع، وخاصة في الأذن المواجهة للشخير»
يقول تشانجسيريبون، الذي يعمل الآن في جامعة شولالونجكورن في بانكوك بتايلاند: «لم يتم تقييم العديد من العلاجات السلوكية، على الرغم من أنها كانت مستحبة على نطاق واسع ممن يعانون من الشخير». ومن بين الأسباب الأخرى أن القليل جدا من الدراسات بحثت التأثير على رفقاء النوم الذين ينامون مع المشخرين، على الرغم من أن «شركاء السرير هم غالبا الأكثر تأثرا بالشخير»، كما تقول كاتريونا ماكدايد، عضو الفريق في جامعة يورك.
يقول إيكرت إن هذا الندرة العامة في الأدلة ربما ترجع أن الشخير الأولي لا يُنظر إليه حتى الآن باعتباره خطرا صحيا كبيرا. ولو كان الأمر كذلك، لكان هناك المزيد من الأبحاث حول كيفية إيقافه.
في الوقت الحالي، سوف يضطر المصابون بالشّخير إلى الاكتفاء بالأدلة القليلة المتاحة. ولكن تشانجسيربون يتابع هذه القضية. ويقول: «نتائجنا ستسهم في تعزيز المراجعات المنهجية المستقبلية للمقارنة بين جميع العلاجات المتوفرة من حيث الفعالية والسلامة. وبالتالي، أقول للمهتمين بالعلاجات التي أثبت أنها العلاجات الأفضل: يرجى البقاء على اطلاع للحصول على نتائج أكثر دقة».
جراهام لوتون
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
كثيرا ما أفسد الشخير نوم أحدهم في الليل، ولا شك أن ذلك أفسد العديد من العلاقات أيضا. إن محاولة النوم بجانب شخص يشخر ليست إلا مجرد محاولة للنوم لا أكثر، فما إن تبدأ محركات الشخير في العمل، لا يوجد أمامك سوى تدابير قليلة مضادة تتمثل في تحريك جسد الشاخر لإيقاف صوته المزعج، أو وضع سدادات الأذن، أو لا شيء سوى الصبر.
هذا هو الحال مع الشخير. كثيرون منا يعدّونه مجرد مصدر للإحراج أو الإزعاج ويتقبلونه على مضض. لكن النتائج المتراكمة تشير إلى أن هذه الفكرة عن الشخير تقلل من أهمية مشكلة صحية مهمة وشائعة.
لا يرتبط الشخير بالنوم المتقطع فحسب، بل قد يكون أيضا جرس إنذارٍ لمشكلة صحيّة قائمة أو قادمة، ويبدو أيضا أنه قد يكون له بعض التأثيرات الخطيرة المحتملة على الجهاز القلبي الوعائي للشاخر أو المُشَخّر (الذي يشخر). وعلى الرغم من انتشار علاجات له، إلا أن الأدلة نادرة حول نجاعة هذه العلاجات. ومع الثورة التي يقوم بها الباحثون في مجال بحوث النوم لسبر أغوار المخاطر الخفية للشخير، هناك أمل في أن ينتهي هذا الكابوس قريبا.
إن الشخير منتشر للغاية، ولكن من الصعب تحديد مدى شيوعه. فالكثير من الأشخاص الذين يشخرون لا يدركون أنهم يشخرون. يقول داني إيكرت، مدير صحة النوم في معهد فليندرز للصحة والأبحاث الطبية في أديلايد بأستراليا: «إذا سألت شخصا ما «هل تشخر؟» فسيقول «لا أعرف، أنا نائم». «قد يخبره شريكه في الغرفة بذلك، ولكن الكثير من الناس ليس لديهم شريك في الغرف». ومع ذلك، وفقا لتجربة إيكرت، فإن الشّخير منتشر على نطاق واسع. ويقول: «إنها مشكلة كبيرة. السبب الأول لمراجعة الناس عيادتنا هو الشخير».
تعتمد أغلب التقديرات الرسمية لانتشار الشخير على التقارير الذاتية، أو التقارير الواردة من شركاء السكن أو الفراش، وتختلف هذه التقديرات بشكل كبير في نتائجها، حيث تصل الأرقام إلى 1.5% في بعض الدراسات وتصل إلى 83% في دراسات أخرى. ولكنْ هناك رقمان شائعان هما: أن حوالي 45% من البالغين يشخرون من حين لآخر، و25% يشخرون بانتظام. والرجال أكثر عرضة للشخير من النساء، وترتفع هذه النسبة مع تقدم العمر وارتفاع مؤشر كتلة الجسم. كما أن شرب الكحوليات، وتناول الحبوب المنومة، والنوم على الظهر يزيد من تفاقم المشكلة.
بالنسبة لأي شخص يعاني من مُشّخِّرٍ ينام جنبه، فإن الشخير هو الشخير بغض النظر عن نوعه وسببه. ومع ذلك، من منظور طبي، هناك فئتان من المشَخّرين في هذا العالم: الأولى هم الأشخاص الذين يعانون من حالات اضطراب التنفس أثناء النوم مثل انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم (OSA) أو ضعف التنفس. تحدث هذه الحالات عادة بسبب انهيار الهياكل التشريحية الإسفنجية للمجرى الهوائي العلوي تحت تأثير الجاذبية. عندما يمر الهواء فوق هذه الأنسجة فإنها تهتزّ مصدرة صوتا مزعجا.
قد تسد الأنسجة المحيطة بأعلى الحلق القصبة الهوائية بشكل كامل (في حالة انقطاع التنفس أثناء النوم) أو جزئيا (في حالة ضعف التنفس)، مما قد يؤدي إلى انخفاض خطير في مستويات الأكسجين في الدم لدى المُشخّر. يمكن للأشخاص المصابين بانقطاع التنفس أثناء النوم الشديد أن يتوقفوا عن التنفس تماما مئات المرات في الليلة.
غالبًا ما يكون الشخير أحد أعراض هذه الاضطرابات، ولكن ليس دائمًا. في الواقع، حوالي ثلث الأشخاص الذين يشخرون بشكل معتاد ليس لديهم حالات انقطاع التنفس أثناء النوم أو ضعف التنفس، لذلك يُصنَّف شَخيرُ المجموعة الثانية على أنه شخير أولي. سبب شخيرهم هو أيضًا ترهل مجاري الهواء، لكن الأنسجة لا تتداخل غالبًا مع عملية دخول الهواء إلى الرئتين. تعرف الأكاديمية الأمريكية لطب النوم الشخير الأولي بأنه شخير بمتوسط أربع نوبات انقطاع التنفس أو ضعف التنفس في الساعة الواحدة من النوم، أقل بكثير من أولئك الذين يعانون من انقطاع التنفس أثناء النوم الشديد.
في حين ارتبط انقطاع التنفس أثناء النوم منذ فترة طويلة بأمراض القلب والأوعية الدموية المختلفة، وخاصة السكتات الدماغية، إلا أن الشخير الأولي كان يُنظر إليه على أنه أقل خطورة بكثير. العواقب الصحية الأكثر شهرة للشخير الأولي النعاس أثناء النهار، والتهيج، والصداع، وانخفاض الأداء الإدراكي. كما أن شركاء السرير معرضون لخطر فقدان السمع، وخاصة في الأذن المواجهة لصوت الشّخير.
ومع كثرة الإزعاج، إلا أنّ الشخير لا يقتصر على ليلة نوم سيئة. فمن المعروف منذ زمن طويل أن الشخير الشديد يرتبط بمرض يسمى تصلب الشرايين السباتية، حيث تتراكم لويحات صلبة على الجانب الداخلي من الشرايين الرئيسية في الرقبة. وهذا يشكل عامل خطر رئيسي للإصابة بالسكتات الدماغية لأن قِطَعَ اللويحات يمكن أن تتحرر وتطفو في المخ وتسد الأوعية الدموية الأصغر. ولكن كان من المفترض أن يكون هذا مرتبطًا بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم وليس بالشخير الأولي.
الشخير الثقيل
ولكن هذا الارتباط تغير في عام 2008 عندما قام باحثون في معهد ويست ميد للأبحاث الطبية في سيدني بأستراليا بفحص الشرايين السباتية لمجموعة من الأشخاص الذين يشخرون أثناء النوم والذين لا يشخرون. ووجدوا أن العديد من هؤلاء الأشخاص مصابون بتصلب الشرايين السباتية. وكلما زاد شخيرهم، زادت احتمالية إصابتهم بهذا التصلب. وكان حوالي ثلثي الأشخاص الذين يشخرون أثناء النوم بشدة، أي أولئك الذين يشخرون لأكثر من نصف ليلة نوم عادية، مصابين بتصلب الشرايين السباتية.
وقام الباحثون أيضا بفحص الشرايين الفخذية في أفخاذ المشخّرين ولم يجدوا أي علامة على تصلب الشرايين، وهو ما يشير إلى أن مشكلة الشريان السباتي كانت مرتبطة بشكل خاص بالشخير.
وقد قُدّم بالفعل تفسير محتمل، وهو أن الشريان السباتي، الواقع بالقرب من الأنسجة المهتزة أثناء الشخير، قد يتضرر من الإجهاد الحركيّ المتكرر. للتأكد من ذلك، قام الباحثون بتعريض الشرايين السباتية لأرانب تحت التخدير لاهتزازاتٍ تشبه الشخير لمدة ست ساعات. وقد أدى هذا إلى تضييق جدران الشرايين، وهذه الحالة معروفة بأنها علامة مبكرة على تصلب الشرايين.
وقد دفعت هذه النتائج جيريمي ريتش، الذي كان يعمل آنذاك في مركز والتر ريد الطبي العسكري في واشنطن العاصمة، وزملاءه إلى البحث بشكل أعمق. وقد حصلوا على قاعدة بيانات تحتوي على أكثر من 77 ألف تقييم للشاخرين المعتادين الذين يخضعون للفحص باحتمال إصابتهم بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم. وكان أغلب الأشخاص في قاعدة البيانات مصابين بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم بالفعل، ولكن نحو 6 آلاف منهم لم يكونوا مصابين به، مع استمرار تعرضهم لخطر أعلى للوفاة. وحتى عندما استبعد الباحثون أولئك الذين لديهم عامل الخطر الإضافي المتمثل في السمنة، كان معدل الوفيات بين أصحاب الشخير الأولي أعلى بنسبة 16% من المتوقع. ولم يكن السبب الدقيق وراء ذلك واضحا. وكان الارتباط بتصلب الشرايين السّباتية احتمالا قائما، وكذلك حقيقة أن العديد من أصحاب الشخير الأولي يعانون من بعض نوبات انقطاع النفس أو نقص التنفس، وإن لم يكن ذلك بالقدر الكافي لتجاوز العتبة التشخيصية. وقد يكون الشخير الأولي بداية لانقطاع النفس الانسدادي أو نقص التنفس الكامل، وربما سلك بعض المشخّرين في الدراسة هذا الطريق بعد الاختبار.
منذ ذلك الحين، ارتفعت مستويات الضوضاء حول المخاطر الصحية للشخير الأولي. في عام 2018، عززت دراسة الارتباط بين الشخير وتصلب الشرايين السباتية، حيث وجدت أن أصحاب الشخير الأولي كانوا أكثر عرضة من الذين لا يشخرون للإصابة بأحد أعراضه، وهو تضيق الشريان السباتي.
مجال آخر للقلق هو متلازمة التمثيل الغذائي، وهي مزيج خطير من السمنة وارتفاع ضغط الدم ومستويات الدهون غير الطبيعية في الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم. انقطاع النفس الانسدادي النومي هو عامل خطر معروف لمتلازمة التمثيل الغذائي، ولكن الشخير الأولي يظهر كعامل خطر أيضًا. ظهرت التلميحات الأولى لوجود صلة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتراكمت الأدلة منذ ذلك الحين. وفي عام 2020، راجع فريق من جامعة شانشي الطبية في تاييوان بالصين الأدلة المنشورة، وخلص إلى أن الشخير الأولي مرتبط بوضوح بمتلازمة التمثيل الغذائي، على الرغم من أن الرابط بينهما غير واضح. من الممكن أن تسبب متلازمة التمثيل الغذائي أو مكوناتها الشخير وليس العكس. الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة جسم أعلى هم أكثر عرضة للشخير، على سبيل المثال.
لكن أحد مكونات متلازمة التمثيل الغذائي يبرز كمصدر قلق خاص للشخير الأولي وهو ارتفاع ضغط الدم، وهو عامل خطر رئيسي لأمراض القلب والأوعية الدموية والكلى. في عام 2018، نشر سيرج براند من جامعة بازل في سويسرا وزملاؤه دراسة أجريت على 181 بالغا تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاما والذين تم إحالتهم إلى عيادة النوم في جامعة كرمانشاه في إيران بسبب صعوبات التنفس أثناء النوم. أمضى الجميع ليلة في مختبر النوم لتقييم انقطاع التنفس أثناء النوم وقياس ضغط الدم لديهم.
وعندما قام الباحثون بتحليل الأرقام، وجدوا أن الأشخاص الذين شُخّصوا بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم كانوا أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم. ولكن الأمر نفسه ينطبق على الأشخاص الذين يعانون من الشخير الأولي.
من المؤكد أن الدراسة كانت صغيرة، لكن مجموعة البيانات الأكبر حجما تؤكد هذه النتيجة. في وقت سابق من هذا العام، قام فريق بقيادة باستيان ليشات، زميل إيكرت، الذي يعمل أيضا في معهد فليندرز للأبحاث الصحية والطبية، بتجنيد أكثر من 12000 شخص في منتصف العمر، معظمهم من الرجال، ممن يشتبه في إصابتهم بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم. والأمر المهم هنا هو أن المشاركين كانوا يستخدمون بالفعل جهاز تحليل النوم من إنتاج شركة (وِذينجز)، يوضع تحت فراشهم في المنزل ويسجل الشخير ونوبات انقطاع التنفس وانقطاعات النفس المحتملة. كما كانوا يتابعون قياس ضغط الدم لديهم.
«لا يرتبط الشخير فقط بالنوم المتقطع، بل يمكن أن يكون علامة تحذيرية لمشكلة قادمة».
يقول إيكرت إن مثل هذه الأجهزة أحدثت ثورة في دراسة الشخير الأولي. فقبل ظهور هذه الأجهزة، كان من الصعب الحصول على بيانات جيدة عن الشخير، حتى أثناء تقييم انقطاع التنفس أثناء النوم في مختبر النوم، مضيفا: «أننا لم نقِسْ الشخير بشكل جيد أو كمي. كان الأمر في الغالب مجرد سؤال: هل يشخرون؟ نعم أم لا؟ لذا لم نتمكن من تحديد دور الشخير في حد ذاته بدرجة من اليقين». لكن هذه الأجهزة مكنتنا من جمع هذه المعلومات.
استمر فريق (ليشات) حوالي ستة أشهر يجمع البيانات من كل مشارك. كان حوالي 20% من المشاركين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، والذي عُرّف على أنه قراءة انقباضية / انبساطية متوسطة تبلغ 140/90 ملم زئبق أو أكثر. في كثير من الحالات، يمكن ربط ارتفاع ضغط الدم بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، وهو أمر متوقع.
ومع ذلك، عندما استبعد الباحثون الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، وجدوا أن أصحاب الشخير الأولي لديهم أيضا ارتفاع في ضغط الدم، وكانوا أكثر عرضة مرتين تقريبا من غير الشخير لتجاوز عتبة 140/90 في المتوسط، وكانت قراءات ضغط الدم لديهم أعلى بمقدار 6 ملم زئبق من الذين لا يشخرون. يقول (ليشات) إن هذا مهم سريريا، فبالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاما، فإن زيادة ضغط الدم الانقباضي بمقدار 20 ملم زئبق، أو ضغط الدم الانبساطي بمقدار 10 ملم زئبق، تزيد من خطر الوفاة بسبب السكتة الدماغية أو أمراض القلب بأكثر من الضِّعف.
لا تزال العلاقة السببية غير محددة بشكل كامل، ولكن من الواضح أن الأشخاص الذين يعانون من الشخير وارتفاع ضغط الدم كانوا أصغر سنا وأكثر نحافة من المشاركين العاديين، كما يقول إيكرت، لذلك لا يمكن أن يعزى ارتفاع ضغط الدم لديهم إلى عوامل السن وكتلة الجسم فقط.
يقول إيكرت إن هناك العديد من التفسيرات المعقولة التي توضح كيف يؤدي الشخير الأولي إلى ارتفاع ضغط الدم. «لا تزال عضلات وهياكل مجرى الهواء تسترخي وتضيق، ربما لا يكون ذلك كافيا لجعل مستويات الأكسجين لديك منخفضة للغاية، ولكنك لا تزال تضع ضغطا إضافيا على القلب وعضلات التنفس وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم». علاوة على ذلك، فإن تصلب الشرايين هو أيضا سبب لارتفاع ضغط الدم لأنه يضيق الشرايين. وخلص ليشات وزملاؤه في ورقتهم البحثية إلى أن «الشخير قد يكون آلية مهمة تسهم في ارتفاع ضغط الدم».
التلوث الضوضائي
قد ترجع المشكلة جزئيا أيضا إلى عامل آخر وهو التعرض للضوضاء. يقاسُ ذلك عادة بـوحدة «الديسيبل»، الذي تمثل بشكل أفضل من غيرها ترددات الصوت الأكثر سماعا للبشر. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الضوضاء الليلية التي تزيد عن 45 ديسيبل، على غرار الموسيقى الخلفية منخفضة المستوى، يمكن أن تعطل النوم، مما قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. إنّ التعرض المستمر للضوضاء التي تزيد عن 53 ديسيبل في الليل يمكن أن يؤدي مباشرة إلى ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية وقصور القلب والسكتات الدماغية، ربما بسبب ارتفاع مستويات هرمون التوتر.
يحطم الذين يشخرون بانتظام حواجز الصوت هذه. وجدت دراسة صغيرة نُشرت في عام 2019 أن ثلثي من اعتادوا الشخر يتجاوزون 45 ديسيبل، و14% يتجاوزون 53 ديسيبل. وفقا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية، وكان قياس أعلى شخير على الإطلاق 93 ديسيبل. يقول إيكرت: «هذا مرتفع جدّا، فهو يصل إلى مستوى يعادل ضربة مطرقة هوائية».
ويضيف إن الخطوة التالية التي يتعين على فريق فليندرز أن يتخذها هي معالجة الشخير الأولي، ومعرفة ما إذا كان هذا العلاج يؤدي إلى خفض ضغط الدم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العلاقة السببية سوف تشير بقوة إلى أنّ الشخير سبب مستقل لارتفاع ضغط الدم. وفي الوقت الحالي، يقول إيكرت، إنه من المستحسن أن يقوم الأشخاص الذين يشخرون بفحص ضغط دمهم.
كل هذا يشير إلى الحاجة الملحة لإيجاد علاجات مناسبة. بالنسبة لانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، يكون الحل أحيانا هو الجراحة، ولكن ما الذي يمكن فعله لمن يعانون من الشخير الأولي؟ في عام 2023، أصدرت جمعية النوم الأسترالية كتيب إرشادات تضمن فقدان الوزن، والحد من تناول الكحول، والتدريب على وضعية لا ينام فيها الذين يشخرون على ظهورهم، وأدوات مضادة للشخير توضع في فم المشخّرين مصممة خصيصا لفتح مجاري الهواء لديهم. أما عن التدابير الأكثر صرامة التي تتطلب إشرافا طبيا فتتمثل في الضغط الإيجابي المستمر على مجرى الهواء، باستعمال جهاز يشبه جهاز التنفس الصناعي يحافظ على مجاري الهواء مفتوحة. وكحل أخير، يمكن إجراء جراحة الأنف أو الحنك الرخو لتقليص الأنسجة التي تسبب الشخير.
يقول إيكرت إن هذه كلها علاجات موصوفة بشكل شائع، وكذلك الإقلاع عن التدخين. ولكن لا يوجد دليل قوي يدعم أيّا منها. والعديد من الخيارات الأخرى المدرجة في قائمة علاج الشخير أقل مصداقية. ويقول: «هناك الكثير من المعلومات المغلوطة».
في وقت سابق من هذا العام، أجرى تشيدسانو تشانجسيربون، الذي كان يعمل آنذاك في جامعة يورك في المملكة المتحدة، وزملاؤه، أجروا مراجعة منهجية للدراسات المنشورة التي تبحث في العلاجات المنتشرة. وبالرغم من أنهم لم يقيموا قوة الأدلة، لكنهم وجدوا ثغرات مهمة في الدراسات. كانت إحدى هذه الثغرات هو عدم وجود أي بحث على الإطلاق حول فعالية إنقاص الوزن، والحد من تناول الكحول، والإقلاع عن التدخين.
«شركاء السرير معرضون لخطر فقدان السّمع، وخاصة في الأذن المواجهة للشخير»
يقول تشانجسيريبون، الذي يعمل الآن في جامعة شولالونجكورن في بانكوك بتايلاند: «لم يتم تقييم العديد من العلاجات السلوكية، على الرغم من أنها كانت مستحبة على نطاق واسع ممن يعانون من الشخير». ومن بين الأسباب الأخرى أن القليل جدا من الدراسات بحثت التأثير على رفقاء النوم الذين ينامون مع المشخرين، على الرغم من أن «شركاء السرير هم غالبا الأكثر تأثرا بالشخير»، كما تقول كاتريونا ماكدايد، عضو الفريق في جامعة يورك.
يقول إيكرت إن هذا الندرة العامة في الأدلة ربما ترجع أن الشخير الأولي لا يُنظر إليه حتى الآن باعتباره خطرا صحيا كبيرا. ولو كان الأمر كذلك، لكان هناك المزيد من الأبحاث حول كيفية إيقافه.
في الوقت الحالي، سوف يضطر المصابون بالشّخير إلى الاكتفاء بالأدلة القليلة المتاحة. ولكن تشانجسيربون يتابع هذه القضية. ويقول: «نتائجنا ستسهم في تعزيز المراجعات المنهجية المستقبلية للمقارنة بين جميع العلاجات المتوفرة من حيث الفعالية والسلامة. وبالتالي، أقول للمهتمين بالعلاجات التي أثبت أنها العلاجات الأفضل: يرجى البقاء على اطلاع للحصول على نتائج أكثر دقة».
جراهام لوتون
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»