بعد أن فشلت عصبة الأمم، التي أنشئت في ١٠ يناير ١٩٢٠م بعد الحرب العالمية الأولى، في تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله، والمتمثل في قيامها بمنع الحروب والحد من انتشار الأسلحة في العالم. لذا، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اجتمع في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ ٢٥ إبريل ١٩٤٥م ممثلي ٥٠ دولة، حيث عقدوا مؤتمراً لصياغة ميثاق الأمم المتحدة، والذي اعتمد في ٢٦ يونيو ١٩٤٥م ودخل حيز التنفيذ في ٢٤ أكتوبر ١٩٤٥م. حيث بينت المادة (١) منه، أن أهم مقاصد هذه الهيئة يتمثل في حفظ السلم والأمن الدوليين، من خلال اتخاذ تدابير مشتركة فعالة لمنع وقوع ما من شأنه تهديد الأمن والسلم الدوليين من أعمال عدوان وغيرها، إضافة إلى إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس الإحترام والمساواة، بالإضافة إلى تعزيز واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومبادئ العدل والقانون الدولي. وقد بلغ عدد الدول الاعضاء عند تأسيس المنظمة ٥١ دولة.

ومع إنضمام جنوب السودان عام ٢٠١١م أصبح عدد الدول الاعضاء في المنظمة ١٩٣ دولة، يمثلون تقريباً جميع الدول ذات السيادة في العالم. وتتكون هيئة الأمم المتحدة من ٦ أجهزة رئيسية يأتي على رأسها، الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، و١٥ وكالة متخصصة، منها على سبيل المثال لا الحصر: منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) ومنظمة الطيران المدني الدولي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للملكية الفكرية والبنك الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها، بالإضافة إلى العديد من المنظمات الفرعية.

وتعد الولايات المتحدة أكبر المساهمين في الموازنة الطوعية للدول الأعضاء في المنظمة بنسبة ٢٢٪؜ من هذه الموازنة. ومع مرور السنوات والأحداث، وبسبب نظام المنظمة، الذي أعطى الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية فقط الحق في الإعتراض على أي قرار يصدره مجلس الأمن (الفيتو)، وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين (دول الحلفاء)، انحرفت الأمم المتحدة وتحديداً مجلس الأمن عن أبرز مقاصد إنشائها. وأصبحت تتعامل مع أخطر القضايا الدولية وفق مصالحها الضيقة وبسياسة الكيل بمكيالين. حيث تم إستخدام حق النقض "الفيتو" أكثر من ٣٠٠ مرة، أغلبها ضد الإرادة الدولية ولنصرة حلفائها، ولو كان على حساب إحقاق الحق وحفظ الأمن والسلم الدوليين، وخير مثال على ذلك قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإستخدام حق النقض "الفيتو" ضد عدة مشروعات قرارات بمجلس الأمن تطالب بوقف "فوري" لإطلاق النار في غزة، مما شجع الكيان الصهيوني على إرتكاب مجازره في غزة بقتل أكثر من ٤١ الف فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء، وإصابة ما يقارب ١٠٠ الف فلسطيني، أغلبهم يعانون من جراحات خطرة، إضافة إلى تدمير البنية التحتية، وكل ما له علاقة بالحياة تقريباً، بخرق متعمد للقانون الدولي الإنساني والأعراف والشرائع الدولية وكل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية. فلم تتعرض هيئة الأمم المتحدة لإهانات في تاريخها الذي يقارب الثمانون عام، كما تعرضت له في الأشهر الأخيرة من قبل قيادات ومسؤولين الكيان الصهيوني المارق. فمن قيام مندوب الكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، في مايو الماضي، بكيل الشتائم وتمزيق ميثاق الأمم المتحدة، والذي يعد بمثابة دستور المنظمة، أمام الجمعية العامة، وعلى مرأى العالم أجمع، على أثر قرار الجمعية الذي حظى بموافقة ١٤٣ عضواً، بدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة مع توصية لمجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب وتحديد طرقاً لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين بالأمم المتحدة، إلى قيام رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو أمام الجمعية العامة في سبتمبر الماضي بإلقاء كلمة، حملت الكثير من التهديدات والاستفزازات، مروراً بازدراء مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، ونهايةً، بإهانة الأمم المتحدة نفسها من على منبرها، إلى إعلان وزير خارجية الكيان، يسرائيل كاتس قبل عدة أيام، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -رئيس الدبلوماسية الدولية- شخص غير مرغوب فيه بإسرائيل، مما يعني فعلياً منعه من دخول البلاد، في سابقة تاريخية، تدلل على أخلاق مسؤولي "الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".

بعد هذه المشاهد المقززة، ووقوف الولايات المتحدة ومشرعيها وصانعي القرار في العواصم الغربية الفاعلة مع كل مايقوم به الكيان الصهيوني من مجازر وجرائم، والتبرير الدائم لأفعاله واعتباره فوق القانون. أعتقد أن الكيان الصهيوني باستخفافه العلني، وبأفعاله هذه وبدعم هذه الدول اللامتناهي لهذا الكيان، أطلقت رصاصة الرحمة على الأمم المتحدة وعلى ما يسمى الشرعية الدولية، وارجعت العالم إلى ما يعرف بشريعة الغاب، بنسفها لكل الجهود التي قامت بها دول العالم أجمع على مدار عقود من العمل المضني على الساحة الدولية، بهدف إقامة العدل وتطبيق القانون الدولي، والسعي لتحقيق مقاصد الأمم المتحدة، التي نص عليها نظامها -دستورها-، وأصبح إصلاح الأمم المتحدة وتحديداً مجلس الأمن هدفاً لا مناص عنه، إذا أردنا لهذا العالم الأمن والسلام والعدل والمساواة.

• خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية