ما علاقة صوت أم كلثوم بسجون الاحتلال الإسرائيلي وبحياة المعتقلين الفلسطينيين؟ هذا سؤال مشروع للإنسان الذي يعيش خارج فلسطين ولا يعرف تفاصيل الحياة الفلسطينية داخل السجون الاحتلالية، لكنه غير مشروع لمن عاش في فلسطين، أو عانى من عذابات سجونها. بين يديّ كتاب ساحر (أم كلثوم في تجربة المعتقلين الفلسطينيين) للقاص والباحث والإعلامي المعروف حسن عبد الله، صدر الكتاب حديثا عن دار الشامل للنشر والتوزيع، في مئتي صفحة خطفنا حسن عبد الله بتفاصيل كنا نسمع عنها دون تفاصيل نحن الذين لم ندخل جحيم سجون المحتلين، لكن حسن نجح في إدخالنا السجن تماما، وفتح لنا شباكا عريضا تأتي منه الشمس ويرقص على حوافه الأمل، هذا الشباك هو صوت أم كلثوم الهائل، الكتاب مكتوب بأسلوب منهجي، وهو مقسم الى فصول، تبدأ بـ (أم كلثوم من القرية المحافظة الى فضاء العالمية، وجدلية السياسة والفن، عبد الناصر وأم كلثوم في المجهود الحربي، والفلسطينيون وأم كلثوم، انشودة حب و أم كلثوم في تجربة المعتقلين الفلسطينيين)، وحسنا فعل حسن عبد الله في هذا التقسيم المتقن والغني، فنحن سنحب ونفهم صوت أم كلثوم أكثر حين نسمعه في إطار سياقات طفولتها مواقفها المشرفة من قضية فلسطين وأدائها التمثيلي، في أفلام سينمائية مهمة، وعالميتها وعروبتها و حياتها الشخصية ودفاعها عن ثورة يوليو، ووطنيتها.
واضح أن الكاتب كتب هذا السحر بمتعة كبيرة، فأثر الحب فيه واضح، والصدق يسيل من صفحات الكتاب، أما الجهد الكبير فلا يخفى على أحد، في الحواشي وضع لنا الكتاب مراجع مهمة، لشخصيات ثقافية مهمة، مثل: رجاء النقاش ومحمد قابيل ووجدي الحكيم وقائمة بأفلام سينمائية شاركت فيها أم كلثوم، ومقابلات صحفية معها في صحف عربية، ومقالات عن تجربتها وصوتها، وأخبارها وجوائزها التي حصلت عليها من أكثر من زعيم عربي، وآراء ملحنين عرب ومصريين في تجربتها وصوتها وتفاصل عن أمسياتها وحفلاتها في مصر والعالم العربي. يبقى المهم في الحكاية كلها هو أن الكاتب أعتمد قبل المراجع على تجربته الشخصية في مقاربة تجربة الاستماع في وقت محدد الى ام كلثوم، في سجن وظيفته الأساسية هي خنق حياة المناضلين.
في (فصل الفلسطينيون وام كلثوم انشودة فن وحب،) يبدع الكاتب في تتبع العلاقة الثقافية لفلسطين قبل النكبة مع عمقها المصري تخصيصا، فاستقبال الفلسطينيين للاغنية العربية لم يقتصر على إذاعة هنا القدس والشرق الأدنى، فالمدن الفلسطينية خصوصا حيفا ويافا والقدس فتحت أبوابها مشرعة لاستقبال كبار الفنانين، والاستماع اليهم، والاحتفاء بهم في حفلات جماهيرية، ويتابع عبد الله أن أم كلثوم زارت مدينة القدس عام 1938 حيث غنّت على مسرح عدن، أمام جمع غفير، وقد وصف واصف جوهرية الموسيقار المقدسي هذه الزيارة بقوله: إنها كانت ليلى من الليالي التي لا تنسى، ومنها مضت أم كلثوم الى العالمية، الى حيفا، عبر القطار لتحيي بها ليلتين، إحداهما، في شارع الملوك، وثانيها في مسرح الانشراح، قبل النكبة.
يشرح حسن عبد الله سياق فكرة هذا الكتاب غير المسبوق فيقول: (في السنوات الأخيرة تأملت طويلا وعميقا، هذه الظاهرة الإبداعية صوت أم كلثوم، هذا التأمل قادني إلى تبني مشروع متخصص حول علاقة أم كلثوم بالفلسطينيين بشكل عام، ثم ما لبثت وأن تشكلت في ذهني أفكار وعناوين مهمة، وجدت أن البحث من شأنه أن يقدم جديدا لما كتب عن أم كلثوم وأقصد بالتحديد تجربة المعتقلين الفلسطينيين).
في فصل (أم كلثوم في تجربة الاعتقال الفلسطينية،) يكتب عبد الله: إن إصرار المعتقلين على مطلب الاستماع الى المذياع، ولو من خلال المذياع المركزي للمعتقل، انتزع حقهم في شراء أجهزة راديو وتلفاز بعد مرور عقدين على تجربة الاعتقال، التي بدأت في العام 1967، في السنوات الأولى من التجربة خاض المعتقلون سلسلة من الخطوات النضالية متوجة بالاضراب عن الطعام، الى أن استطاعوا تحقيق ساعتين من الاستماع الى الراديو، لذلك يمكن فهم أهمية اغنية ام كلثوم التي كان يستمع اليها المعتقلون ساعة يوميا وبنسبة 90 بالمئة استنادا الى المقابلات حيث ان 45 معتقلا من أصل 50 كانوا يستمعون لام كلثوم بانتظام أي الساعة السادسة والنصف حتى الساعة السابعة والنصف من خلال المذياع المركزي وعن طريق السماعات التي يتم تركيبها في الغرف الاعتقالية، كان المعتقلون يتعاملون مع أغنية ام كلثوم على أنها تواصل مع العالم الخارجي، فالصوت الآتي عبر المذياع، يحمل اليهم طربا وذكريات وأملا.
يقول د ناصر اللحام والكلام ما زال للكاتب عبد الله: أغنيات أم كلثوم بجمالها ومعانيها وموسيقاها كانت تخفف عن الانسان المعتقل، فالموسيقى والغناء يحدثان توازنا في النفس البشرية بشكل عام.
هذا كتاب غير مسبوق في الفكرة الحسّاسة والمداخل المثيرة، والمعلومات الغنية، سيهتم باقتنائه كثيرون ومن فئات مختلفة: أدباء ومناضلون ومؤرخون وموسيقيون.
شكرا لحسن عبد الله.
الكاتب في سطور
هو كاتب وإعلامي وباحث فلسطيني، خصص جزءاً من نشاطه الثقافي والبحثي لتأريخ وتحليل التجربة الثقافية والإبداعية للمعتقلين الفلسطينيين، وهو كذلك رئيس منتدى العصرية الإبداعي - الكلية العصرية الجامعية، وقد تدرج في الصحافة المكتوبة من مراسل إلى محرر إلى رئيس تحرير، كما عمل في التلفزة الفلسطينية رئيساً للتحرير على مدى عشرين عاماً.
واضح أن الكاتب كتب هذا السحر بمتعة كبيرة، فأثر الحب فيه واضح، والصدق يسيل من صفحات الكتاب، أما الجهد الكبير فلا يخفى على أحد، في الحواشي وضع لنا الكتاب مراجع مهمة، لشخصيات ثقافية مهمة، مثل: رجاء النقاش ومحمد قابيل ووجدي الحكيم وقائمة بأفلام سينمائية شاركت فيها أم كلثوم، ومقابلات صحفية معها في صحف عربية، ومقالات عن تجربتها وصوتها، وأخبارها وجوائزها التي حصلت عليها من أكثر من زعيم عربي، وآراء ملحنين عرب ومصريين في تجربتها وصوتها وتفاصل عن أمسياتها وحفلاتها في مصر والعالم العربي. يبقى المهم في الحكاية كلها هو أن الكاتب أعتمد قبل المراجع على تجربته الشخصية في مقاربة تجربة الاستماع في وقت محدد الى ام كلثوم، في سجن وظيفته الأساسية هي خنق حياة المناضلين.
في (فصل الفلسطينيون وام كلثوم انشودة فن وحب،) يبدع الكاتب في تتبع العلاقة الثقافية لفلسطين قبل النكبة مع عمقها المصري تخصيصا، فاستقبال الفلسطينيين للاغنية العربية لم يقتصر على إذاعة هنا القدس والشرق الأدنى، فالمدن الفلسطينية خصوصا حيفا ويافا والقدس فتحت أبوابها مشرعة لاستقبال كبار الفنانين، والاستماع اليهم، والاحتفاء بهم في حفلات جماهيرية، ويتابع عبد الله أن أم كلثوم زارت مدينة القدس عام 1938 حيث غنّت على مسرح عدن، أمام جمع غفير، وقد وصف واصف جوهرية الموسيقار المقدسي هذه الزيارة بقوله: إنها كانت ليلى من الليالي التي لا تنسى، ومنها مضت أم كلثوم الى العالمية، الى حيفا، عبر القطار لتحيي بها ليلتين، إحداهما، في شارع الملوك، وثانيها في مسرح الانشراح، قبل النكبة.
يشرح حسن عبد الله سياق فكرة هذا الكتاب غير المسبوق فيقول: (في السنوات الأخيرة تأملت طويلا وعميقا، هذه الظاهرة الإبداعية صوت أم كلثوم، هذا التأمل قادني إلى تبني مشروع متخصص حول علاقة أم كلثوم بالفلسطينيين بشكل عام، ثم ما لبثت وأن تشكلت في ذهني أفكار وعناوين مهمة، وجدت أن البحث من شأنه أن يقدم جديدا لما كتب عن أم كلثوم وأقصد بالتحديد تجربة المعتقلين الفلسطينيين).
في فصل (أم كلثوم في تجربة الاعتقال الفلسطينية،) يكتب عبد الله: إن إصرار المعتقلين على مطلب الاستماع الى المذياع، ولو من خلال المذياع المركزي للمعتقل، انتزع حقهم في شراء أجهزة راديو وتلفاز بعد مرور عقدين على تجربة الاعتقال، التي بدأت في العام 1967، في السنوات الأولى من التجربة خاض المعتقلون سلسلة من الخطوات النضالية متوجة بالاضراب عن الطعام، الى أن استطاعوا تحقيق ساعتين من الاستماع الى الراديو، لذلك يمكن فهم أهمية اغنية ام كلثوم التي كان يستمع اليها المعتقلون ساعة يوميا وبنسبة 90 بالمئة استنادا الى المقابلات حيث ان 45 معتقلا من أصل 50 كانوا يستمعون لام كلثوم بانتظام أي الساعة السادسة والنصف حتى الساعة السابعة والنصف من خلال المذياع المركزي وعن طريق السماعات التي يتم تركيبها في الغرف الاعتقالية، كان المعتقلون يتعاملون مع أغنية ام كلثوم على أنها تواصل مع العالم الخارجي، فالصوت الآتي عبر المذياع، يحمل اليهم طربا وذكريات وأملا.
يقول د ناصر اللحام والكلام ما زال للكاتب عبد الله: أغنيات أم كلثوم بجمالها ومعانيها وموسيقاها كانت تخفف عن الانسان المعتقل، فالموسيقى والغناء يحدثان توازنا في النفس البشرية بشكل عام.
هذا كتاب غير مسبوق في الفكرة الحسّاسة والمداخل المثيرة، والمعلومات الغنية، سيهتم باقتنائه كثيرون ومن فئات مختلفة: أدباء ومناضلون ومؤرخون وموسيقيون.
شكرا لحسن عبد الله.
الكاتب في سطور
هو كاتب وإعلامي وباحث فلسطيني، خصص جزءاً من نشاطه الثقافي والبحثي لتأريخ وتحليل التجربة الثقافية والإبداعية للمعتقلين الفلسطينيين، وهو كذلك رئيس منتدى العصرية الإبداعي - الكلية العصرية الجامعية، وقد تدرج في الصحافة المكتوبة من مراسل إلى محرر إلى رئيس تحرير، كما عمل في التلفزة الفلسطينية رئيساً للتحرير على مدى عشرين عاماً.