(في ذكرى ميلاد القاص والروائي العماني الراحل عبدالعزيز الفارسي الذي يوافق 27 أغسطس 1976 ينشر «ملحق جريدة عمان الثقافي» نصا قصصيا للراحل بخط يده، وهو ينشر لأول مرة، وقد ذيله الكاتب بتاريخ الانتهاء من كتابته: 11 أغسطس 2019.
جدير بالذكر أن النص - كما يبدو من الصورة- بدون عنوان، والعنوان هنا من اختيار المحرر).
خلف الواجهة الزجاجية لمستشفى جورافينسكي للسرطان، خصصت الإدارة كراسيَ وثيرة يجلس عليها المرضى بحثا عن الدفء قبل وصول الفراغ القادم. ابتدأ الأمر بعجوز تسعينية جلبت عدة التريكو خاصتها واقتعدت الكرسي الأوسط. كانت تجلس في الصباح تتأمل الثلوج المتساقطة، وتضيف غُرزا ملونة جديدة.
يوم فارقت العجوز الحياة في الجناح رقم c3 كانت وصيتها الأخيرة للممرضة أن تترك العدة وقطعة القماش التي أنجزتها على الكرسي ذاته مع ورقة كتبت عليها بخط مرتعش: «أكملوها بقلوبكم».
وعلى مدى أشهر، تناوب على حياكة قطعة القماش العشرات؛ شيوخا وشبانا، إناثا وذكورا، لم يجمعهم قاسم مشترك إلا الجلوس على الكرسي نفسه.
تكريما للراحلين، قررت إدارة المستشفى تعليق قطعة القماش المحيكة على الجدار خلف الكرسي.
شغلت القطعة أنظار الزائرين، ليس بعدم تناسق ألوانها فحسب، ولكن أيضا لأنها حوت وجوها، وعيونا، وأذرعًا، وأرجلًا، وأسودا، وغزلانا، وحيتانا، وطيورا، وشموسا وأقمارا، ونجوما كثيرة، وجنانا ونيرانا غير منطفئة في فسيفساء مهيبة.
لم تضع الإدارة عنوانا للوحة كما جرت العادة، ولكن أحدًا، ولعله ممن قرر ترك كرسيه الأوسط لجالس جديد، كتب بخط مرتعش تحتها: «وجه الله».
مسقط 11/8/2019