عمّان - العمانية: تنحدر الطريق من جبال السلط المكلّلة بالأشجار الحرجية على امتداد البصر، لتصل إلى بلدة «الفحيص» بطابعها الخاص الذي يتجلّى من خلال طرقاتها الضيقة المتعرجة والمشتبكة مع الطبيعة بنباتاتها وصخورها وترابها، وكذلك من خلال بيوتها الأثرية المتجاورة المبنية وفق طراز معماري يسمى «العقْد»، والتي تتسم بالأفنية الواسعة وكثرة الأقواس والقباب.

على طول الشارع المفضي للبلدة تنتشر الكنائس التاريخية القديمة لتقود في النهاية إلى البيوت القديمة التي رُمّمت قبل سنوات وأصبحت مواقعَ أثرية وُظّفت لاستخدامات جديدة، إذ يؤمّها الزوار الراغبون بالاطلاع على تراث الأجداد، والتعرف على نمط العمارة وطبيعة الحياة التي كانت شائعة فيما مضى.

ومن أبرز ما تضمّه البلدة مجمع من البيوت قام بترميمها التشكيلي الأردني خلدون الداود وأطلق عليها اسم «حارة الرواق»، وفي عام 1992 افتتح الداود فيها «مؤسسة رواق البلقاء» المعنية بنشر الثقافة الفنية، حيث التمازج بين القديم من خلال البيوت الأثرية وطرزها المعمارية القديمة، وبين الحديث من خلال الأعمال الفنية المعاصرة التي تتوزع على جدران الرواق.

وشهدت صالة العرض الرئيسة في الرواق -وهو عبارة عن بهو واسع ذي سقف مقبب، ببوابة مفتوحة ونوافذ واسعة تعلوها الأقواس عند المدخل- إقامة معارض لفنانين عرب وأجانب مثل: حسين بيكار، وبهجت عثمان، وألفرد حتمل، وجورج بهجوري، وفرغلي عبد الحفيظ، ويوسف عبدلكي، ومنى السعودي، وعلي طالب.

وشكلت تلك المعارض التي تُعقَد في العادة ندوات متخصصة حولها، ما يشبه ملتقى فنيا للمهتمين، لتبادل الخبرات والاطلاع على التجارب الفنية والتقنيات الحديثة في الفن، كما تمثل فرصة للفنانين العرب للاطلاع على تاريخ البلدة وقيمتها التاريخية والحضارة، وجماليات الطبيعة فيها، حيث أقام عدد من الفنانين في الرواق، وأنجزوا أعمالا مستوحاة من المكان وتاريخه والطبيعة فيه.

واستوعب الرواق عبر مبانيه المتعددة والمتشابكة معا، محاضرات وندوات ثقافية وفكرية، وأمسيات شعرية، وفعاليات موسيقية، وعروضا مسرحية، بالإضافة إلى عرض التحف والإبداعات الخزفية والكتب الفنية المتخصصة.

وتعزيزا لمشروعها، قامت مؤسسة الرواق بإصدار كتب فنية (كتالوجات) ملونة تُعرِّف بتجارب فنية وأدبية عربية وعالمية، مثل: جورج بهجوري، وفرغلي عبد الحفيظ، وسناء كيالي، وعماد حجاج، وأمجد ناصر. كما أنتجت المؤسسة أفلاما وثائقية، منها: «سيرة قرية» للمخرج معتز جانخوت، و«لص اللحظة» للمخرجة راما كيالي، إلى جانب تصوير لقاءات ثقافية مع العديد من الأدباء والفنانين مثل أدونيس وأنطوان كرباج.

ويجد الزائر لتجمُّع البيوت التي تشكل اليوم رواقَ البلقاء نفسه، ومنذ لحظة دخوله هذا الفضاء العتيق، محاطا بأجواء الفن والثقافة والأدب، يشعر بالسكينة التي هي طابع بلدة الفحيص الغافية بين أحضان الجبال بطمأنينة.