العمانية: تُعد البيوت الأثرية العمانية معلما وشاهدا على عراقة التاريخ التي عكست براعة الهندسة المعمارية العمانية القديمة وتنوّع البيوت بأشكالها، وطرق بنائها، وفي المواد المستخدمة فيها بحسب المناخ السائد في تلك المنطقة.

ومن ضمن الموروث الأثري الذي حافظت عليه ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية "بيت الصفاة" الذي يُعد حسب المؤرخين العمانيين معلما أثريا يتميز بموقعه الفريد وسط البلدة القديمة وبجوار مسجد الصلف وبجانب مجموعة من البساتين وأشجار النخيل المثمرة وفلج الحارة.

وكان "بيت الصفاة" منطقةَ تجمعٍ علمية ودينية وتخرج منه الكثير من العلماء والمشايخ، ويعد دارا بجمال بنائه ومقصدا للسياح والباحثين والدارسين للعلوم الأثرية والتاريخ، ويحتوي على أكثر من 25 غرفة متفاوتة المساحة ويبلغ طوله حوالي 20 مترا وبابه الخشبي يزيد عمره على 400 عام وما زال صامدا بجمال نقوشه.

وبُني "بيت الصفاة" من الطين الممزوج بالتبن ومن الصاروج وبحسب المؤرخين العمانيين بني هذا البيت في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي -قيد الأرض- في حوالي عام 1655م، وأشرف على بنائه الشيخ العلّامة محمد بن يوسف العبري، وشُق بجانبه فلج الشريعة وكذلك تم تشييد بلدة مسفاة العبريين.

وكان الهدف من بناء البيت أن يكون مقرا لإدارة بلدة الحمراء، وليكون منطقة تجمع علمية ودينية وسُمي هذا المبنى بـ"بيت الصفاة"؛ لأنه بُني على صخرة مستوية ملساء كقاعدة له.

ومر هذا البيت بمراحل متعددة في تشييده أقدمها الجانب الشرقي الذي عاصر بناء حصن جبرين العريق وكان معلما للثقافة والعلم والفكر والأدب ومقرا للصلح والوفاق والحكمة على مدى قرون من الزمن.

ويُعد "بيت الصفاة" من البيوت الأثرية القديمة التي تتحدث عن ماضي الإنسان العماني وتصور صورة عن حضارة ثقافية ترسم تاريخا يتتبع في مسيرته معالم نهضة علمية وفكرية قديمة تفوح منها رائحة كفاح الإنسان العماني وسعيه للعلم، وتوضح جدرانه جانبا من العمارة بتداخل أجزائه كالسلالم والغرف والممرات والزخرفة في الأسقف ومرافقه.

وقد تم ترميم البيت في السنوات الماضية ويظهر حاليا وكأنه متحف حي بشكل رائع وتم ذلك باستخدام قطع أثرية قديمة ومفروشات تقليدية، ويعكس البناء حياة الإنسان العماني في بيوت الطين القديمة والأدوات المستخدمة في الحياة.

ويتميز بيت الصفاة بطراز معماري فريد بتعدد طوابقه وارتفاع بنيانه والزخرفة والنقوش على الجدران والأسقف والأبواب والإبداع في الهندسة المعمارية.

وقال راشد بن سيف العبري مدير "بيت الصفاة": إن البيت يتميز منذ القدم بعمارته الفريدة التي تمت على مراحل بناء متعاقبة، وقد تم ترميم البيت عدة مرات وأضيفت فيه غرف حسب مقتضيات الحاجة في ذلك الزمان.

وبين أن هذا البيت كان سكنا ومقرا لإدارة بلدة الحمراء وكانت فيه تُعقد الاجتماعات وتُتخذ القرارات وتخرّج منه علماء وقصده طلاب العلم.

وأضاف العبري إن "بيت الصفاة" أصبح الآن مقصدا سياحيا للزوار نظرا لما يتميز به من فن العمارة وتم تحويله حاليا إلى مقصد سياحي يعكس العادات والتقاليد العُمانية العريقة وتُقام فيه بعض المهن والحرف التي كانت تمارس في الماضي مثل الغزل والنسيج واستخراج بعض الزيوت المحلية كزيت الشوع والقفص، وكذلك يوجد به مكان مخصص لصناعة ماء الورد وأدوات منزلية قديمة وصناعات حرفية كالخزف والفخاريات والمنسوجات والسعفيات، موضحا أنّ الصناعات الصوفية والأدوات الزراعية الموجودة بـ"بيت الصفاة" تبرز للزوار مدى براعة الإنسان العماني في الاعتماد على ما تصنعه يده وما تنتجه أرضه.