(1)

ليس في مقدور الليل أن يكون قدوة لكل أحد (ما دام الليل يفترس الجميع).

(2)

هذا سؤال ميثاقيٌّ بين أنا وأنا (فحسب): أصبح الموت بعيداً مثل النَّجمات اللائي يتقافزن وينبثقن بسرعةٍ تكاثريَّة، واحدة بعد أخريات، وأنا مستلقٍ على ظهري، على "السَّجم"، مُصَوِّباً ضوء المصباح الكهربائي المحمول (كنا نسميه: "البجلي") نحو السَّماء كي أحسب عدد النُّجوم. اختفت النَّجمات واحدة تلو الأخرى.

والآن، أمسى الهلاك أدنى، غارَ الماء أبعد، لم تعد هناك سماء، غدت الكتابة أصعب، صارت الأصابع قصيرة، بات الليل أطول، فماذا أنت فاعل؟

(3)

في الشَّهقة التي تطردها الكلمات، في كتابة لا ترجوني بل تنتظر المواسم، في الجوع نافراً من القلب، في عشاءٍ من ماءٍ يغلي وأحجار في القِدر (إن صحَّت الرِّواية)، في كل ذلك.

(4)

لا أحد على الجسر، ولا أوز في البحيرة، ولا ماء في المواسم (لذا لم تعد النُّزهة الأخيرة تحتمل المزيد من التَّسويف).

(5)

عندي حلقوم، ولديكم صيارفة، وعقود مغشوشة، )"والله خير الماكرين" سورة "الأنفال").

(6)

كلُّهم الوارد، بعيداً عن الأصابع، نأياً عن الأفئدة، قرب التَّدوين، وعند الشِّفاهة.

(7)

أدَّخرك ضياعاً في الشِّعر، والنَّثر، وكل ما لا أفقه.

أدَّخرك قبل اللَّعثمة، وبعد البحر.

(8)

لا يأخذني البحر إلى الماء، بل إلى المحبَرَة.

(9)

في وسعي أن أكون كهفاً آخر حين أكون في ظفار، في موسم الخريف.

(10)

يا هذا: لا ترجمني بتلك الحَجرة (هناك جبل كبير تدحرجنا منه).

(11)

لستَ واضحاً بما فيه الكفاية أيها الغريم، ولستَ واضحاً بما فيه العدل أيها القاتل.

(12)

الحُبُّ حاجة (وهذه هي الكارثة بالضبط).

(13)

الصَّباح نسيان (والنِّسيان مجرَّد اجتهادٍ آخر).

(14)

لغاية الآن -- حسب أفضل وأوثق ما لديَّ من معلومات -- لم تصدر موافقة الجهات العليا على وفاته.

(15)

أسلك الطريق، وأؤجِّل الحنجرة، وأربِّي الصمت، وأضيء النِّسيان.

(16)

--أ--

أستمسكُ بالطَّحالب، والآثام، والشِّعر، والغفران، وهوادج الفَرَاشات إلى البيت العتيق. لا أنا في وارد الاستخفاف بالشِّعر والروح، ولا أنا سأذهب إلى السَّدنة والمعابد، ولا أنا في حِلٍّ من مغفرة الاسم للاسم:

"لأمِّ القُرى حنَّت رِكابي وأمَّتِ

لأحظى بها من وجه ليلى بنظرةِ

سباني هواها فأتمرت بأمرها

ولولا هواها ما هَمَمتُ بزَورتي" )عبدالله بن محمد المعيني، من "القصيدة المكيَّة" أو "قصيدة الحج").

--ب--

"اسمي العبري هو أمشيل (Amschel)، وهو يشبه اسم جدِّي لأمِّي الذي توفي يوم كانت أمي في السادسة من عمرها. تتذكر أمي أن جدَّها كان رجلاً ذا لحية بيضاء، عالماً، ورعاً، وتتذكر كيف أمسكت بأصابع أقدام جثته وهي تتوسل إليه أن يسامحها عن أي أخطاء ارتكبتها بحقه" (كافكا، "اليوميات").

(17)

لا تُصَدِّقهُ، بل ثِق بما لا يقول، ولن يكذب عليك.

(18)

يجهشون في السَّاقية، ويهلكون بالتَّزكية.

(19)

في الحُبِّ، وفي الشِّعر، هذا كل ما أستطيع، وأريد العودة إلى التُّراب والبحر.

(20)

ليتهم كانوا بلا أفئدة (أولئك القَتَلَة).

(21)

س: من سيموت حين أذهب؟

ج: ألبوم الصُّور.

(22)

تأتي الفاكهة قبل النَّار، وتصير الفواكه الجحيم.

(23)

يتشاورون ويَستفتون على الحبال والخناجر.

(24)

لا أحد (هذا كلام غير دقيق ما دمت قد كتبت "لا أحد").

(25)

لستِ في الهودج، والحبُّ لا يمرُّ دوماً عبر الواحات.

(26)

ليس من أجل الخلود، بل لخاطر التَّذكُّر.

(27)

تمضي الزَّواحف نحو قانونٍ أقل، ويصرُّ الإنسان على تدوين ذلك.

(28)

يقيم الأب دوماً في البيت الوحيد الذي يسكن فيه ويعرف جيداً انه غير مرحبّ به فيه: بيته الذي لم تكن فيه قَط.

(29)

في تاريخ "العائلة المعروفة" أنت الوريث الوحيد، وأنت الأوحد الذي لا يحقُّ له الكلام، ولا يكف عن الألم.

(30)

يحاولون تشذيبه بما تبقى من حياد الإعصار وتشابك الأشجار (ونهداك أرنبان مذعوران عند ساقية الضُّحى، والخبز، والرِّيح).

(31)

كان كلما سمع أنين الجياع ظنَّ أنه نباح الكلاب التي في قصره. ولذلك كان الملك يرمي عظاماً من بقايا مائدته حتى صار الوطن شعباً تامَّاً من الكلاب كاملة النُّباح.

(32)

--أ--

"الخصائص أو السِّمات المميِّزة لعملي مستمدَّة، قبل أي شيء، من مشاهداتي للسِّينما لسنوات طويلة. لسنوات عديدة، شاهدت كل أنواع السِّينما من حولي وامتصصتُ واستوعبت كل ما وجدته ممتعاً ومثيراً للاهتمام. وعندما حاولت، لاحقاً، الكتابة وصناعة الأفلام، عادت كل هذه الأشياء إلى السَّطح، وأصبحت أسلوباً".

--ب--

"ليس بإمكاني فعلاً أن أخبرك عن مغزى اليد الحجريَّة التي سُحِبت خارج ميناء "سالونيكي" [في فيلمي "منظر طبيعي في السَّديم"]".

--ج--

حقاً، من غير ثيو أنغِلوبوس يمكن أن يُعرِّف "الأسلوب" ببراءة وثقة كما ورد في الاقتباسين أعلاه؟

(33)

"تاك تاك تاك" (النَّص)

"طَرْقٌ:

تاكْ تاكْ تاكْ تاكْ

تاكْ تاكْ تاكْ تاكْ

تاكْ تاكْ تاكْ تاكْ

تاكْ تاكْ تاكْ تاكْ

تـ

ا

كْ" (كيمبريدج، بريطانيا، 1985، من مجموعتي الشِّعريَّة "ليلميَّات").

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني