في الوقت الذي تتراكم فيه المشكلات والخلافات بين دول المنطقة وشعوبعها على نحو غير مسبوق وبشكل يبعث على المزيد من القلق حيال مستقبل العلاقات فيما بينها، خاصة وان دول الشرق الاوسط هي دول يجمع بينها علاقات ووشائج خاصة من ابرز سماتها التاريخ المشترك والترابط العضوى واللغة والآمال والمصالح المشتركة والمتبادلة على امتداد التاريخ وما ترتب على ذلك من نشوء وتولد مشاعر التقارب والترابط بين الشعوب والتي بلغت شعاراتها التي انتشرت في معظمها حد الدعوة للوحدة فيما بينها ومحاولة ايقاظ علاقات الماضي فيما بينها برغم أية مشكلات حقيقية أو مصطنعة تنشأ أو تتضخم لأسباب وهمية أو مصنوعة عادة.

واذا كانت الأرض او الاقليم هي التي تجسد الأرض التي تحدد اقليم الدولة وحدودها ـ ومن ثم تتحدد سيادتها وعلاقاتها مع جيرانها في ضوئها الى حد كبير وليس من الروابط المتبادلة وما قد تشهده من تقلبات بدوافع مختلفة ظاهرة حينا أو مستترة في كثير من الأحيان، وعادة ما تدخل المطامع والموارد المتاحة في اقليم الدولة او ارضها ضمن حسابات الموارد المحتملة على هذا الجانب او ذاك والامثلة في هذا المجال عديدة ومتنوعة وحديثة ومعروفة ايضا كذلك. ومنها نماذج وأمثلة معروفة على الصعيد العربي وبين الأشقاء مثل تلك اطماع ما في اراضي او موارد معروفة او محتملة وما يترتب على ذلك من تحريك الاطماع او التطلعات لصالح طرف وضد مصالح الطرف الآخر. ويصاحب ذلك في العادة جدل كبير ومتصل وكثيرا ما يتم اللجوء الى القانون والقضاء الدولي او التحكيم للفصل في المنازعات او اللجوء الى طرق ترتضيها الاطراف المعنية للتغلب على المشكلات ولبناء علاقات طيبة يرغب فيها الطرفان ولبناء علاقات افضل لصالح الدولتين والشعبين المتنازعين في المستقبل خاصة اذا تمتعت القيادات ببعد النظر وادراك اهمية وقيمة الحفاظ على علاقات طيبة بينهما ايضا. جدير بالذكر ان الدول عرفت طرقا عديدة لكسب اراض او اقليم او جزء من اقليم دولة اخرى وضمه الى اراضيها ومن هذه الطرق البيع والشراء في صفقات يتم الاتفاق على شروطها بين الطرفين المعنيين ويدخل في ذلك عوامل عديدة ومؤثرة في حالة ابرام الاتفاق او التراجع عنه اذا حدث ذلك لسبب أو لآخر، ومنها ايضا الضم بالاحتلال او بالتنازل الرضائي وكان ذلك يتم في الماضي في حالات تخطيط الحدود او المصاهرة بين الاسر الحاكمة او الدخول في علاقات اتحادية بين دولتين او أكثر او بالاستفتاء الشعبي في الدول المعنية وباختصار شديد فان الدول تعتز عادة بأراضيها ايا كانت الدولة واهميتها وبغض النظر عن طبيعتها او وصفها باعتبارها الوعاء الذي يحتوى ويضم ارض الدولة الذي تتحدد في نطاقه سيادتها وحدودها مع الدول الاخرى ومن هنا يكتسب اقليم الدولة اهمية بالغة وتحاط اجراءات التعامل عليه بضمانات عديدة ومشددة باعتباره حقا لللأجيال القادمة .

من جانب آخر فإنه من المعروف ان المواثيق الدولية للمنظمات الدولية والاقليمية أخذت بمبدأ تحريم ضم اراضي الدول الاخرى بالقوة المسلحة كما حرمت استخدام القوة او التهديد بها لْضم اراضي الغير او التلويح بها لضم اراضي دول اخرى بغير التراضي فيما بينها. أما الدول والقوى الدولية التي تؤيد استخدام القوة في العلاقات الدولية وممارسة البلطجة الدولية كإسرائيل وهي دولة خارجة على القانون والشرعية الدولية فإنها من اكثر الدول تأييدا لاستخدام القوة في العلاقات الدولية وفي اغتصاب اراضي الدول الاخرى والاعتداء عليها طالما استطاعت ذلك وما يجري ضد الفلسطينيين وضد لبنان مجرد نماذج محملة بالكثير من الدلالات وفي انتهاك واضح للقانون والشرعية الدولة وفي تحد سافر للأمم المتحدة ولأمينها العام جوتيريش في الأيام الأخيرة وقبل ذلك تحدي محكمة العدل الدولية والاونروا و اليونسكو وغيرها .. وتجدر الاشارة الى انه ليس مصادفة ان يكون رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو اكثر من استخدم الخرائط امام الامم المتحدة للدعوة الى تغييرالحدود نظرا لأنه يعارض السلام في الشرق الاوسط والحدود القائمة بين دول المنطقة كما انه لا يعارض فقط انشاء دولة فلسطينية في اطار حل الدولتين، ولكنه يدعو كذلك الى تغيير الحدود القائمة بدعوى تحقيق أمن دولة اسرائيل، ويسعى الى فرض حدود جديدة بشكل او بآخر وهو ما سيثير العديد من المشكلات مع اكثر من دولة في المنطقة وفي هذا الاطار فانه يمكن الاشارة الى عدد من الجوانب لعل من أهمها اولا، ان الاحتجاج الاسرائيلي بحجة البحث عن الامن وتحقيق أمن اسرائيل هو احتجاج زائف ليس فقط لأن الامن بمفهومه العام هو علاقة متوازنة بين طرفين او أكثر من ناحية وان اكثر ضماناته قوة واستقرارا ان يكون مستندا الى الثقة المتبادلة بين الأطراف المعنية في الظروف المختلفة من ناحية ثانية، واذا كان من المعروف ان اسرائيل التي انشئت بموجب قرار تقسيم فلسطين في اكتوبر 1947 لم تحدد حدودها الدولية حتى الآن ولا تريد هي تحديد تلك الحدود مثلها مثل معظم دول العالم لكي تلتزم بها في اطار معاهدات واتفاقيات ملزمة، فإن مما له دلالة في هذا المجال ان رئيس وزراء اسرائيل تحدث اكثر من مرة عن ضرورة تغيير الحدود بين لبنان واسرائىل واكد على أن جغرافية الشرق الاوسط ستتغير عما هي عليه الآن واذا كانت اسرائيل تملك من القوة ما يمكنها من فرض ما تراه من تغيرات على الحدود مع لبنان وربما مع اطراف اخرى في المنطقة فان ذلك سيفتح بالضرورة ابوابا واسعة للخلافات والحروب وعدم الاستقرار بين دول المنطقة في الحاضر والمستقبل بكل ما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج وقد بدأت بعض نذر ذلك في الظهور مؤخرا وهو امر قابل للتدهور والتطور للأسوأ اذا استمرت حكومة اليمين المتطرفة في اسرائيل وعلى الدول المجاورة لها والتي تجد في الحرب والاعتداء على الدول المجاوزة لها غاية يمكن من خلالها التوسع على حساب اراضي وسلامة وامن تلك الدول .

ثانيا، انه ليس من المبالغة القول بأن النظام الدولي الراهن يمر في الواقع بمرحلة من الضعف تتجسد ليس فقط في تعدد وتنوع المشكلات التي يعاني منها والحروب التي تفرضها العديد من الدول بحجة امتلاكها السيادة والقدرة على شن الحروب بزعم حماية مصالحها، ويكفي نظرة سريعة الى الساحة الدولية وما تعانيه من مواجهات بين الدول بحجج واهية لا تحقق أمنا ولا تفرض سيادة ولا ترسخ استقرارا في مناطق العالم المختلفة، بل على العكس تؤدي المواجهات الى انتشار سباق التسلح بين الدول والى انتشار وسائل جديدة اكثر تطورا وتعقيدا وزيادة لخسائر الحروب اكثر من اي وقت مضي خاصة بعد النجاح في توظيف الوسائل التقنية في الحروب وبشكل مخيف – تفجيرات البيجر في المواجهة بين ايران واسرائيل وربما هناك ما يمكن طرحه واستخدامة في الجولة التي قد تندلع بين الدولتين ربما خلال ايام ومن شأن ذلك ان يجعل العالم مكانا أقل أمنا واكثرخطورة اكثر مما سبق كما ان انتشارالحروب يؤثر بالسلب على حياة ونمط معيشة الشعوب وما تعانيه من مشكلات اكثر حدة وخطورة بما لا يقارن مع أي وقت مضى. وبدلا من ان يوظف العالم تقدمه العلمي والتقني لبناء حياة جديدة ومفيدة للبشرية فانه يوظف تقدمه للإضرار بحياة ومستقبل الانسان بكل ما يترتب على ذلك من مخاطر تلامس التهديد النووي المباشر وغير المباشر. جدير بالذكر ان الضعف الملموس للمنظمات الدولية والاقليمية وازدياد ضعف المنظمات الاقليمية والدولية مقارنة بما كانت تقوم به تلك المنظمات من قبل اضعف جوانب هامة ومؤثرة للدور الذي كان منوطا بها ومعلقا على الشرعية والمواثيق الدولية ومن ثم زاد من قوة الدولة وقدرتها على تحقيق ما تعتبره مصالح حيوية لها وتجرؤها على مبادئ القانون والشرعية الدولية الى الحد الذي تضاءل فيه دور المنظمات الدولية بشكل تجسد قبل أيام على سبيل المثال في منع الامين العام لأمم المتحدة جوتيريش من دخول اسرائيل على حد قول وزير خارجية اسرائيل لان جوتيرش لم يبادرالى انتقاد القصف الايراني لاسرائيل بعد اغتيالها حسن نصرالله ومن قبله اسماعيل هنية وهو ما توعدت اسرائيل بالرد عليه ووعدت ايران برد اقوى من الهجوم السابق مما قد يفتح المجال لحرب اقليمية تزعم اسرائيل وايران وكثير من الاطراف انها لاتريدها ولا تتمناها رغم ان سلوكياتها تدفع نحوها بشكل سافر الى حد بعيد بدافع الاطماع في اراضي وموارد الدول الاخرى وربما لاختلال موازين القوى بين الدول المعنية والشعوب هى التي تدفع الثمن في النهاية .