تسارع وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط نحو حافة الهاوية، عبر تشابك ملفاته الأمنية الاقليمية على خلفية تداعيات عملية طوفان الأقصى، بات اليوم أقرب من أي وقت مضى، وصولاً إلى نهايات لا يرغب فيها أحد في المنطقة، لا الدول العربية، ولا إيران، ولا إسرائيل؛ أي تلك الحرب الإقليمية الموسعة.

فسياقات التصعيد الحاد والمتهور إذ تؤشر خلفية صناعتها إلى شخص واحد في الشرق الأوسط، هو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد تنعكس نتائجها الخطيرة تلك في الأيام القليلة المقبلة، لاسيما في ضوء ما حذر منه مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز الذي أشار إلى أن: «سوء التقدير قد يؤدي إلى دوامة تصعيد غير مقصودة». فهذا التحذير من مدير الاستخبارات الأمريكية والدبلوماسي الأمريكي السابق، مضافاً إليه نوايا نتنياهو المعلنة هو ما سيعني احتمالا لنشوب الحرب الإقليمية.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك؛ المقاطع المسربة من الكتاب الجديد "الحرب" الذي سيصدر بعد أسبوع في الولايات المتحدة؛ للصحافي الأمريكي المخضرم بوب وودوارد (يعمل في صحيفة «واشنطن بوست» منذ نصف قرن ويتناول في مقالاته ما يدور في كواليس البيت الأبيض، وذاع صيته قبل نصف قرن في كشف فضيحة ووترغيت التي دفعت الرئيس ريتشارد نيكسون إلى التنحي في عام 1974) وما نقلته بعض مقاطع الكتاب؛ من كلام للرئيس الأمريكي جو بايدن عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ حيث وصف الأولُ الأخيرَ بأنه: " كاذب ولا يهمه سوى صموده السياسي" فإن الكثير من المخاطر تبدو حقيقية حيال حرب إقليمية متوقعة على خلفية الرد الإسرائيلي المرتقب على إيران.

الزلازل التي خلفها الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى في كل من غزة ولينان، ستطال آثارها القريبة والبعيدة كافة الشرق الأوسط. فما حدث، سواءً أكان في أسلوب تنفيذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، أو في الرد الإسرائيلي عليها؛ هو أمر غير مسبوق وكان بمثابة زلزال جيوسياسي في المنطقة وسيخلف معادلات جديدة وأوضاعاً جديدة لامحالة.

لكن الأوضاع الجديدة حتى الآن رهينة بما ستتكشف عنه الأيام والأسابيع القليلة القادمة؛ من طبيعة الرد الإسرائيلي على هجوم إيران وطبيعة الرد الإيراني على رد الرد. في كل الأحوال ستكون المتغيرات في المنطقة برمتها وسيشمل ذلك اسرائيل ومصير نتنياهو ومستقبله السياسي كذلك.

ذلك أن ما يفسر لنا تهور قرارات نتنياهو يكمن، تحديداً، في ما قاله الرئيس الأمريكي عنه، أي حين ذكر بايدن أن كل ما يهم نتنياهو من التعنت الخطير والاصرار على الحرب هو: " صموده السياسي" أي الخوف على مصيره. وهي عبارة دبلوماسية، لكنها تعبر عن حقيقة أخطر من ذلك؛ أي في كونها عبارة دالة على أن نتنياهو أصبح اليوم خطراً على نفسه، وعلى إسرائيل وعلى المنطقة كلها بطبيعة الحال.

فنتنياهو يظن أنه لن يلاقي مصيراً مظلماً عبر ذلك التهور الذي قد يسوق المنطقة إلى جحيم حرب اقليمية طاحنة، بحيث يتحول معها مصيره نحو الأحسن، أي من سياسي فاسد إلى بطل قومي لإسرائيل.

في هذا السياق المعقد، الذي تتعارض فيه مصلحة نتنياهو الشخصية مع أمن اسرائيل القومي الاستراتيجي، وكذلك مع أمن المنطقة والإقليم برمته؛ يمكننا أيضاً فهم خلفية الصراع بينه وبين وزير دفاعه يؤاف غالانت، الذي تم تأجيل زيارته إلى واشنطن بإيعاز من نتنياهو، حيث يرى الأخير أنه الأولى بزيارة واشنطن من وزير دفاعه، خصوصاً بعد عدم تمكنه من الاتصال بالرئيس الأمريكي جو بايدن.

هذا يعني أن الرد الاسرائيلي على إيران بات مفتوحاً على كل الاحتمالات بما في ذلك أخطر تلك الاحتمالات؛ ضرب مشروع إيران النووي.

وفي ظل تكتم إسرائيل عن اتخاذ القرارات الخطيرة دون إخطار الولايات المتحدة حتى، إلا نادراً (وأحياناً قبل دقائق من اتخاذ القرار مثل قرار تصفية زعيم حزب الله حسن نصر الله الذي علمت به الولايات المتحدة قبل دقائق من تنفيذه) قد يبدو احتمال ضرب منشآت نووية إيرانية وارداً جداً، وبقرار من نتنياهو شخصياً، وبالتالي الوقوع فيما حذر منه مدير جهاز المخابرات الأمريكية وليام بيرنز، حين قال، أيضاً، خلال مؤتمر التهديدات السنوي بولاية جورجيا:"نواجه خطراً حقيقياً يتمثل في تصعيد الصراع الإقليمي"!