تبدأ الروائية الإيرلندية الرائعة - لا على صعيد الكتابة فحسب، بل ولمواقفها المشرفة، سالي روني - التي خرجت لنا قبل أيام في مهرجان أدبي لتدين الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزة روايتها العذبة "أيها العالم الجميل أين أنت" بهذا الاقتباس لنتاليا جينزبيرج "أكتب شيئًا ما، أفكِّر عادةً في أنَّه شديد الأهمِّيَّة، وأنَّني كاتبةٌ ممتازة. أظنُّ أنَّ الجميع يشعرون بذلك. لكن هناك ركنًا في رأسي أعرف فيه حقيقتي جيِّدًا؛ أنَّني صغيرة، كاتبةٌ ضئيلة الشأن. أنا متأكِّدة، لكن ذلك لا يهمُّني كثيرًا». وهي بذلك ترد على من اعتبرها كاتبة أدب تجاري رديء يحبه المراهقون. قد يكون ما تكتبه روني كذلك، لكنها لا تنكر على كتابتها إمكانية الضآلة وقلة الموهبة. أما رولان بارت الذي كتب في النقد الأدبي ما أصبح مرجعاً مهماً في نظريات الأدب فلقد عبر عن انزعاجه في أكثر من موضع في كتابه "يوميات الحداد" العظيم، والذي وثق فيه يومياته بعد وفاة والدته، قائلاً أرجو أن لا يظن أحد بأنني أرمي لكتابة عمل أدبي بهذا العمل رغم أدبيته العالية. كما يُعرف عن أهم الشعراء والكتاب والفنانين شكهم بأنفسهم وبموهبتهم، لقد دُمغت معظم أعمالهم بهذا الشك والريبة. لكن واحداً أطل علينا الأسبوع الماضي بقصيدة، وهو يظن بأنه الأفضل في كل شيء، إنه وبطبيعة الحال أغنى رجل في العالم "ايلون ماسك".
ومن صناعة السيارات والأقمار الاصطناعية وغيرها مروراً بشرائه منصة تويتر وتحويل اسمها الى منصة "اكس" وتصريحاته النازية بخصوص الفلسطينين والأقليات والمهمشين حول العالم، ها هو يتحفنا بكتابة الشعر. أليس سكوبيك كتب نقداً لقصيدة ماسك عبر مجلة current affairs . هذا الناقد الأدبي القدير الذي قال أن الشعر الرديء الذي راجعه في حياته لابد وأنه عقاب كوني على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها في حياته السابقة، لكنه لم يقرأ قصيدة كتلك التي كتبها ماسك الا في مناسبات نادرة. يصف رداءة القصيدة بأنها تسببت تقريبا في إيلامه جسدياً . يتفق ماسك بحسب سكوبيك مع جوردن بيترسون مثلاً، وآخرين نعرفهم، أفكرُ شخصياً أنه الأنسب ليتحمل كلفة حملة دونالد ترامب الانتخابية، تجمعهم بحسب سكوبيك الإشارة المستمرة لحاجة الناس الى التقاليد وللتسلسل الهرمي. هذا بالإضافة للتحيز الجنسي وكراهية النساء، وبحسب قصيدة ماسك هذه فإن غياب الدين وحلول ما أطلق عليه "الدين العلماني" تسبب في يأس الناس وحزنهم. يبدو أن العالم يقع بحسب ماسك بين فكيّ قرش واضحين بالنسبة إليه. وما عدا ذلك لا يمكن إلا أن يكون مهزلة. يدعو ماسك في أكثر من مناسبة لتحسين النسل عبر إنجاب الأذكياء. ألا تذكرنا هذه الفكرة بالليبرالية التقليدية أو الكلاسيكية في أولى أشكالها مع آدم سميث، التي بنيت على أساس التفاوت فيما ينبغي أن يكون عليه المجتمع والجماهير؟ هل يبدو أننا نتقدم فعلاً في عالم يحكمه ماسك وأمثاله بل ويُرهن أمره إليه؟
يذهب سكوبيك بعيداً في قراءة ايمان ماسك بالتسلسل الهرمي، فهو يعتقد بما يعرف ب"الإلهية الجديدة"، والتي تعتبر أن فكرة الدين غير صائبة، لكنها مهمة ومفيدة "لأنه سيحافظ على الغرب". ومع أننا نسأل يحافظ على الغرب من ماذا بالضبط؟ هل من "الشرق" الذي ينكل الأول به كل لحظة، أم من الرأسمالية التي تجعل رجلاً واحداً يمتلك أكثر من نصف ثروة العالم؟ . وبهذا فإن ماسك بحسب سكوبيك يؤطر نفسه كمنقذ للمسيحيين لانهم بديانتهم سيتصرفون بالطريقة التي يعتقد أنه يجب عليهم العمل وفقاً لها، مع أنه ليس مؤمناً على الإطلاق!
يكتب سكوبيك عن أن القصيدة "وعظية" أو "تعليمية" وهو بالضبط ما لا ينبغي أن تكوت عليه القصيدة. إن الشعر يقوم على الفن لا الحجة، فتأتي قصيدة ماسك كسلسلة من التصريحات المباشرة قال سكوبيك عن تركيبها : "إليك ما أعتقد/ إليك شيء ثان عما أعتقد/ وثالث. أنا ذكي جداً. يجب أن تفعلوا جميعاً ما أقوله."
لا يدرك ماسك ومن يشبهونه الخطر الذي يحدق بالعالم مع تصاعد حضور الحركات اليمينية المتطرفة التي يٌغذيها خطابهم بتنويعاته المختلفة، بداية من المنشورات الصغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وصولاً للقصائد ناهيك عن كونها تنزع عن الشعر عاطفيته وقدرته الهائلة على أن يخترع لغةً أخرى، نجترح من خلالها معانٍ غير معبر عنها، ولا يمكن الإفصاح عنها بغير الشعر. لا أقول بأن الشعر فن نخبوي لا يجب أن يكتبه كل الناس، بل أقول أن الغرور الذي يستم به ماسك هو علامة على خسارتنا للكثير، لا بسبب الموضوع الذي عبرت عنه القصيدة بل الأسلوب التي قيلت به كما أتفق مع سكوبيك.
قد ينكر بعض الناس أهمية هذه الممارسات في واقعنا اليوم، لكن هذا يعيدنا مرة أخرى لذلك الجدل الذي لطالما تحدثنا فيه حول أهمية الكلمة والكتابة والفكرة، في عالم لم تحركه سوى الأفكار طيلة تاريخه، الأفكار هي التي أفسحت العالم كما لو كان ملعباً لماسك وأمثاله، والأفكار هي من تكرسه، وهي من ستغيره كذلك.
ومن صناعة السيارات والأقمار الاصطناعية وغيرها مروراً بشرائه منصة تويتر وتحويل اسمها الى منصة "اكس" وتصريحاته النازية بخصوص الفلسطينين والأقليات والمهمشين حول العالم، ها هو يتحفنا بكتابة الشعر. أليس سكوبيك كتب نقداً لقصيدة ماسك عبر مجلة current affairs . هذا الناقد الأدبي القدير الذي قال أن الشعر الرديء الذي راجعه في حياته لابد وأنه عقاب كوني على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها في حياته السابقة، لكنه لم يقرأ قصيدة كتلك التي كتبها ماسك الا في مناسبات نادرة. يصف رداءة القصيدة بأنها تسببت تقريبا في إيلامه جسدياً . يتفق ماسك بحسب سكوبيك مع جوردن بيترسون مثلاً، وآخرين نعرفهم، أفكرُ شخصياً أنه الأنسب ليتحمل كلفة حملة دونالد ترامب الانتخابية، تجمعهم بحسب سكوبيك الإشارة المستمرة لحاجة الناس الى التقاليد وللتسلسل الهرمي. هذا بالإضافة للتحيز الجنسي وكراهية النساء، وبحسب قصيدة ماسك هذه فإن غياب الدين وحلول ما أطلق عليه "الدين العلماني" تسبب في يأس الناس وحزنهم. يبدو أن العالم يقع بحسب ماسك بين فكيّ قرش واضحين بالنسبة إليه. وما عدا ذلك لا يمكن إلا أن يكون مهزلة. يدعو ماسك في أكثر من مناسبة لتحسين النسل عبر إنجاب الأذكياء. ألا تذكرنا هذه الفكرة بالليبرالية التقليدية أو الكلاسيكية في أولى أشكالها مع آدم سميث، التي بنيت على أساس التفاوت فيما ينبغي أن يكون عليه المجتمع والجماهير؟ هل يبدو أننا نتقدم فعلاً في عالم يحكمه ماسك وأمثاله بل ويُرهن أمره إليه؟
يذهب سكوبيك بعيداً في قراءة ايمان ماسك بالتسلسل الهرمي، فهو يعتقد بما يعرف ب"الإلهية الجديدة"، والتي تعتبر أن فكرة الدين غير صائبة، لكنها مهمة ومفيدة "لأنه سيحافظ على الغرب". ومع أننا نسأل يحافظ على الغرب من ماذا بالضبط؟ هل من "الشرق" الذي ينكل الأول به كل لحظة، أم من الرأسمالية التي تجعل رجلاً واحداً يمتلك أكثر من نصف ثروة العالم؟ . وبهذا فإن ماسك بحسب سكوبيك يؤطر نفسه كمنقذ للمسيحيين لانهم بديانتهم سيتصرفون بالطريقة التي يعتقد أنه يجب عليهم العمل وفقاً لها، مع أنه ليس مؤمناً على الإطلاق!
يكتب سكوبيك عن أن القصيدة "وعظية" أو "تعليمية" وهو بالضبط ما لا ينبغي أن تكوت عليه القصيدة. إن الشعر يقوم على الفن لا الحجة، فتأتي قصيدة ماسك كسلسلة من التصريحات المباشرة قال سكوبيك عن تركيبها : "إليك ما أعتقد/ إليك شيء ثان عما أعتقد/ وثالث. أنا ذكي جداً. يجب أن تفعلوا جميعاً ما أقوله."
لا يدرك ماسك ومن يشبهونه الخطر الذي يحدق بالعالم مع تصاعد حضور الحركات اليمينية المتطرفة التي يٌغذيها خطابهم بتنويعاته المختلفة، بداية من المنشورات الصغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وصولاً للقصائد ناهيك عن كونها تنزع عن الشعر عاطفيته وقدرته الهائلة على أن يخترع لغةً أخرى، نجترح من خلالها معانٍ غير معبر عنها، ولا يمكن الإفصاح عنها بغير الشعر. لا أقول بأن الشعر فن نخبوي لا يجب أن يكتبه كل الناس، بل أقول أن الغرور الذي يستم به ماسك هو علامة على خسارتنا للكثير، لا بسبب الموضوع الذي عبرت عنه القصيدة بل الأسلوب التي قيلت به كما أتفق مع سكوبيك.
قد ينكر بعض الناس أهمية هذه الممارسات في واقعنا اليوم، لكن هذا يعيدنا مرة أخرى لذلك الجدل الذي لطالما تحدثنا فيه حول أهمية الكلمة والكتابة والفكرة، في عالم لم تحركه سوى الأفكار طيلة تاريخه، الأفكار هي التي أفسحت العالم كما لو كان ملعباً لماسك وأمثاله، والأفكار هي من تكرسه، وهي من ستغيره كذلك.