تقول إسرائيل كل يوم إنها لا تريد «حربا شاملة»، لكنها لا تفعل أي شيء من أجل تجنب وقوع هذه الحرب التي ستكون هي أكبر خاسر فيها. وغير معروف حتى الآن ما حدود هذه الحرب التي لا تريدها إسرائيل ولا تريدها أمريكا وعموم الغرب. فإن كانت إسرائيل تعني بالحرب الشاملة هي مواجهة مفتوحة مع حزب الله ومع إيران فإن ذلك يستدعي وقف أي شكل من أشكال العدوان ضد إيران وضد حزب الله وكذلك ضد كل جبهات المقاومة في منطقة الشرق الأوسط. وإذا كان العالم يعترف لإسرائيل بحق حماية نفسها والدفاع عنها فإن المنطق نفسه يعطي الآخرين نفس الحق الذي ما زالت إسرائيل تنتهكه وتستفز أصحابه. لا يمكن أن تمارس كل أشكال العدوان وتنتظر من الآخرين أن يمارسوا «أقصى درجات ضبط النفس» وفق ما يرد في البيانات الدبلوماسية. إن ضبط النفس لا يتحقق إلا عند شعورها بالاطمئنان وهذا ما لا يتحقق مع أفعال الاحتلال الإسرائيلي ضد دول الجوار المباشر أو غير المباشر في الشرق الأوسط.

جميع الدول العربية أيضا لا تريد حربا شاملة ولا حربا محدودة وتبحث كلها عن السلام الذي ما زال ضائعا منذ «كامب ديفيد» و«مدريد» و«أوسلو» وكلها اتفاقيات ملئت بخطابات السلام وأحلامه وأوهامه.. أمّا باب ضياع السلام فمفتوح من إسرائيل ليس فقط بوصفها دولة احتلال لم تفِ بأدنى وعود السلام ناهيك عن إقامة الدولة الفلسطينية التي هي جوهر القضية كلها، ولكن لأنها ما زالت تمارس كل أشكال العدوان والقتل والإبادة وجرائم الحرب والاغتيال دون توقف أبدا، الأمر الذي معه تجبر المقاومة الفلسطينية واللبنانية على الدفاع عن نفسها والبحث عن منافذ تنفس وإعادة القضية الجوهرية إلى الأمام كما حدث في السابع من أكتوبر. كما تجبر إيران على تغيير قواعد الاشتباك لتنتقل إلى استراتيجية المواجهة المباشرة.

بلغ أمس عدد شهداء غزة منذ بدء حرب أكتوبر أكثر من 40 ألف شهيد، وهذا عدد ضخم جدا في تاريخ المواجهات العربية الإسرائيلية لكنّ هذا العدد وإنْ زاد إلى أضعاف كثيرة فإنه لا يزعزع المقاومة، لأنها تدافع عن أرضها وعرضها وبقائها، وفي تاريخ مقاومة الشعوب لمحتلها لم يكن عدد الشهداء سببا لفتور المقاومة والجزائر خير دليل في ذلك، بل إن العكس هو الذي يحدث، فكلما كثرت الدماء وسالت على الأرض كلما كان موعد النصر قريبا، وضراوة المقاومة أكثر. ما يعني أن دولة الاحتلال بهذه الحرب الطويلة التي تقترب من العام الآن، وبكل هذه الدماء التي سالت إنما تعجل النهاية الحتمية التي تعرفها يقينا «لدولتها» المأزومة. وتزيد من حصارها مع من حولها، وتقلل فرص التطبيع التي كانت قد فرحت بها مع نهاية إدارة ترامب ضمن استراتيجية العلاقات الفردية مع الدول العربية.

إن المشهد العام في منطقة الشرق الأوسط يقترب كل يوم من حرب شاملة.. والحرب الشاملة لا تأتي دفعة واحدة وإنما تتشكل على مهل حتى لو كان لاندلاعها لحظة حاسمة لا بد منها.

وإذا وصلت الأمور إلى هذه اللحظة التي لا أحد يريدها فإن إسرائيل هي المسؤولة عن وصول المنطقة إلى اللحظة التي لا يكون فيها بد من الحرب «الشاملة». وتلك لحظة لا أحد يريدها ويسعى لها عدا إسرائيل.