يتابع العالم العربي الانتخابات الأمريكية كما لا يتابع أي انتخابات أخرى حتى لو كانت تحدث في الجوار. ويتعصب البعض لطرفيها كما يتعصب البعض لفرق كرة القدم، وهذا أمر مفهوم، مع الأسف الشديد، في ظل انعكاس توجهات أي إدارة أمريكية على الواقع العربي وعلى التحولات الجذرية التي تحدث في المنطقة العربية.
وإذا كانت المتابعة في الماضي ضرورية وأساسية فإنها هذا العام وفي هذه الأيام قبيل الانتخابات المنتظرة في الخامس من نوفمبر القادم أكثر أهمية في وقت تشتعل فيه النيران في «الشرق الأوسط».
وتكشف الانتخابات القادمة عن وجهات نظر متناقضة بشأن المنطقة التي تكتسب أهمية كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية، حتى لو اعتقد البعض، أن ثقل الاهتمام انتقل من «الشرق الأوسط» إلى بحر الصين الجنوبي، لكن أحداث طوفان الأقصى أعادت البوصلة الأمريكية إلى المنطقة من جديد.
يقدم دونالد ترامب ومنافسته الرئيسية، نائبة الرئيس، حاليا، كامالا هاريس، نهجين مختلفين في معالجة التحديات الإقليمية لأمريكا.
كانت سياسة ترامب في الشرق الأوسط، خلال إدارته السابقة، محددة باتفاقيات «إبراهيم»، التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية. وقد تبنى موقفا حازما بشأن إيران تمثل أحد أهم تمظهراته في الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات، الأمر الذي خلق ردود فعل متباينة في المنطقة. وأكد نهجه المعاملاتي على الحد من التدخل العسكري الأمريكي مع تعزيز العلاقات الاقتصادية ودفع الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل.
وتتمثل إحدى مزايا سياسة ترامب في قدرته على بناء صفقات تعكس التحالفات الجيوسياسية المتغيرة، لكن هذه الصفقات لم تخدم القضية الفلسطينية بقدر ما خدمت إسرائيل والدول التي طبعت علاقاتها معها. وتعتقد بعض الدول العربية والخليجية بشكل خاص أن موقف ترامب الحازم من إيران أعطاها المزيد من الطمأنينة، لكن تلك الطمأنينة سرعان من تحولت إلى نوع من الخوف والترقب والحذر مع فشل ترامب في الفوز برئاسة ثانية نهاية 2020. إضافة إلى ذلك فإن القلق في الشرق الأوسط زاد عندما بدأ ترامب في سحب الالتزامات الأمريكية القائمة في المنطقة منذ سنوات طويلة ما أثار مخاوف بشأن الاستقرار وأدى إلى زيادة نفوذ روسيا وإيران بحسب بعض السياسيين في العالم العربي.
أما كامالا هاريس فإنها رغم التوقعات في مواصلتها العديد من سياسات الرئيس بايدن، فإنها تؤكد على المشاركة الدبلوماسية وعلى المزيد من الحوار، وتدعم، على الأقل في خطبها الانتخابية، سياسة حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإعادة الدخول في مفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي. ويتسم نهج كامالا هاريس بالتعددية، ويركز على بناء التحالفات وإعادة المشاركة مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي، لمعالجة مختلف القضايا بما في ذلك قضايا «الشرق الأوسط».
ومن المنتظر أن يعمل التزام هاريس بالدبلوماسية والحوار على تقليل التوترات الإقليمية، وخاصة إذا ما عادت إلى طاولة المفاوضات مع إيران حول الملف النووي. لكن هذا التوجه قد يقابله ضغوط من بعض دول الخليج خاصة تلك التي ما زالت قلقة من سياسات إيران ومن تمدد نفوذها في المنطقة. أما دعم هاريس لحل الدولتين فإنه يتماشى مع الإجماع الدولي رغم أنها ستواجه تعنتا كبيرا وصلبا من إسرائيل التي تحاول أن تنتشي الآن بتحقيق بعض الانتصارات في حربها على غزة ولبنان.
ويرى البعض أن دعم التعددية والدخول في حوارات مع شركاء بشأن قضايا الشرق الأوسط من شأنه أن يبطئ أي نتائج سواء كانت إيجابية أو سلبية من وجهة نظر الدول العربية على عكس الأسلوب المباشر الذي يتمتع به ترامب والذي اتضح جليا خلال عقد الاتفاقيات الإبراهيمية وكذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وبشكل عام فإن التوقعات التي تسود غرف صنع القرار والسياسات في العالم العربي والتي تتابع الانتخابات وتنصت جيدا لمعطيات الحملات الانتخابية تشير إلى احتمالية مواصلة ترامب لسياسة إعطاء الأولوية للمخاوف الاقتصادية على المخاوف الديمقراطية، والتركيز على صفقات التطبيع العربي مع إسرائيل وصولا إلى «وهم» السلام.. وعلى النقيض من ذلك، فإن هاريس ستركز على الدبلوماسية رغم أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن كيفية تحول التوازن الإقليمي للقوى نتيجة لإعادة التعامل مع إيران.
وبين تركيز ترامب على الأمن وقيادة هاريس لحقبة دبلوماسية في المنطقة فإن العالم العربي عليه توقع تغيرات جذرية وجوهرية يمكن فهم إرهاصاتها الأولى من خلال فهمه لمسار الحرب الحالية ونتائجها وردود الفعل الشعبية في العالم العربي عليها.