ليس مستغربا أبدًا أن توافق الولايات المتحدة الأمريكية على واحدة من أكبر صفقات السلاح النوعية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن يستغرب ذلك فهو لا يعي مرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والتي تقوم على ضمان تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة، وهذا أمر حاسم جدًا لأمريكا، وهو كذلك للدول الغربية التي تؤمن بإسرائيل إيمانًا مطلقًا، وهذا الإيمان تشاركها فيه الدول التي تتعاطف مع القضية الفلسطينية وتلك التي اعترفت بإسرائيل؛ فإسرائيل بالنسبة لهم دولة لا جدال في حقها في الوجود حتى لو كان ذلك على أرض مغتصبة مثل الأرض الفلسطينية. وحتى الدول العربية لا تجادل اليوم في موضوع «وجود إسرائيل» فالمبادرة العربية تقر بوجودها وتعد بعلاقات عاملة معها شرط وجود دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

لكن المستغرب من الولايات المتحدة الأمريكية هو أنها لا تعترف بطريقة لحماية «إسرائيل» إلا طريقة إدامة الحرب والقتال وضخ المزيد من الأسلحة التي تزيد تطرف إسرائيل وغلوها واستهتارها بالقوانين الدولية والقيم الإنسانية، بينما بإمكانها أن تحمي إسرائيل بصناعة السلام الحقيقي ودعمه وبناء فكر جديد نحوه داخل إسرائيل وفي عمق الصهيونية العالمية، والدفع الحقيقي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

كل المعطيات التاريخية والآنية تؤكد أن إسرائيل دولة غير قابلة للاستمرار طويلا، الإسرائيليون أنفسهم يعرفون ذلك، يعرفونه بعيدًا عن موضوع لعنة الثمانين عامًا التي يتحدثون عنها في كتبهم، ولكنهم يقرأون المشهد الحقيقي في المنطقة ومعطياته ويعرفون حجم المأزق الذي تعيشه إسرائيل وإن بدت في نظر البعض أنها منتصرة وتملك من القوة المدعومة غربيًا الكثير ولكن هذا الأمر لا يخفي مأزقها الحقيقي وسط محيطها العربي وبالمعطيات التي تريد بها الصهيونية العالمية إدامة دولة «إسرائيل».

إن الأسلحة الجديدة التي وافقت عليها الولايات المتحدة لإسرائيل التي من بينها طائرات «F15EX» وهي من بين أكثر الطائرات هجومية وتقدما في العالم تزيد من حجم التوتر مع جيرانها وخاصة إيران التي ترى أن هذا التسلح موجه ضدها والأمر نفسه لحزب الله ويوصل رسالة للجميع أن لا أحد يريد سلاما في المنطقة.

وموضوع السلام شديد الالتباس في منطقة الشرق الأوسط، فهو المفردة الأكثر تداولا والأكثر نقاشا في السياق السياسي ولكنها الأكثر غيابا في التطبيق العملي، والأكثر غيابا أيضا في البناء الاستراتيجي لسياسات المنطقة، فلا أمريكا تريد سلاما عربيا مع إسرائيل، ولا فلسفة قيام إسرائيل تعترف بالسلام مع جيرانها ولا الدول المحيطة بإسرائيل تستطيع أن تنظر لإسرائيل في معزل عن كونها دولة احتلال وتنسى تأريخها الدموي مع العرب. وهنا يتضح حجم تعقيد الصراع العربي الإسرائيلي وكذلك حجم المأزق الإسرائيلي نفسه في قدرة هذه «الدولة» على البقاء طويلا.