«إن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة، ومن أجل توفير الأسباب الداعمة لتحقيق أهدافنا المستقبلية فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه، وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة؛ لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها».

بهذه الكلمات التي أطلقها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- نعمل ونهتدي، ونستمد من توجيهات السلطان العزم بجعل مدارس السلطنة منارات علم ومعرفة يجد فيها الطلبة ما يلبي حاجاتهم ويحقق أمانيهم، ويُبقي المعلمين والمعلمات في أعلى درجات الدافعية للعمل والعطاء والتعلم المستمر، والتنافس الإيجابي البناء الذي يجعل المعلمين والمعلمات يسعون حثيثًا لتطوير مهاراتهم والارتقاء بمستوياتهم، الأمر الذي يجعل الحوكمة أحد أهم الخيارات التي توفر هذه البيئة الداعمة، وتجعل المناخ التربوي التعليمي في مدارس السلطنة على قدر توقعات الطلبة وأولياء الأمور والتربويين.

لقد تضمنت رؤية «عُمان 2040» في محور الحوكمة والأداء المؤسسي إشارات مهمة تفرض علينا التقاطها، والعمل الدؤوب الجاد على ترجمتها واقعًا في مدارسنا يلمس آثاره الطلبة والمعلمون بشكل واضح، فقد تضمنت الرؤية توجيهات لأن تكون الخدمات الحكومية بأعلى درجات الجودة، وأن تكون معايير شغل المناصب القيادية وفق معايير واضحة، وأن تكون مؤسسات الحكومة فعالة تستشرف المستقبل، والمدارس تكاد تكون أهم المؤسسات الحكومية التي يجب أن تكون أعمالها ومهماتها قائمة على التخطيط الدقيق والمتابعة المستمرة والتقويم الذي يُفضي إلى التحسين والتطوير وليس ترصد الأخطاء وتتبعها. وانسجامًا مع رؤية «عُمان 2040» فقد دعم قانون التعليم المدرسي الحوكمة التي تلبي التطلعات المستقبلية للسلطنة، واتفقت معها بأن تكون الحوكمة إحدى أدوات تحقيق تطلعاتنا المستقبلية.

تتضمن الحوكمة التشريعات والسياسات والهياكل التنظيمية والإجراءات والضوابط التي تسير وفقها المؤسسات الحكومية ومنها المدارس في طريقها إلى تحقيق أهدافها المحددة، باتباع الأساليب المهنية والأخلاقية القائمة على النزاهة والشفافية وأدوات التقييم المبنية على نظام عادل من المساءلة. هذا النهج يضمن فعالية أداء الموظفين الحكوميين من جانب، ومن جانب آخر يوفر الخدمات الحكومية بعدالة وإتقان.

المدارس يمكنها التميز وتحقيق أعلى درجات الأداء باتباع هذا النهج، فهي عندما تعتمد على نظام واضح في تحديد الأدوار والمسؤوليات، وتأطير العلاقات بين أطراف مجتمع المدرسة، وتحديد مسؤولية كل طرف سيرتقي الأداء وتتحقق الجودة المنشودة وتوضح القواعد والإجراءات اللازمة لصنع القرار الرشيد، وتأسيس قواعد متينة للعدالة والشفافية، والمساءلة المؤسسية، وتعزيز الثقة والمصداقية في البيئة المدرسية، وهذا الأمر له فوائد لا حصر لها، ويحقق منافع لأطراف العملية التربوية جميعًا، إذ سيحقق التعليم الجيد ويعمل على تطوير الأداء المدرسي، ويسهم في تحديد الأهداف ووضع السياسات والإجراءات اللازمة لتحقيقها، إضافة إلى متابعة أداء المعلم وتقييمه وضمان توفير التعليم النوعي والمنصف للطلبة، فضلًا عن تعزيز التواصل والتعاون بين المشرفين والمعلمين والموظفين الإداريين، مما يسهم في تحسين جودة التعليم وتحقيق التميز المدرسي.

إن تطبيق الحوكمة لن يكون بأي حال من الأحوال ارتجاليا، بل نهج له مبادئه التي تقوم على كفاءة مالية تدير الموارد المالية باقتدار، ويعتمد التعامل العادل مع الطلبة وأولياء الأمور والإدارة المدرسية، وأن يحكم التعامل ميثاق السلوك المهني والأخلاقي، وأن تكون البيئة داعمة للابتكار والتميز وفق أسس الإفصاح والشفافية التي تجعل التنافس إيجابيًا.

إن الغاية السامية في الوصول إلى تعليم شامل وتعلم مستدام وبحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة، ورفع أداء جميع الفئات في المؤسسة بتحقيق العدالة والمساواة بين العاملين فيها، والعمل وفق آليات وأطر تتسم بالوضوح، وتمكن العاملين من ممارسة أعمالهم بشكل كامل، ومساعدتهم على العطاء، والمشاركة الفاعلة في جميع الأنشطة داخل وخارج المؤسسة بكل شفافية يفرض علينا تبني هذا النهج الرصين الملائم.