بعد أيام قليلة تكمل حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة عاما كاملا، ولا يبدو في الأفق أن هناك توجها عالميا حقيقيا يسعى لوقف هذه الحرب الظالمة، خاصة إذا ما تجاهلنا التصريحات الدعائية التي تخرج من البيت الأبيض أو من دول الاتحاد الأوروبي التي لا تنتمي للحقيقة الماثلة في الميدان أو تلك التي تدور في غرف صنع القرار العالمي. الحقيقة الوحيدة التي لا مراء فيها أن الشعب الفلسطيني يباد كل يوم على مسمع ومرأى العالم، وبتجاهل ليس من الساسة الغرب وحدهم ولكن من المؤسسات الإعلامية الغربية التي كانت على الدوام تدعي أنها تناصر حقوق الإنسان أو على أقل تقدير تلزم الحياد. والغريب أن مسرح الإبادة الذي رفع ستاره في غزة يبث على الهواء مباشرة، ويستطيع الجميع أن يرى التفاصيل أولا بأول، ولوعة بلوعة وألما بألم.

ورغم ذلك فإن الإعلام الغربي، مع الأسف الشديد، يقوم بدور تشويه الحقائق أو تجاهلها وبشكل ممنهج. فهناك من يقوم بتشويه الحقائق وتحريفها عن مسارها الصحيح فيما لا يزال البعض يتجاهل الحقائق ويحيل القراء أو المشاهدين إلى قضايا ثانوية يصر على التركيز عليها رغم أن الأحداث تجاوزتها منذ بدء المجازر في غزة.

وما زالت قلة من وسائل الإعلام الغربية تستخدم مصطلح «الإبادة الجماعية» عندما يتعلق الأمر بالجرائم الإسرائيلية ولكنها تسهب في وصف «فظائع» حماس عندما تتحدث عن أحداث يوم السابع من أكتوبر، وعندما يتعلق الأمر بعدد القتلى «الشهداء» الصادر عن وزارة الصحة في قطاع غزة لا تنسى وسائل الإعلام الغربية أن تلفت انتباه قرائها أن الوزارة «تتبع حماس» في تشكيك واضح في عدد القتلى.

ما زال الخطاب الإعلامي الغربي -في مجمله- لا يخدم إلا الأجندة الإسرائيلية، ويكشف بشكل جلي عن تواطؤ بعض وسائل الإعلام الغربية مع الكيان الصهيوني.

والواضح أن الإعلام الغربي الذي اختار دعم الكيان الإسرائيلي خائف من ردة الفعل الإسرائيلية ومن جماعات الضغط الصهيونية وإلا لا مبرر أن تتخلى هذه الوسائل الإعلامية عن دعم حقوق الإنسان على أقل تقدير، وأن تتخذ موقفا واضحا من رفض المذابح التي تحصل في غزة، ولا بأس أن تبقى رافضة ما حدث في يوم «طوفان الأقصى» هذا على الأقل يتناسق مع ما تدعيه من مواقف إنسانية! أما أن تتورط في خطاب إعلامي داعم لمجازر الكيان، وتنشر في بعض الأحيان تقارير ملفقة لدعم تلك الجرائم فهذا انخراط واضح في لعبة سياسية قديمة لدعم إسرائيل وتمكينها من الاستمرار في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني.

لا يمكن لأي وسيلة إعلامية حرة في العالم أن تتجاهل ما يحدث في غزة، على أقل تقدير أن تتجاهل المجازر والمذابح وتجويع الأطفال واستدراجهم لمصائد جماعية، فالوقوف ضد هذه الممارسات العدوانية لا يتنافى مع المواقف السياسية التي قد تؤمن بها بعض تلك الوسائل، رغم أن تفاصيل هذه الحرب قد نجحت في كشف حقيقة السرديات الإسرائيلية المتهافتة.

إنَّ استمرار الحرب، واستمرار بعض المواقف الدولية والمؤسساتية وكذلك الفردية تجاه المجازر المروعة التي تحدث في قطاع غزة ستبقى وصمة عار لا تنمحي من جبين هؤلاء.. وسيقول التاريخ يوما كلمته حول هذا التواطؤ والخذلان والصمت المخزي عن إهدار كرامة شعب عزيز بسلبه كل حقوقه وفي مقدمتها حق الكرامة.

وعلى العالم أن يستيقظ ويواجه هذه الحقائق بإنسانية قبل كل شيء؛ فقد سقطت كل الأعذار ولم يعد بالإمكان الاختباء خلف ستار «الحياد» أو التلاعب بالألفاظ. وكل يوم يمر دون فعل حقيقي لوقف المأساة الفلسطينية هو يوم جديد من المعاناة والقتل والإبادة لشعب أعزل يعيش تحت حصار لا إنساني.

إنَّ التحدي الأكبر اليوم يتمثل في كسر هذا الجمود والتحرك العالمي الجماعي لوقف الحرب والمعاناة، وهذا لا يمكن أن يحدث دون التحلي بالصدق، والإنسانية والشجاعة.. فلا يمكن لدولة أو مؤسسة أو فرد أن يدعي أنه يدعم السلام، ويدعم العدالة أن يتجاهل ما يحدث في غزة، لا يمكن لهؤلاء جميعًا أن يدعو ذلك بينما هم يتواطؤون إعلاميا وسياسيا مع إبادة شعب بأكمله.