(1)

أمواجه عاتية، وخضراء، وموجعة، هذا الجبل الأجرد.

(2)

مدينتنا لا تزال تبحث عن اللُّقطاء والسَّبايا.

(3)

كلُّ شاردة واردة. كلُّ قولٍ مذبحة. كلُّ مذبحة عقيدة. كلُّ عقيدة نحنُ. كلُّ «نحنُ» سراب ومقابر جماعيَّة خارج الذَّاكرة. كلُّ ذاكرة سراب. كلُّ سراب حبل. كلُّ دَلْوٍ رصاصة. كلُّ قصَّة لا نعرف فيها أحدًا غير البطل. كلُّ بداية سرد. كلُّ سردٍ خسارة.

(4)

تضيق به لواعج البركان، ولا تتكهَّن الرئة بالشِّريان، ولا بالملائكة.

(5)

سيعالجها في هذه الليلة أيضًا بآخر لوعة في الشَّفق الرَّمادي الذي لا يزال يخفرُ الجثمان. يريد التَّمكن من تلك البوَّابة في هذه الليلة بالضبط وبالذات (كل بوَّابة تفضي إلى سماء ناقصة).

(6)

كلُّهم في الوداع (وأنتِ وحدكِ في الفراق).

(7)

التَّبَطُّل أفضل مواهب الكابوس في الفعل (حين في الليالي الفائتات والقادمات، في الرُّكبة المطحونة والضِّلع المُهَشَّم، في الزَّند المأسور، في قُبلَةٍ تَهِمُّ من خارج المشهد، وحين تغرق الأمهات في الفناجين).

(8)

لا أحد

لا سماء تحت المخدَّة

لا نبيذ في الفواتير

لا شيء سوى مصنع كبير للذُّباب، وأقراص النوم، والسَّاعات المُنَبِّهة، وجِرار كبيرة وكثيرة فيها خلٌّ حاذقٌ وأرانب ميتة

لا أحد

لدى قدميكِ يتردَّد الاستغفار مثل ملاك أو خطيئة في طور الزَّغب

يَحِلُّ اليقين البوذيُّ على شبه الجزيرة

يطير الحمام نازفًا على أحلام سكَّان الإسكيمو

تذهب الحارات إلى الخَبَّاز

وتصبح آسيا أكثر القارَّات حزنًا

لا أحد.

(9)

يضيِّع عليَّ الاكتئابُ الحزن. أكابدُ الدِّبَبَة، والغربان، ومريم، والأفاعي، وكل ما كان، وكل ما سيتبقى.

(10)

تخلَّى عنه الأهل والأرحام (لا تتخلَّ عن خصومك والذين ليست الرَّحمة من سجاياهم).

(11)

في كل تمسيدة تَجُسُّك اللحود وينتابك الأديم، ولا تدري مقبرة الورود شيئًا عن الطُّعم والرَّائحة.

(12)

لا أحد يتذكر تلك السَّهرة المُتْخَمَة، وخمورها الوافرة، وعطورها الغزيرة، وسحرها الوافر المسموم (إلا أنتِ وأنا).

(13)

الكلام صنيعةٌ يوميَّة مُقَلَّدة (ينبغي وصفها بطريقة أفضل من هذه).

(14)

في مخزن المسدَّس المُزَوَّد بكاتمٍ للصوت رصاصة واحدة فقط (لكن ليس هذا زمن الاستعارات والكنايات).

(15)

ضيوفي في هذه الليلة ينتزعون الأحشاء، والبنفسج، والإسفنج.

(16)

سينام الإثم، ويحدث أقصى اليقظة في الآثام.

(17)

لا ينتظرون كي نلقي اللوم على الانتظار.

(18)

يحتربون في السَّرَّاء (وترقبهم الكواسر).

(19)

القبر ليس معنيّا بالموت، والموت مجرَّد قبرٍ آخر (لكن هذا لا يحدث إلا بعد إشعارات، وإشارات).

(20)

أيُّها الطِّفل البَكَّاء الخَشِن في ليلة العيد: هل تتذكرني؟ من سيقول الرواية؟

(21)

المجنون يَعرف ولا يَعرف (ولكنه يَضحك في كل الأحوال).

(22)

أيها العار: أنت على كتفيه بالإيجار.

(23)

الموجة لا تستقيم، والبحر ينتظر تَعُّوب الكحَّالي.

(24)

الغروب، حيث لا ينجو أحد من احتمالاتٍ كبيرة أو الكثير من المشقَّة.

(25)

كارثة جديدة: لم تعد التفاهة حكرًا على التافهين.

كارثة أكبر: صار لزامًا علينا أن نعبأ بالتَّافهين والذين لم يعودوا يعبؤون بالحكر.

(26)

قالت له الأم: انتظرني في السّرادق. هناك سترى ثلاث جثث.

يجيبُ الأم: وماذا أفعل بعد ذلك؟

(27)

ريشةٌ، نظرةٌ، لوعةٌ، حلقومٌ، والاكتئاب لا يهدهد الشَّمس.

(28)

البطش عاهة، ولم يعد الأب ولا الأرانب في وارد الجُحر أو الجزَر.

(29)

لا كُحْل للموت، لا صبر للصَّخرة.

(30)

لا أنفعُ، لا أُرْتَجَى، لا أنسدل، ابتسامتي متواضعة الانفراج على الفصول، ومغلقة مثل قلبكِ وقلبي، وكئيبة كما شِفاهنا.

(31)

لا تَجْثُ في المعبد أكثر مما تفعل ترتيلة نسيتها الصَّلاة القائمة.

(32)

لا أزال أحبكِ (لكن بخجل أكثر في هذه المرة، لدرجة الشَّك في المرَّة الأولى).

(33)

الكتابة: «وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون» (سورة يس). «تتعهَّد الكارثة كل شيء» (موريس بلانشو، «كتابة الكارثة»).

(34)

ينتابُ الشَّقيقُ الأبَ، وتصير الأمُّ أختًا أخرى (وهكذا دواليك).

(35)

أغفو في الضُّحى وأنتِ الصَّيف.

(36)

اطمئن أيها النهر: لا يوسف، ولا إخوته، ولا روزا لكسمبورغ، ولا المجدليَّة هنا.

(37)

ليتني تصورتكِ قبل أن أراك في مغادرة الصُّور (ليت حلم البارحة ما كان، وليتني ما غادرت المغارة).

(38)

يتوشحون بالخفافيش في الطَّريق، وفي الطَّريقة.

(39)

العالم يتكرر، لكن هناك ما هو أسوأ من ذلك بكثير: الأرض لا تزال تدور.

(40)

سأخشى عليهم مما كان قبل يوم أمس.

(41)

حيوانٌ مَنَوِيٌّ سخيف، واحدٌ فقط، يكمن خلف كل هذه الوحوش في الغابة، وفي أبراج المدينة.

(42)

أخذته الدُّودة، لم تُعِدْهُ الفَراشة، قتلته الفِراسة.

(43)

أسير نحوكِ إلى الفَلاة. أجِدُ خلفكِ فلاة وقصيدة بدويَّة أخرى، ولا أجدكِ.

(44)

أراكِ في الغيبوبة، وأسهو حين أفيق، ولا أنسى الصُّور.

(45)

يشيخُ، وفؤاده يُشَرِّبُ رأسه بالحليب، والحنين، والقبور البيضاء (عليه أيضًا ملاحظة أنه كلما استخدم مفردة «قبور» في النُّصوص ازداد امتعاض الأموات).

(46)

لا فانوس لدينا في هذا الملح، ولا ملح عندنا لهذا الجرح. لا طريق لهذا التَّذكُّر سوى المقبرة، ولا بد أن تمر الجنازة ببيتنا.

تصير الصَّلاة، وينبغي البحث عن قبر ضائع منذ حوالي خمسين عامًا من صراخ الليمون.

ما من قصص لدينا، ولا مكوس، أو كركم، ولا كؤوس خَلّ، ولا ورود معصورة من الجبل الأخضر تحت حطام الطَّائرة.

لا بأس في أن الحب قد خذلنا، ولا بأس في أننا لا نبحث عن يأس، أو سرير، أو تبرير.

لدينا عشبة ضريرة تنازع على جانب كل طريق «وحَسُنَ أولئك رفيقا»، سورة النِّساء.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني