أصدرت وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 قبل أيام تقريرها السنوي (2023-2024) الذي أوضح مستوى الإنجاز في عدة مستهدفات الرؤية، بفضل العمل الدؤوب المبذول من مختلف الجهات الحكومية لمواصلة رحلة تحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040. ما يميّز التقرير السنوي لهذا العام أنه تضمّن إحراز تقدم كبير في المستهدفات الاستراتيجية للرؤية؛ الأمر الذي انعكس إيجابا على مؤشرات سلطنة عُمان الصادرة عن المؤسسات الدولية مثل التصنيف الائتماني الذي شهد نقلة كبيرة منذ 7 سنوات ليصل إلى الدرجة الائتمانية الاستثمارية BBB- مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يؤكد نجاح البرامج الوطنية للتوازن المالي والاستدامة المالية التي أطلقتها الحكومة لوضع معالجات عاجلة ومستدامة للمالية العامة للدولة عام 2020.

إن تحقيق هذا المنجز الوطني؛ ليعكس حجم الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة لعودة البوصلة إلى مسارها الصحيح والطبيعي لتكون سلطنة عُمان وجهة استثمارية واعدة لمختلف الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما سيزيد وتيرة استقطاب رؤوس الأموال. إن ما تضمّنه التقرير السنوي لرؤية عُمان 2040 استبشر على إثره الرأي العام كثيرا؛ بسبب تحسّن مؤشرات سلطنة عُمان في مؤشر الأداء البيئي العالمي 95 مرتبة لتصل إلى 49 عالميا مدعوما بالاستثمارات الضخمة في قطاع الهيدروجين الأخضر الذي بات حديث المستثمرين العالميين خلال السنوات الماضية، وتتسارع جهود الدول لتهيئة البنى الأساسية الداعمة لقطاع الهيدروجين الأخضر؛ بهدف تعظيم الاستفادة من هذا القطاع الحيوي المهم الواعد اقتصاديا واستثماريا.

وفي مجال الحماية الاجتماعية ورعايتها واستدامتها، أطلقت الحكومة منظومة اجتماعية متكاملة تشمل جميع المواطنين وتحميهم من بعض الإجراءات المالية التي كانت ضرورية لاستدامة الوضع المالي واستقراره، فأصبح لكل مواطن دخل ثابت شهريا عبر صرف منافع كبار السن والأطفال ودعم دخل الأسرة والأمان الوظيفي والأيتام والأرامل ومنفعة الطلبة الجامعيين لطلبة الابتعاث الداخلي المستحقين، إضافة إلى قرب صرف منفعة ذوي الإعاقة التي ستعزز من دخل الأسر ورفاهيتها.

إن مسارات رؤية عُمان أصبحت مبشرة بعد التقدم الملحوظ في المؤشرات الاستراتيجية لرؤية عُمان 2040، ومن المتوقع أن تشهد المؤشرات الأخرى تحسنا على غرار مؤشرات المستهدفات التي تضمنها التقرير السنوي مثل التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان الصادرة عن وكالات التصنيف الائتماني فيتش وموديز خلال الأشهر المقبلة، أيضا من المتوقع أن يشهد مؤشر سلطنة عُمان في الحكومة الإلكترونية ارتفاعا بفضل الجهود التي تبذلها وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في التحول الرقمي منذ إطلاق البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، إضافة إلى جهود الجهات الحكومية الأخرى في أتمتة إنجاز المعاملات مثل وزارة الإعلام ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني ووزارة العمل والمجلس الأعلى للقضاء، إن ما يدعو للفخر والإشادة هو التطوّر الكبير الذي شهدته المالية العامة للدولة منذ إطلاق رؤية عُمان 2040؛ حيث يشهد الناتج المحلي الإجمالي نموًّا بمعدل 1.3% سنويا، وسيشهد ارتفاعا مع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بالمساهمة بنسبة أكبر مقارنة بالسابق بفضل تنمية القطاعات المرتبطة بها أبرزها التعدين والسياحة واللوجستيات والصناعات التحويلية. ورغم تعرّض العالم لأزمة مالية قاسية قبل سنتين أربكت المساعي المالية الإصلاحية، إلا أن سلطنة عُمان بفضل جهود المخلصين وسياساتها المالية الفاعلة استطاعت تحقيق فوائض مالية من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2% خلال عامي 2023 و2024 علما بأن المستهدف 3% في 2030، أي أنها حققت نحو 73% من المستهدف قبل 6 أعوام، أما مؤشر الدين العام للدولة، فإن الأرقام تشير إلى اقترابه من المستويات الآمنة مسجلا 35% إلى الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان يمثل أكثر من 70% قبل إطلاق خطة التوازن المالي عام 2020؛ منحفضا 50% عن المقدر حينها؛ حيث ارتفع إلى 20.4 مليار في ذروته وانخفض الآن إلى 14.4 مليار مع توسّع الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان وزيادة حجمه خلال الثلاث سنوات ونصف الماضية.

إن العمل الناجز الذي تقوم به جميع الجهات الحكومية منذ إطلاق رؤية عُمان 2040، ساعد كثيرا في تحسّن المؤشرات الاستراتيجية الداعمة لمستهدفات الرؤية من بينها تحقيق الجدارة الاستثمارية في التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان وفقا لتصنيف وكالة ستاندرد آند بورز، وسيكون بمثابة الأساس المتين لمواصلة رحلة البناء لمستقبل مشرق لعُمان ومن يعيش عليها، وستكون محط أنظار المستثمرين من جميع أنحاء العالم، وما تشهده الاكتتابات التي تطلقها الشركات الحكومية التابعة لجهاز الاستثمار من إقبال كبير، لهو خير دليل على جاذبية الاقتصاد وجهود الاستقرار المالي والاقتصادي الذي تتميز به سلطنة عُمان؛ فالعمل الدؤوب يؤدي إلى نتائج إيجابية ومبشّرة وهذا ما نتلمّسه من جهود كبيرة وعمل مضني يحقق التطلعات الآمال بفضل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله-

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي