أتفهم إلى حد بعيد فكرة أن يقتني شخص ما مقتدر ماديًا رقمًا أُحاديًا أو ثنائيًا أو ما يسمونه بالـ«المميز» لسيارته ويدفع من أجل ذلك مبلغًا خرافيًّا يكفي لبناء مجموعة منازل لفقراء مُعدمين.

كما أتفهم ما يُحرض هؤلاء على اللهاث وراء وهم الأرقام في زمن نحن بحاجة ماسة فيه إلى التبصر بالحاصل حولنا بعيدًا عن المظاهر والشكليات المدمرة.

أستوعب ذلك رغم قناعتي أنه لا مبرر ولا منطق يجيز ذلك التصرف لكن ما يصعب استيعابه أن يقوم شخص قليل الحيلة محدود الإمكانات بشراء رقم بسعر مرتفع لسيارة ربما قيمتها أقل بكثير من قيمة الرقم وما ذلك إلا ليُقال إنه يمتلك رقمًا جميلًا سهل القراءة مميزًا.

تُقبِلُ هذه الشريحة من الناس على تصيد الأرقام المتشابهة وشرائها اعتقادًا أنها تُبهر الآخرين.. تلفت أنظارهم.. تجلب الثناء.. لكن، أين هو التميز الذي يبحث عنه شخص يشتري رقمًا بقيمة عالية في الوقت الذي يعجز فيه عن الإيفاء بمتطلبات أسرته بل يبحث عمن يقترض منه قبل انتصاف الشهر؟!

ومما يدعو إلى الغرابة أن هُواة شراء وجمع الأرقام «المميزة» من محدودي الإمكانات يعرفون تمامًا أن ما يقومون به لا يعدو أن يكون سجن أموال طائلة في لوحات معدنية لا يُستفاد منها بل ربما تكون بوابة واسعة لدخولهم معمعة الديون خاصة إذا كانت ممولة من قِبل جهات إقراض لكنهم يواصلون عبثهم غير عابئين بما ستؤول إليه الأمور مستقبلًا.

أجزم أن الرقم المميز يشكل عبئا على صاحبه «المقتدر» فهو يجعله تحت المراقبة الدائمة ومُلاحقا من قبل من يعرفونه ومن لا يعرفونه.. أما محدود الدخل فمن المؤكد أن اهتمامه بمطاردة هذه الأرقام وشرائها سيُدخله عاجلًا أم آجلًا في دائرة الفقر ولن يكون لذلك الهوس معنى إلا إذا تحول إلى تجارة هدفها الكسب تقوم على شراء الأرقام وإعادة بيعها لتحقيق الاستفادة المادية المباشرة.

من يشتري رقمًا ليُلفت الانتباه ويستجدي الثناء والمديح مثله تمامًا كالذي يبني منزلًا ضخمًا تكلفته تفوق قدراته ليسمع من الزائر القريب والمار الغريب كلمات كـ«روعة» أو «يا سلام» ثم يمضي كلٌ في سبيله إلى غير رجعة فيما هو يُعاني الأمرّين.

النقطة الأخيرة..

يقول مارك توين: «القرارات الجيدة تأتي من الخبرة والخبرة تأتي من اتخاذ القرارات السيئة».

عُمر العبري كاتب عماني