زرتُ محافظة ظفار عدة مرّات معظمها فـي موسم الخريف، ولم تتح لي فرصة زيارتها فـي موسم «الصرب» الذي هو ربيع ظفار، حيث لطافة الأجواء، واعتدالها، ويبدأ، عادة، فـي الأسبوع الأخير لشهر سبتمبر، ويستمرّ إلى الأسبوع الأخير لشهر ديسمبر من كلّ عام، وقد وفّر لي مهرجان ظفار الدولي للمسرح الذي أقيم خلال الفترة من 2 إلى 9 أكتوبر الجاري، فرصة الاستمتاع بموسم «الصرب»، وحسنا فعلت بلدية ظفار التي نظّمت المهرجان بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والجمعية العمانية للمسرح، عندما اختارت هذا التوقيت للفت الأنظار إلى موسم لم يعرف جمالياته غير سكّان المحافظة والمقيمين، وقد جاء اختيار هذا التوقيت، بشكل مقصود، لدعم النشاط السياحي والاقتصادي فـي المحافظة، من حيث إن الأنشطة تظلّ متواصلة حتى بعد انتهاء موسم الخريف، ما دامت الطبيعة مستمرّة فـي عطائها، بل يفضّل البعض، من الظفاريين، هذا الموسم عن الذي سبقه، فلكل موسم ميزاته، ففـي موسم «الصرب» تنجلي الغيوم عن السماء الصافـية، ويتبدّد الضباب، الذي يحول بين العين والتمتّع بمشاهدة اخضرار الجبال خلال موسم الخريف، وفـيه أيضا تنتشر الإبل فـي المراعي السهلية والجبلية، التي تُغلق فـي موسم الخريف، وهذا النشاط تصاحبه الفنون التقليدية عادة، ويقلّ الزحام فـي الشوارع؛ لأن حركة السياحة تتركّز فـي موسم الخريف، فـيعود المصطافون إلى ديارهم، وحين تقيم المحافظة مهرجانًا كبيرًا يشارك به أكثر من 350 فنّانًا وفنّانة يمثّلون 50 دولة عربية وأجنبية، يقدّمون 35 عرضًا مسرحيًا ضمن 6 مسارات مسرحية مختلفة، فهذا يعني أن المهرجان نجح فـي إيصال رسالته الثقافـية، والفنية، وعرّف الضيوف من العرب والأجانب بالثقافة والبيئة، والعادات، والتقاليد العمانيّة، وقام بتنشيط الحركة الاقتصادية فـي المحافظة، لاسيّما أن الكثير من السيّاح زاروا المحافظة من المناطق المجاورة لحضور فعاليات المهرجان، واللقاء بنجوم المسرح الخليجي والعربي الذين حلّوا ضيوفًا على المحافظة، وقد قام الشباب العماني بالاحتفاء بهم منذ وصولهم المطار وحتى مغادرتهم أرض سلطنة عمان، بشكل يبعث الارتياح ومشاعر الامتنان والتقدير، يقول المخرج عماد الشنفري رئيس الجمعية العمانية للمسرح: إن المهرجان «حقّق لسلطنة عمان مكاسب كثيرة لا تحصى، يكفـي أن أكثر من 200 مليون متابع للضيوف النجوم فـي وسائل التواصل تعرّفوا على سلطنة عمان ومحافظة ظفار، وغطّت كثير من القنوات والصحف العربية والدولية الحدث، فكانت خير بداية للترويج للموسم القادم من خريف ظفار وموسم الشتاء».

ولأن مهرجان ظفار الدولي للمسرح، انطلق بعد اختتام مهرجان المسرح العماني مباشرة، فقد بيّن للعالم المكانة الرفـيعة التي يحتلّها المسرح فـي عُمان، خصوصا وهي تستعدّ لاحتضان مهرجان المسرح العربي فـي يناير المقبل، كما قام بتنشيط الحراك المسرحي، ووفّر فرصة للمسرحيين العمانيين للاستفادة من الضيوف ومشاهدة العروض العربية والأجنبية، والمشاركة فـي الورش المصاحبة، فقد أقيمت 3 ورش مسرحية قدّمها متخصّصون فـي فن المسرح، هي: ورشة «أثر الارتجال فـي تنمية المهارات الإبداعية للممثل»، وقدّمتها د.إنجي البستاوي، وقدّم المخرج التونسي الجعايبي ورشة «الإخراج المسرحي»، أمّا ورشة التمثيل المسرحي فقد قدّمها المخرج د.خالد جلال، كما وفّر المهرجان فرصة للمسرحيين العمانيين لعرض أعمالهم، ويكفـي أن أفضل عرض متكامل فـي مسار العروض الكبرى، كان من نصيب فرقة مزون المسرحية «موشكا» للمخرج يوسف البلوشي، ونال «سجين رغبة» لمحمد بن حيدر وفرقة صلالة جائزة أفضل عرض متكامل فـي مسار المونودراما، وفـي مسار مسرح الشارع نال عرض فرقة آفاق المسرحية «ألوان الطيف» للمخرج ماجد العوفـي جائزة أفضل عرض متكامل، إلى جانب جوائز فردية عديدة نالها مسرحيون عمانيّون، وعرّفت الجلسة الحوارية الخاصة بمشروع المسرح الوطني، بهذا المشروع الكبير، ومكوناته، وقد أدارها المخرج والكاتب عماد الشنفري والدكتور سعيد السيابي وشارك فـيها المكرّم الدكتور عبد الكريم جواد والمخرج محمد النبهاني، وقد عبّر ضيوف المهرجان عن انبهارهم بهذا الاهتمام الذي يأتي من أعلى المستويات بفن المسرح.

ورغم أن كل تجربة جديدة لا تخلو من ملاحظات، ومن بينها ضرورة وضع حساب للمشاكل الفنّيّة الطارئة بوقت كافٍ قبل بدء العروض لتقدّم فـي وقتها المعلن عنه، مع وضع فـي نظر الاعتبار الضغط الذي سبّبته إقامة ستة مهرجانات فـي مهرجان واحد، على المنظّمين، والقاعات، وجاءت المسارات إرضاء لجميع الأذواق، وفتح المجال لأكثر من بلد فـي المشاركة، وإن ما يبهج النفس أن القائمين على المهرجان كانوا يصغون لكل ملاحظة، ويأخذونها بعين الاهتمام، ليتمّ تجاوزها فـي الدورات القادمة من المهرجان الذي وضع المنظمين أمام تحديات كثيرة تمّت معالجتها بفضل إصرارهم على إقامته، وغلبة روح التعاون بينهم، مستفـيدين من أصحاب الخبرات، من العمانيين والعرب، فالهدف الأكبر الذي وضعه الجميع نصب أعينهم هو إظهار وجه عُمان المشرق للعالم، بأبهى صورة، فـي مهرجان يأمل القائمون عليه أن «يسهم فـي تعزيز مكانة سلطنة عمان على الخارطة الثقافـية والسياحية إقليميا ودوليا «كما يقول أحمد بن عوض الرواس مدير المهرجان، وهذا ما رأيناه فـي ربيع ظفار المسرحي.