أعاد الهجوم التاريخي الإيراني على إسرائيل مساء الثلاثاء بناء الروح المعنوية بين فصائل المقاومة، وبشكل أساسي داخل حزب الله الذي اعتقد الكثيرون وفي مقدمتهم إسرائيل، أنه بات ضعيفا في أعقاب الضربات الموجعة التي تلقاها خلال الأسبوعين الماضيين وبشكل خاص بعد تأثر أكثر من 4 آلاف من أعضائه بحادث تفجير «أجهزة الاتصال» واغتيال أمينه العام حسن نصر الله ومجموعة كبيرة من كبار القياديين العسكريين داخل الحزب.
ولا جدال على أن تلك الضربات كانت موجعة جدا للحزب باعتراف الأمين العام الراحل في آخر خطاب له، ولكن يبدو أن الهجوم الإيراني ساهم في ترميم حالة الانكسار التي عاشتها المقاومة خلال الأيام الماضية وأنعش آمالها كثيرا.
واليوم شهدت جبهة القتال في جنوب لبنان مقاومة شرسة جدا ضد توغلات جيش الاحتلال في الجنوب، ونفذت المقاومة كمينا محكما راح ضحيته 8 إسرائيليين بينهم ثلاثة ضباط إضافة إلى أكثر من 35 جريحا جراح بعضهم خطيرة.
والواضح أن إسرائيل المنتشية بانتصاراتها المؤقتة ستواجه مقاومة عنيفة جدا ونوعية في جنوب لبنان، الأمر الذي قد يجعلها تعيد التفكير ألف مرة في موضوع الاجتياح البري وكذلك استمرار حملتها العسكرية على لبنان.
لكن المقاومة اللبنانية ليست وحدها التي باتت تقلق إسرائيل، إنها إيران أيضا التي تحرم القادة العسكريين في إسرائيل من النوم، وتجعلها تفكر الآن كثيرا قبل أن تقدم على الرد عسكريا على الهجوم الإيراني الذي اعتبره الكثير من المحللين اليوم أنه أحرج إسرائيل وأحرج أمريكا نفسها وعقّد خياراتها كثيرا خاصة أنها بعد شهر واحد فقط على موعد مع انتخابات صعبة.
تحاول أمريكا تجنب التورط المباشر في المنطقة لكنها في الوقت نفسه ملتزمة بحماية إسرائيل من أي اعتداء، وقالت بشكل واضح أنها شاركت في ضد الهجوم على إيران.. لكن إسرائيل لا تفكر كثيرا في الموقف الأمريكي، إنها مهتمة بخياراتها وحدها أو بالتحديد بالخيارات التي يرسمها رئيس وزرائها المهتم فقط بمستقبله السياسي ولذلك يقحم إسرائيل وأمريكا في تحديات كبيرة وفي جبهات مواجهة كثيرة.
اعتقد نتنياهو أن توجيه ضربات قاتلة لحزب الله من شأنه أن ينهي النفوذ الإيراني ولكن الهجوم الذي حصل مساء الثلاثاء عزز النفوذ الإيراني في المنطقة إلى درجة قد لا تستطيع إسرائيل نفسها أن توقفه. وتعرف إيران جيدا كل التعقيدات التي تحيط بالقرار السياسي الدولي في هذه اللحظة، وتعرف أيضا الضغوطات الدولية التي تتعرض لها إسرائيل من أجل وقف حربها على لبنان بشكل خاص، ووظفت كل هذه القراءة السياسية لخدمة ردها الذي جاء أكبر بكثير مما توقعت إسرائيل ومما توقعت أمريكا أيضا، بل إنه جاء في لحظة اعتقد الجميع أنها لن تأتي.
لا شك أن إسرائيل تفكر جيدا الآن كيف يمكن أن ترد على إيران، وأين يمكن أن تكون نقطة الضعف التي يمكن أن تلحق بها خسائر كبيرة.. وتفكيرها كما يرى الكثير من المحللين الذين أكثروا الحديث اليوم يتجه إلى البرنامج النووي الإيراني.. وهذا بالنسبة لإيران خط أحمر قد يتسبب مجرد الاقتراب منه في هذه اللحظة من تاريخ المشروع إلى إشعال حرب كاملة الأركان بين البلدين، حتى لو كان تفكير إسرائيل ينحصر في مجرد إلحاق الأذى وليس التدمير الكامل للمشروع.
والواضح أن إسرائيل أدخلت نفسها في تعقيدات كبيرة جدا، وفي أوحال ستكبدها الكثير من الخسائر التي لا تستطيع تحملها بحكم وضعها وتركيبتها الداخلية وفلسفة وجودها.
إن مستقبل الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على كيفية تعامل القوى الكبرى مع هذه التحديات المعقدة التي باتت أكثر وضوحا، وسيعتمد ذلك على مدى قدرة تلك الأنظمة على إيجاد حلول سلمية تعيد الطمأنينة إلى شعوب المنطقة المنكوبة بالحروب.. لكن هذا المسار يبدو صعب المنال فيما يبدو مسار المواجهة العسكرية الشاملة أكثر وضوحا مع الأسف الشديد.