تحتفل المرأة العمانية غداً بمناسبة يومها السنوي، وهي مناسبة ليست للاحتفاء العابر أو «الفعالياتي» وإنما وقفة حقيقية لتقدير دورها وتكريسه وتعزيزه. لقد كان للمرأة العمانية عبر تاريخ هذا البلد الطويل دور أساسي في عملية بناء الإنسان؛ بناء فكره وقيمه ومبادئه والحفاظ على هويته الوطنية، ولعلّ تبنّي المرأة العمانية هذا الدور عبر التاريخ، وبمسؤولية كبيرة، جعلها تعيش مكانتها في المجتمع وتحتفي بها دون أن تتحول، في أي مرحلة من المراحل، إلى من يبحث عن مكانته وقيمته تحت عنوان «حقوق المرأة»، فكان وعي الرجل العماني مدركا تماما لقيمة المرأة ودورها.
وعبر هذا الفهم لدور المرأة العمانية ومكانتها يمكن القول بكثير من الاطمئنان إنها نجحت فيه وبتفوق كبير وبَنَتْ أسرا قوية متمسكة بقيمها ومبادئها ومحافِظة على هويتها الوطنية الأمر الذي جعل المجتمع العماني من بين أكثر المجتمعات قوة وصلابة وتماسكا في النسيج وتسامحا وتكاملا وتكافلا.. وللمرأة دور أساسي في كل هذا ولا يمكن للمجتمع تجاوز هذا الدور أبدا. لكن لا يمكن تصوُّر أن الدور الذي قامت به المرأة عبر التاريخ سهل، بل كان في غاية الصعوبة وفي غاية الخطورة؛ لأنه كان معادلا موضوعيا لبقاء المجتمع أو تلاشيه أو تماهيه في غيره. وإذا كانت المرأة قد شقيت عبر التاريخ فقد فعلت ذلك من أجل أن تبقى أسرتها ويبقى مجتمعها بقيمه ومبادئه، وتبقى الدولة أكثر قوة وتماسكا.
واليوم في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات كبرى سواء نتيجة تطور المجتمع نفسه أو نتيجة ثقافة العولمة التي كرستها ثورة المعلومات فإن دور المرأة في عملية بناء المجتمعات يبدو أكثر إلحاحا وحاجة، ودون تمسكها بذلك الدور التاريخي فإن مجتمعاتنا ستخسر الكثير من قيمها ومبادئها ويتعرّض النسيج الاجتماعي للتآكل.
إن المجتمعات العربية كلها، والمجتمع العماني في مقدمتها، في حاجة ماسّة جدا وأكثر من أي وقت مضى لتكريس دور المرأة في عملية البناء والتربية والتنشئة على القيم الإنسانية الحقيقية التي عاشت المجتمعات العربية في ظلها طوال القرون الطويلة الماضية. إن للقيم والمبادئ مساحة في داخل كل إنسان وإذا لم تملأ بالقيم الأصيلة المستمدة من ثقافة كل مجتمع ومن تاريخها فإن هناك هجمات معلوماتية وهناك ثقافة العولمة تستطيع أن تملأ الأجيال الناشئة وتُشكِّلهم بما تريد وكيفما تريد. ورغم أن هذا الدور الذي نطلبه ونأمله من المرأة ليس سهلا ولكنها الأقدر على القيام به في ظل فهم دورها ومكانتها في كل أسرة. ولا بدّ للمرأة -أُمًّا أو أختًا أو زوجةً- أن تعي هذا الدور وهذه المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها لتتمثلها في كل تفاصيل حياتها. وهذا يجعل جميع النساء في أي مجتمع سواء في هذا الدور.
وفق هذا المعنى وهذا الدور الذي قامت به المرأة وما يطلب منها الآن نستطيع أن نعي قيمتها المتمثلة في جوهرها وحقيقتها ونفهم لماذا علينا أن نحتفي بها في كل وقت ونحتفي بذلك الجوهر الذي يشرق علينا في كل لحظة ويحيط بنا من أجل أن نحتفظ بقيمنا ومبادئنا ونستطيع أن نعي حقيقة هويتنا الوطنية التي لا تستقيم لنا حياة في معزل عنها.