تعد منهجية كايزن (Kaizen) التي تعني باللغة اليابانية التغيير للأفضل لتحقيق التحسين المستمر، من المنهجيات التي تستخدم في القطاعات الصناعية والخدمية والتعليمية. المؤسسات والشركات التي تبنت هذه المنهجية استطاعت بشكل تدريجي وبتحسينات بسيطة التخلص من الهدر وضعف الإنتاجية التي تحيط بيئة العمل، ونأخذ مثالا من قطاع السيارات، على سبيل المثال، فإن شركة فورد وبتطبيقها لمنهجية كايزن استطاعت التغلب على عدم فاعلية بعض خطوط الإنتاج. ومن الحلول المنفذة، عمل اجتماعات يومية والاستماع لمقترحات الموظفين وتوظيفها، حيث كانت النتائج ارتفاعا في الإنتاجية بنسبة (7%)، وتقليل التباطؤ في خط التجميع بنسبة (25%)، مع تطبيق مقترحات الموظفين بنسبة (100%)، أيضا هناك شركات يابانية عملاقة تبنت هذه المنهجية منها: تويوتا، هوندا، باناسونيك، سوني وكانون، تلك الشركات أساس عملها هو التحسين المستمر في المنتجات ورفع كفاءتها بشكل مستمر. هذا المقال يستشرف منهجية كايزن ومدى مساهمتها في تعزيز مؤشر الابتكار العالمي، مع التركيز على المستوى الوطني.

في الجانب الآخر، فقد أصاب البروفيسور (روي كاساجراندا) المتخصص في العلوم السياسية بكلية أوستن في محاضراته التي تطرق فيها عن إسهامات علماء المسلمين، حيث تمكن من تتبع تاريخ الاكتشافات العلمية وفنّد أن الحضارة الإسلامية وما زخرت به من علماء ومبتكرين هي التي انقضت الحضارة الغربية وساعدتها في الوصول إلى ما هي عليه من التقدم العلمي. وإن كانت الحضارة الإسلامية لها السبق علميًا ومعرفيًا في مجالات كثيرة، إلا أنها لم تستطع مواصلة السير عن طريق التحسين المستمر لتلك الاكتشافات. لذا؛ فإن الغرب أخذ زمام القيادة حيث عمل على تكوين مراكز أبحاث علمية تتميز بالنمو والتجديد، مع استقطاب المبدعين والمبتكرين من شتى الدول، كما ساعد الدول الغربية في تحسين الإنتاج العلمي والابتكار أسباب عديدة، أهمها الاستثمار في البحث والتطوير والتي تعرف (R & D Investment) وخاصة في قطاع الشركات. لذا؛ فإن الدول الغربية التي أعطت الابتكار أهمية، تتربع الآن في مؤشر الابتكار العالمي. عليه فإن منافسة الدول العربية والإسلامية في الصعود في مؤشر الابتكار العالمي هي محاولة لاسترداد المكانة التاريخية لما قدمته الحضارة الإسلامية من المعارف والاكتشافات العلمية.

وبالنسبة لبعض المؤشرات الفرعية لمؤشر الابتكار العالمي لعام (2024)، فإن سلطنة عُمان حصلت على ترتيب أفضل في: المؤسسات، والبنية التحتية، ورأس المال البشري، والبحوث، وتعقيد السوق. بينما في المقابل حصلت على ترتيب أقل في مؤشرات منها: المعرفة التكنولوجية، تعقيد الأعمال، والمخرجات الإبداعية. تلك النتائج تؤكد أن هناك اهتماما بالمؤسسات والبحوث بينما لا يوجد تحسنا في الجوانب التي تعنى بالمخرجات الإبداعية، بمعنى أن الاستثمار في المؤسسات لا يولد مخرجات إبداعية تكون متوازنة مع ذلك الاستثمار. وبالتالي دراسة المعوقات التي تحد من تحسين بند المخرجات الابتكارية وإيلاء أهمية للتحسين المستمر الذي تقوم عليه منهجية كايزن، من الممكن أن تعمل على تحسين المؤشر في هذا البند.

أيضا، من البنود الفرعية التي يقاس بها مؤشر الابتكار، هو «إنتاجية العامل» فكلما أسهم العمال أو الموظفون وقدموا مبادرات ومقترحات في مجال عملهم وإن كانت صغيرة فإن ذلك يؤدي إلى زيادة معدل الإنتاجية والكفاءة والجودة في بيئة العمل. ولكن يلاحظ، أن بيئة العمل على المستوى العربي أو الوطني يغلب عليها الروتين، حيث إن أغلب وقت الموظفين يقضى في تخليص الأعمال اليومية التشغيلية التي يغلب عليها التكرار والتشابه، وبالتالي، ينبغي أن تترسخ مفاهيم التحسين المستمر لدى جميع فئات الموظفين من أعلى الهرم التنظيمي بالمؤسسة إلى أقل الوظائف. وذلك بتقديم المقترحات والأفكار الإبداعية لتطوير منظومة العمل، مع تعزيز ثقافة التغيير والتحسين التي تنادى بها منهجية كايزن، ومنها تخصيص وقت معين يوميًا لطرح ومتابعة المقترحات والمبادرات.

كما ورد بالتقرير السنوي لمؤشر الابتكار، عند الحديث عن سلطنة عُمان، بأن ما يقرب من (18) بندا فرعيا بياناتها مفقودة، أو أن البيانات قديمة وغير محدثة. وبالتالي، فإن غياب تلك البيانات أو الأرقام يعد مثالًا لمدى أهمية التحسين المستمر، والذي قد يكون من الأسباب التي أدت إلى انخفاض مؤشر سلطنة عُمان إلى الترتيب (74) عالميا، أي أقل بمعدل خمسة مراكز عن العام الماضي. ولكن الانخفاض شمل أيضًا الدول الخليجية، حيث ارتفعت فقط دولتا: قطر والمملكة العربية السعودية، بينما الدول الخليجية الأخرى، إما ظلت على الترتيب نفسه (دولة الإمارات) أو إنها انخفضت -كما هو الحال- في الكويت والبحرين. وبالتالي، القول إنه أصبح ليس سهلًا الصعود في هذا المؤشر بعكس المؤشرات الأخرى، ومنها مؤشر القوة الناعمة ومؤشر الأداء البيئي والتي تقدمت فيها الدول الخليجية بمراتب أعلى. ولعل السبب يكمن في أن مؤشر الابتكار، معدل التنافسية به عالية جدا بين الدول وأيضا يحتاج إلى بيئة جاذبة للمبتكرين وأن يكون عنصر التجديد والتحسين في بنود المؤشر تتصف بالاستمرارية.

القارئ للاستراتيجية الوطنية للابتكار، يلاحظ بأنها اعتمدت في (2017)، إلا أنه بالنظر إلى المكونات الرئيسة والتفصيلية للاستراتيجية، فإنها بحاجة إلى إعادة هيكلة لتكون أكثر وضوحا من حيث تحديد أدوار المؤسسات سواء الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، لكي تسهم كل مؤسسة بما لديها من مبادرات وإمكانات مالية أو بشرية، يتم قياسها في شكل مؤشرات أداء زمنية لكي تسهل من معرفة سرعة الإنجاز، حيث إن تلك المؤشرات التي تمثل ارتفاعًا أو هبوطا، هي بمكانة الأثر الناتج عن التحسين المستمر. بيد أن، التأخير في تحديث الاستراتيجية بما يزيد على سبع سنوات من العمل بالنسخة الأولى منها، قد لا يتسق مع متطلبات التجديد والتطوير والذي يؤثر، كما أشرنا في توفير البيانات التي يبنى عليها مؤشر الابتكار العالمي.

منهجية كايزن، تقوم على مبدأ أن الموظفين أنفسهم هم من يقومون بالتحسين المستمر. عليه بالرغم من أن الوحدات الحكومية يوجد بكل منها صندوق «المقترحات والشكاوى»، ولكن قلّما تجد من يسهم من الموظفين في تقديم أي مقترحات وإنما أصبح الغالب هو ارتفاع معدل الشكاوى. وقد يكون السبب في أن ترسخ لدى الموظفين، بأنه مهما قدموا من مقترحات فلن يتم النظر إليها. ونظرًا لأهمية جانب المقترحات في تجويد وتحسين بيئة العمل الحكومي، فإن التوجيهات السامية بتخصيص منصة إلكترونية يتم إطلالها العام القادم، تمثل نقلة نوعية في الاهتمام بشتى الأفكار والمقترحات وإيجاد حلول لحجم الشكاوى التي أصبحت تؤثر في سير الأعمال بالجهات الحكومية. كما تحضرني مبادرة متميزة بإحدى المؤسسات الحكومية قبل سنوات بأن تم فتح المجال لاستقبال المقترحات والمبادرات الإبداعية. من خلاله تقدم الموظفين بمبادرات نوعية وبعد تقييمها تمت مكافأة البعض منهم، ولكن لغياب ثقافة التحسين المستمر فإن الأمر لم يستمر طويلا.

تطبيق منهجية كايزن في المؤسسات الحكومية من شأنه أن يعمل على تغيير ثقافة العمل التي ينبغي أن تسود عليها التحسين أو التطوير للأفضل. هذا التحسين يحتاج إلى تشجيع من قبل الإدارات العليا في الجهات الحكومية بقبول الأفكار الريادية أو الإبداعية، وأيضا يحتاج إلى أن ينظر إلى الموظف ليس من قبيل -مخلص واجبات وظيفية- فقط، وإنما تتم مشاركته في اتخاذ القرارات التشغيلية والخطط الإستراتيجية للمؤسسة. يحتاج من المسؤولين أن يعطوا الموظف تقديرًا لما يبذله من جهد لما لذلك من تأثير على بيئة العمل. وتحضرني قصة لإحدى الشركات العالمية، التي كانت تعاني من ضعف في الإنتاجية وكانت قريبة من الإفلاس. ولعلاج ذلك قام الرئيس التنفيذي الجديد بالخروج من الصندوق أو الروتين اليومي، والذهاب إلى خط العمليات -بشكل مستمر- ويقوم بمصافحة الموظفين ويسأل عنهم ويشاركهم أحوالهم ويتقبل نقدهم ومقترحاتهم. وبعد مدة تغيرت المعادلة وتحولت الشركة إلى الربحية. حدث ذلك ليس بضخ أموال إضافية ولكن بضخ أفكار وإن كانت صغيرة ولكن أحدثت تغييرا في الإنتاجية.

نستطيع القول بأن سلطنة عُمان، وما بها من الكفاءات العلمية في شتى المجالات وحسب الركائز المحددة بمؤشر الابتكار العالمي واستكمالًا لما هو مخطط له من ممكنات تتعلق بمؤشر الابتكار برؤية عُمان. من الممكن أيضا، دراسة تطبيق منهجية كايزن كفلسفة عمل بالمؤسسات الحكومية تطبق مبادئ التحسين المستمر، الأمر الذي قد يسهم في تحسين ترتيب سلطنة عُمان حسب الأداء المستهدف وهو أن تكون ضمن أفضل (40) دولة بحلول عام (2030) في مؤشر الابتكار العالمي.