أدّت المرأة دورًا جوهريًا في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التأثير الإيجابي في تلك المجتمعات؛ فحضورها المميز في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصرًا أساسيا فاعلًا في إحداث عملية التغيير في المجتمع.

إن التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات يتوقف بشكل كبير على واقع المرأة ومدى تمكُّنها من القيام بأدوارها في المجتمع، فهي تشغل دورًا أساسيًا في بناء أسرتها ورعايتها لهم، من خلال ما يقع على عاتقها بصفتها أم مسؤولة عن تربية الأجيال، وما تتحمله بصفتها زوجة تدير شؤون الأسرة، ومع تقدُّم المجتمعات وتطورها نجد أن المرأة لم تلتزم فقط بواجبها تجاه أسرتها وتربية الأبناء بل أصبح لها دور اجتماعي كبير في شتى المجالات، وبناءً على مؤهلاتها العلمية والثقافية والاجتماعية تنوعت أدوارها في المُجتمع على مُختلف الأصعدة، إن المرأة نصف المجتمع من حيث التكوين، وكل المجتمع من حيث التأثير في النشأة والتكوين، فهي الأم والأخت والزوجة والجدة والمعلمة والمربية والعاملة و...إلخ، وعلينا أن نكرم المرأة بمنحها كافة حقوقها لكي تستطيع أن تنخرط في شؤون البناء والتنمية على نحو فعال وحيوي، فالإحصاءات تشير إلى أن تعليم المرأة وتمكينها من العمل انعكس إيجابًا على الأسرة، سواءً في الأمور التربوية أو الاقتصادية أو الصحية، فأصبحت المرأة في أغلب الدول تشكل قوة ديناميكية داعمة للتطور والتحول في المجتمع، لذلك من الجيد التأكيد على أهمية تمكين المرأة لكي تكون قادرة على القيام بأدوارها بفاعلية.

للأم الدور الأساسي في نقل ثقافة المجتمع إلى أطفالها وتربيتهم وتنشئتهم على الأخلاق الحميدة والقيم السليمة، وبما أن المرأة جزء من هذا الوطن، فعليها أن تعمل جاهدة على تثقيف أبنائها على الولاء والانتماء الوطني لبناء الهوية الوطنية الواحدة والجامعة لكافة مكونات المجتمع من أجل وطن متلاحم مزدهر وآمن ومستقر.

إن المرأة العمانية كانت وما زالت على رأس أولويات الرؤية الطموحة 2040 التي أكدت أهمية تمكين المرأة، بل إنها أقرَّت بأنّ المرأة هي أحد عناصر القوة وهي شريكة فاعلة للرجل في كل الميادين لدفع عجلة التنمية، واستطاعت المرأة بفضل الله ثم بتوجيهات القيادة الحكيمة أن تسجل نجاحات متتابعة على كل المستويات، وأن تقدم نموذجًا مميزًا على كافة الأصعدة، وهو ما نراه اليوم من اعتلائها للمناصب القيادية، مما أسهم في دعم حركة النهضة الشاملة التي تعيشها سلطنة عمان في مختلف المجالات، وهو دليل على أنّ التغيير لم يعد شعارًا، بل أصبح منهجًا وطنيًا للأخذ بيد المرأة لتنتقل في مجتمعها من الدور القديم المحدود إلى التمكين اللامحدود، وتحقيق الفاعلية في أي دور تؤديه.

وهنا نؤكد على أنه من أولويات المرأة في الوقت الحالي هو القيام بكل ما من شأنه ترسيخ قيم ومبادئ الولاء والانتماء الوطني عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية ومن خلال السلوكيات اليومية لكل أم في تربية أبنائها وبناتها على قيم الخير والفضائل والمودة والإخاء والتعاون، ونبذ كل دعوات العنف والتطرف والغلو. إن المرأة في كل المراحل والمنعطفات التاريخية كانت وما زالت وستظل العطاء الدائم المتدفق في ترسيخ الهوية الوطنية والدفع بمسيرة التنمية، في ظل وجود وطن آمن ومستقر ينعم بالأمن والاستقرار.

وأخيرًا نشدد على دور المرأة في ترسيخ الهوية الوطنية لدى الأسرة بوصفها اللبنة الأولى في غرس منظومة القيم الإنسانية المتعارف عليها عالميًا بالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة والتراحم والتي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي بما يضمن الأمن والاستقرار المجتمعي. وبيدها المحافظة على مستقبل المنظومة القيمية، خصوصا التعايش والتسامح والأخوة الإنسانية، ونؤكد أن الأم هي الركيزة الأساسية في تربية الأجيال وتقويم سلوكيات الأبناء على الالتزام بمبادئ وأهداف الدين الإسلامي الحنيف وقيمه وحب الخير للجميع، وأن يكون الولاء لله أولًا ثم للوطن والحفاظ على وحدته.

د. وفاء بنت سعيد المعمرية / رئيسة قسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس