يتحدث الناس كثيرا عن القلوب، وينيخون رحال ركابهم التي أعياها السير على مشارف هذه القلوب «الحاضرة الغائبة» وأصفها بهذا الوصف، لأنها أعضاء غير ملموسة، وبالتالي فهي غائبة، ولأنها تعقد عليها كل هذه الآمال فهي حاضرة، وبين هذا الحضور والغياب تعيش قصة إنسانية متسلسلة منذ ذلك الزمن البعيد، حيث النشأة الأولى، وإلى يومنا هذا، والحال لا يزال يراوح مكانه، ولا تزال الآمال منعقدة على أن تكون القلوب هي الملاذ الأخير لـ(تجاوز الزلات، التغاضي عن الأخطاء، غفران الذنوب، العفو عند المقدر،ة مسح الدموع الهاطلة من أثر الندم، اتساع الأحضان بعد طول غياب، ميلاد عمر جديد، بدأ مرحلة أكثر آمانا عما كان) وقس على ذلك أمثلة كثيرة، فالقلوب تتسع، ألم نقل لآخر: أنت قلبك كبير؟
من جميل ما قرأت: «قلوبنا كبيرة ولكن لا تستهينوا بحجم أخطائكم فالبحر لا يحمل السفينة إن ثقبت»- انتهى النص - حيث تلعب الضنية هنا دورا كبيرا، لأنه من الغباء أصلا أن يتوقع أحدنا أن مجموعة الأخطاء والمآسي التي يرتكبها في حق الآخرين سوف «تذروها الرياح» ومن اعتاد ألا يلمس إلا الصمت من أي طرف آخر يتعامل معه، فليس معنى ذلك أن الطرف الآخر يستنشق عطر المباهج، وهو يتلقى ضرباتنا القاسية بصمت، فكل تغريدة تكون خارج السرب -والسرب هنا المساحة الآمنة للتفاعل- هي بلا شك تقضي على الأخضر واليابس، وتوسع دائرة تخزين التحمل، ومعنى هذا أن الحالة معرضة للانفجار، ومتى يحصل الانفجار، فعلينا ألا نتفاجأ مما حدث، لأن مساحة التفاعل المتاحة بين الطرفين قد امتلأت بما فيه الكفاية، وحينها آن الأوان أن ترسو السفينة على رصيف الذكريات، فهذا يكفي، لأن في الخطوة التالية، لبناءات جديدة في العلاقة معناه انتحار.
عندما نشاهد حالة التشنج بين طرفين متنازعين، فإن ذلك يعبر عن كمية المخزون القاسي الذي تحمله القلوب «الكبيرة» وليست المسألة فقط مرتبطة بالحالة الصدامية تلك، والناتجة عن خطأ جسيم وقع في تلك اللحظة الزمنية، فالزمن بدوره يقوم بمعالجات نفسية كثيرة، حيث يستنجد دائما بصديقه «النسيان» والحالات النفسية تهدأ مع تحقق هذا النسيان وتسيده على الموقف حيث يأمل الجميع أن تكون «سحابة صيف» وهي الغطاء الذي يوفره طول الزمن، ولكن هذه المعالجات التي يقدمها الزمن مع أهميتها لن تستطيع أن تكون بديلا مطلقا لما تختزنه القلوب، ولذلك يتم استدعاء كل الأرصدة في لحظات النزاع الحرجة، ولعل الصدمة تصل ذروتها هنا، لأنه يتوقع كل طرف من الآخر، قلبه كبير، وأن ما حدث قد طواه الزمن، ولم يعد له أثر، والحقيقة أن الزمن معالج نفسي في بعده الأفقي، وهذا البعد الأفقي يسيرا تكونه، وإزالته في آن واحد، لكن ما تختزنه القلوب يلعب على الوتر العمودي، وهذا ليس بالأمر اليسير اقتلاعه، فاقتلاع الأعمدة يحدث كثيرا من التشققات الجانبية، ويؤثر بصورة مباشرة على كل الجوانب المحيطة، وبالتالي فالقلوب الكبيرة على الرغم من أهميتها في إيجاد مساحة للنور، إلا أن ما تختزنه - بناء على كبرها - يوجه دفتها في لحظات التصادم القاتلة حيث يتم استدعاء كامل الرصيد لتعزيز موقع الدفاع.
تحدث مغازلات كثيرة لاستمالة القلوب على أنها كبيرة، ولا يمكن أن تعصف بها الزلات الصغيرة، وينسى هؤلاء المغازلون أن الزلات الصغيرة لا تقف عند حد، بدءا من كلمة جارحة، غير محسوبة، أو موقف يراد منه «الفرفشة» وأحيانا حتى نظرة مصوبة تجاه حركة معينة، يجعل من اتساع القلوب ضيق وكدر، فلتهنأ القلوب الكبيرة إن استطاعت تجاوز معضلات حامليها.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
من جميل ما قرأت: «قلوبنا كبيرة ولكن لا تستهينوا بحجم أخطائكم فالبحر لا يحمل السفينة إن ثقبت»- انتهى النص - حيث تلعب الضنية هنا دورا كبيرا، لأنه من الغباء أصلا أن يتوقع أحدنا أن مجموعة الأخطاء والمآسي التي يرتكبها في حق الآخرين سوف «تذروها الرياح» ومن اعتاد ألا يلمس إلا الصمت من أي طرف آخر يتعامل معه، فليس معنى ذلك أن الطرف الآخر يستنشق عطر المباهج، وهو يتلقى ضرباتنا القاسية بصمت، فكل تغريدة تكون خارج السرب -والسرب هنا المساحة الآمنة للتفاعل- هي بلا شك تقضي على الأخضر واليابس، وتوسع دائرة تخزين التحمل، ومعنى هذا أن الحالة معرضة للانفجار، ومتى يحصل الانفجار، فعلينا ألا نتفاجأ مما حدث، لأن مساحة التفاعل المتاحة بين الطرفين قد امتلأت بما فيه الكفاية، وحينها آن الأوان أن ترسو السفينة على رصيف الذكريات، فهذا يكفي، لأن في الخطوة التالية، لبناءات جديدة في العلاقة معناه انتحار.
عندما نشاهد حالة التشنج بين طرفين متنازعين، فإن ذلك يعبر عن كمية المخزون القاسي الذي تحمله القلوب «الكبيرة» وليست المسألة فقط مرتبطة بالحالة الصدامية تلك، والناتجة عن خطأ جسيم وقع في تلك اللحظة الزمنية، فالزمن بدوره يقوم بمعالجات نفسية كثيرة، حيث يستنجد دائما بصديقه «النسيان» والحالات النفسية تهدأ مع تحقق هذا النسيان وتسيده على الموقف حيث يأمل الجميع أن تكون «سحابة صيف» وهي الغطاء الذي يوفره طول الزمن، ولكن هذه المعالجات التي يقدمها الزمن مع أهميتها لن تستطيع أن تكون بديلا مطلقا لما تختزنه القلوب، ولذلك يتم استدعاء كل الأرصدة في لحظات النزاع الحرجة، ولعل الصدمة تصل ذروتها هنا، لأنه يتوقع كل طرف من الآخر، قلبه كبير، وأن ما حدث قد طواه الزمن، ولم يعد له أثر، والحقيقة أن الزمن معالج نفسي في بعده الأفقي، وهذا البعد الأفقي يسيرا تكونه، وإزالته في آن واحد، لكن ما تختزنه القلوب يلعب على الوتر العمودي، وهذا ليس بالأمر اليسير اقتلاعه، فاقتلاع الأعمدة يحدث كثيرا من التشققات الجانبية، ويؤثر بصورة مباشرة على كل الجوانب المحيطة، وبالتالي فالقلوب الكبيرة على الرغم من أهميتها في إيجاد مساحة للنور، إلا أن ما تختزنه - بناء على كبرها - يوجه دفتها في لحظات التصادم القاتلة حيث يتم استدعاء كامل الرصيد لتعزيز موقع الدفاع.
تحدث مغازلات كثيرة لاستمالة القلوب على أنها كبيرة، ولا يمكن أن تعصف بها الزلات الصغيرة، وينسى هؤلاء المغازلون أن الزلات الصغيرة لا تقف عند حد، بدءا من كلمة جارحة، غير محسوبة، أو موقف يراد منه «الفرفشة» وأحيانا حتى نظرة مصوبة تجاه حركة معينة، يجعل من اتساع القلوب ضيق وكدر، فلتهنأ القلوب الكبيرة إن استطاعت تجاوز معضلات حامليها.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني