عرض في آخر مارس الماضي على نتفليكس فيلم «حياة الماعز» للمخرج الهنديّ بليسي إيبي توماس، وأصل الفيلم رواية «أيام الماعز» للّروائيّ الهندي بنيامين، والصّادرة عام 2008م، ولقت انتشارًا كبيرًا، وأصل الرّواية أنّ عاملا مالايالاميّا اسمه «نجيب» ذهب كآلاف الهنود للعمل في دول الخليج، وجعل وجهته السّعوديّة، وتعرض لحادثة أشبه بالاختطاف من قبل شخص ادّعى أنّه كفيله، وأخذه إلى الصّحراء لرعي الأغنام والإبل، ويتم التّعامل معه تعاملا غير إنسانيّ، إذ جعله يعيش حياة الماعز، ويتمكن من الهروب بعد ثلاث سنوات، وفي الصّحراء يلتقي بصديقه حكيم الّذي جاء معه، وصاحبه إبراهيم من أصول إفريقيّة، بيد أنّ حكيمًا يموت في الطّريق بسبب العطش والجوع.
هذه الرّواية تحكي حالة فرديّة لها مثيلاتها أو قريب منها من «الاتّجار بالبشر»، ليس في السّعوديّة فحسب، بل في دول الخليج عموما، فهناك استغلال لنظام الكفيل من قبل بعض الأشخاص، وهناك اتّجار بالبشر باسم النّظام نفسه، وحادثة كورونا السّابقة كشفت عن هذه المآسي، وقد كتبتُ عنها شخصيّا، ولهذا قامت دول الخليج بإصلاحات تحمي العامل من هذا الاستغلال، وهذا لا يعني عدم وجود حالات إيجابيّة في التّعامل مع العمّال، وهي كثيرة حتّى على المستوى الأفقيّ الشّعبيّ، كما لا ينفي أيضا وجود حالات سلبيّة، والدّراما الخليجيّة ذاتها أشارت إلى جوانب من ذلك طيلة العقود السّابقة، كما لا يعني أيضا عدم وجود حالات سلبيّة كثيرة تسبّبها العمالة الوافدة ذاتها في الخليج، ومنهم من الهنود أنفسهم، حتّى جعلت بعض دول الخليج تعلّق السّماح لبعض الجاليات للعمل فيها بين فترة وأخرى.
عموما كما أسلفتُ هذه حالات طبيعيّة، استغل العديد منهم سابقا نظام الكفالة استغلالا سلبيّا، وللإنصاف العديد من الكتّاب والمثقفين والصّحفيين والإعلاميين من الخليجيين أنفسهم أثاروا هذا الموضوع قبل أن تتحدّث عنه رواية «أيام الماعز»، ولهذا وجدت في السّنوات الأخيرة ومنها في السّعوديّة ذاتها، كما هو الحال في عمان والإمارات وغيرها؛ العديد من الإصلاحات حول هذا الموضوع، ومع وجود هذه الإصلاحات لا يمنع من وجود حالات غير إنسانيّة، ومع هذا القانون يحمي العامل في مثل هذه الحالات.
الرّواية كأيّ رواية في العالم تثير قضيّة اجتماعيّة، قد لا تتجاوز الحالة الفرديّة، وقد يكون لها ما يماثلها أفقيّا من آثار سلبيّة وفق رؤية الكاتب، كما أنّ العديد من السّيناريوهات أو القصص والرّوايات الممثلة تحكي حالات سلبيّة، ومنها في الخليج، وفي السّعوديّة وعُمان، وتمثل في داخل البلد ذاته، ولا يعني هذا أنّ هذه هي صورة البلد، ولكن هذه هي رسالة الفنّ من حيث الأصالة، تعالج قضايا سياسيّة أو قانونيّة أو دينيّة أو اجتماعيّة أو تأريخيّة، ولكن لا يعني أيضا عدم استغلاله سلبًا من بعض السّياسات، أو لأغراض أيدلوجيّة أو إعلاميّة معينة، ولكن يدرس ويناقش في زاويته تلك من قبل النّقاد والمتخصّصين في ذلك.
ولمّا نأتي إلى فيلم «حياة الماعز»، نجده هنديًّا من حيث الحضور والإخراج والتّمثيل، ومن حيث المكان تتشارك فيه الأردن وصحراء الجزائر وكيرلا بالهند، ومن حيث الإنتاج فهو مشترك بين شركات هنديّة وأمريكيّة، ومن حيث التّمثيل فأغلب الممثلين وإن كانوا قلّة من الهند، وشارك فيه من عُمان طالب البلوشيّ بدور الكفيل، ومن الأردن عاكف نجم بدور المساعد، فهو يمثل حالات فرديّة في ذاتها، ومع هذا كان الضّجيج على عُمان ككل، وكأنّ عمان هي من كتبت الرّواية، وأعدّت السّيناريو، ودعمت الفيلم، وطاقمه جميعا عمانيون، ومثل في أرض عُمان، مع أنّ العمانيين غالبهم لم يدركوا الرّواية سلفا، ولا الفيلم لاحقا، ولولا هذا الضّجيج لن يلتفتوا إليه بالصّورة الكبيرة، فكيف يترك هذا كلّه كتابة ودعما وإنتاجا وإخراجا وتصويرا، ويجعل الضّجيج على عُمان، هذا لا يفسر إلّا بحالات على رأسها هناك من يحاول خلق صراع وهميّ بين دول الخليج ذاتها، ويسعى لخرابها، بدعوى نصرته لبعضها، في حين يشنّ هجوما شرسا على الأخرى، وهذا لجعل الشّعوب الخليجيّة يعمّها الكراهيّة وتخوين الآخر، ممّا يؤثر لاحقا على استقرارها واستثماراتها وتقدّمها، في حين نرجو أن يستقرّ الوطن العربيّ ذاته ككل، وأن ينتشر فيه الإحياء، ولكن هناك من يحاول أن يشعل الفساد والخراب لا الإحياء، ويجد رواجا عندما يكون العقل الجمعيّ سهل التّأثير عليه، وشغله عن قضاياه الرّئيسة.
وإذا كان الموضوع متعلّقا بالممثل العمانيّ - أي طالب البلوشيّ -، وقد مثل دورًا رئيسًا وهو الكفيل، فتجاوزًا للحالة الفنيّة؛ تبقى حالة فرديّة، كأيّ كاتب أو صحفيّ أو فنّان أو لاعب أو حتّى مواطن عاديّ مارس شيئًا من مواهبه، فتبقى القضيّة فرديّة لا علاقة لعُمان بها، على أنّ الفنّ عابر للجغرافيا والحدود لكونه إنسانيًّا من حيث الأصالة، ويعالج قضايا إنسانيّة، شأنه كشأن المعارف والعلوم الأخرى، والجدليّات النّقديّة ذاتها لا يمكن حصرها في زاوية ضيقة؛ لأنّها متعلّقة بالوجود والإنسان ذاته، ونقد بعض الزّوايا السّلبيّة لا يعني بحال الإساءة إلى المجتمع ككل. على أنّه أيضا من حقّ السّعوديين الاعتراض على الفيلم ونقده، مع إدراكي لو أنّ الفيلم كان عن حالة عمانيّة لأحدث ردّة فعل في الشّارع العمانيّ أيضا تماثل ما حدث في السّعوديّة من اعتراض، على أنّه علميّا أنّ العمل الفنيّ النّاجح هو الّذي يحدث ضجيجا، فالضّجيج هنا حالة صحيّة، ولكن الحالة غير الصّحيّة أن يستغل من قبل بعض المعرفات في نشر الفرقة والكراهيّة بين دول الخليج ذاتها، وأن يشنّ هجومًا غير أخلاقيّ وغير منصف على عُمان ككل، ويترك الفيلم كلّه دوليًّا وعالميًّا ليحصر في الفنان العمانيّ وفي عُمان، بعيدًا عن النّقد المنهجيّ والعلميّ المبنيّ على العدل والإنصاف.
هذه الرّواية تحكي حالة فرديّة لها مثيلاتها أو قريب منها من «الاتّجار بالبشر»، ليس في السّعوديّة فحسب، بل في دول الخليج عموما، فهناك استغلال لنظام الكفيل من قبل بعض الأشخاص، وهناك اتّجار بالبشر باسم النّظام نفسه، وحادثة كورونا السّابقة كشفت عن هذه المآسي، وقد كتبتُ عنها شخصيّا، ولهذا قامت دول الخليج بإصلاحات تحمي العامل من هذا الاستغلال، وهذا لا يعني عدم وجود حالات إيجابيّة في التّعامل مع العمّال، وهي كثيرة حتّى على المستوى الأفقيّ الشّعبيّ، كما لا ينفي أيضا وجود حالات سلبيّة، والدّراما الخليجيّة ذاتها أشارت إلى جوانب من ذلك طيلة العقود السّابقة، كما لا يعني أيضا عدم وجود حالات سلبيّة كثيرة تسبّبها العمالة الوافدة ذاتها في الخليج، ومنهم من الهنود أنفسهم، حتّى جعلت بعض دول الخليج تعلّق السّماح لبعض الجاليات للعمل فيها بين فترة وأخرى.
عموما كما أسلفتُ هذه حالات طبيعيّة، استغل العديد منهم سابقا نظام الكفالة استغلالا سلبيّا، وللإنصاف العديد من الكتّاب والمثقفين والصّحفيين والإعلاميين من الخليجيين أنفسهم أثاروا هذا الموضوع قبل أن تتحدّث عنه رواية «أيام الماعز»، ولهذا وجدت في السّنوات الأخيرة ومنها في السّعوديّة ذاتها، كما هو الحال في عمان والإمارات وغيرها؛ العديد من الإصلاحات حول هذا الموضوع، ومع وجود هذه الإصلاحات لا يمنع من وجود حالات غير إنسانيّة، ومع هذا القانون يحمي العامل في مثل هذه الحالات.
الرّواية كأيّ رواية في العالم تثير قضيّة اجتماعيّة، قد لا تتجاوز الحالة الفرديّة، وقد يكون لها ما يماثلها أفقيّا من آثار سلبيّة وفق رؤية الكاتب، كما أنّ العديد من السّيناريوهات أو القصص والرّوايات الممثلة تحكي حالات سلبيّة، ومنها في الخليج، وفي السّعوديّة وعُمان، وتمثل في داخل البلد ذاته، ولا يعني هذا أنّ هذه هي صورة البلد، ولكن هذه هي رسالة الفنّ من حيث الأصالة، تعالج قضايا سياسيّة أو قانونيّة أو دينيّة أو اجتماعيّة أو تأريخيّة، ولكن لا يعني أيضا عدم استغلاله سلبًا من بعض السّياسات، أو لأغراض أيدلوجيّة أو إعلاميّة معينة، ولكن يدرس ويناقش في زاويته تلك من قبل النّقاد والمتخصّصين في ذلك.
ولمّا نأتي إلى فيلم «حياة الماعز»، نجده هنديًّا من حيث الحضور والإخراج والتّمثيل، ومن حيث المكان تتشارك فيه الأردن وصحراء الجزائر وكيرلا بالهند، ومن حيث الإنتاج فهو مشترك بين شركات هنديّة وأمريكيّة، ومن حيث التّمثيل فأغلب الممثلين وإن كانوا قلّة من الهند، وشارك فيه من عُمان طالب البلوشيّ بدور الكفيل، ومن الأردن عاكف نجم بدور المساعد، فهو يمثل حالات فرديّة في ذاتها، ومع هذا كان الضّجيج على عُمان ككل، وكأنّ عمان هي من كتبت الرّواية، وأعدّت السّيناريو، ودعمت الفيلم، وطاقمه جميعا عمانيون، ومثل في أرض عُمان، مع أنّ العمانيين غالبهم لم يدركوا الرّواية سلفا، ولا الفيلم لاحقا، ولولا هذا الضّجيج لن يلتفتوا إليه بالصّورة الكبيرة، فكيف يترك هذا كلّه كتابة ودعما وإنتاجا وإخراجا وتصويرا، ويجعل الضّجيج على عُمان، هذا لا يفسر إلّا بحالات على رأسها هناك من يحاول خلق صراع وهميّ بين دول الخليج ذاتها، ويسعى لخرابها، بدعوى نصرته لبعضها، في حين يشنّ هجوما شرسا على الأخرى، وهذا لجعل الشّعوب الخليجيّة يعمّها الكراهيّة وتخوين الآخر، ممّا يؤثر لاحقا على استقرارها واستثماراتها وتقدّمها، في حين نرجو أن يستقرّ الوطن العربيّ ذاته ككل، وأن ينتشر فيه الإحياء، ولكن هناك من يحاول أن يشعل الفساد والخراب لا الإحياء، ويجد رواجا عندما يكون العقل الجمعيّ سهل التّأثير عليه، وشغله عن قضاياه الرّئيسة.
وإذا كان الموضوع متعلّقا بالممثل العمانيّ - أي طالب البلوشيّ -، وقد مثل دورًا رئيسًا وهو الكفيل، فتجاوزًا للحالة الفنيّة؛ تبقى حالة فرديّة، كأيّ كاتب أو صحفيّ أو فنّان أو لاعب أو حتّى مواطن عاديّ مارس شيئًا من مواهبه، فتبقى القضيّة فرديّة لا علاقة لعُمان بها، على أنّ الفنّ عابر للجغرافيا والحدود لكونه إنسانيًّا من حيث الأصالة، ويعالج قضايا إنسانيّة، شأنه كشأن المعارف والعلوم الأخرى، والجدليّات النّقديّة ذاتها لا يمكن حصرها في زاوية ضيقة؛ لأنّها متعلّقة بالوجود والإنسان ذاته، ونقد بعض الزّوايا السّلبيّة لا يعني بحال الإساءة إلى المجتمع ككل. على أنّه أيضا من حقّ السّعوديين الاعتراض على الفيلم ونقده، مع إدراكي لو أنّ الفيلم كان عن حالة عمانيّة لأحدث ردّة فعل في الشّارع العمانيّ أيضا تماثل ما حدث في السّعوديّة من اعتراض، على أنّه علميّا أنّ العمل الفنيّ النّاجح هو الّذي يحدث ضجيجا، فالضّجيج هنا حالة صحيّة، ولكن الحالة غير الصّحيّة أن يستغل من قبل بعض المعرفات في نشر الفرقة والكراهيّة بين دول الخليج ذاتها، وأن يشنّ هجومًا غير أخلاقيّ وغير منصف على عُمان ككل، ويترك الفيلم كلّه دوليًّا وعالميًّا ليحصر في الفنان العمانيّ وفي عُمان، بعيدًا عن النّقد المنهجيّ والعلميّ المبنيّ على العدل والإنصاف.