لا يمكن تفسير المجزرة المروعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني فجر أمس في مدرسة "التابعين" بحي الدرج في قطاع غزة إلا أنها رد عملي على البيان الثلاثي المشترك الذي أصدره زعملاء ثلاث دول هي أمريكا ومصر وقطر، ورسالة واضحة للعالم الذي استنفر قواته خلال الأيام الماضية خشية وقوع حرب شاملة إثر توعد إيران وحزب الله بالرد القاسي على إسرائيل في أعقاب اغتيالها الغادر للشهيد إسماعيل هنية في قلب طهران والشهيد فؤاد شُكر القيادي في حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت. تضاف "مجزرة الفجر" إلى آلاف المجازر التي يرتكبها الاحتلال يوميا منذ السابع من اكتوبر الماضي والتي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 40 ألف شهيد وكلها مجتمعة تصنع مشهد الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي أمام مرأى ومسمع العالم في منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، القرن الذي قال قادة العالم الغربي قبل خمس سنوات ومن تحت قوس النصر في العاصمة الفرنسية باريس إنه لن يشهد مرة أخرى أي مجازر ضد الإنسانية.

لكن إسرائيل لا يعنيها كل ما يدور في العالم، تمارس وظيفتها في سفك دماء الفلسطينيين بدم بارد جدا، وتحتفل بعد كل مجزرة، ومن باب حفظ ماء الوجه أمام حلفائها الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة تكتفي بالتشكيك في عدد "القتلى" وتقول إن الرقم مبالغ فيه قليلا؛ فهي إن كان لها اهتمام فيما حدث فإن يتعلق بالأرقام فقط، فلا تريد رقما كبيرا يثير حفيظة البعض وتفضل أن تشكك في الرقم لينشغل العالم بمحاولة إثبات كلامها أو نفيه بينما القضية الأساسية وهي ارتكاب المجزرة باتت أمرا عاديا وفعلا مبرمجا بشكل يومي.

ولا يمكن فهم الحديث عن وقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى مع طرف يتفنن في جرائم الحرب اليومية ضد الفلسطينيين العزل، واستمراره في اغتيال القيادات الفلسطينية واللبنانية وقنص وتفجير الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة ولا دنب لهم إلا أنهم يتعتقون الكاميرات ونواقل الصوت!

إن سياسة الاحتلال واضحة ولا تخفى على أحد أبدا، وليس في جوهر هذه السياسة أي اهتمام بالسلام أو بالحوار أو بالتعايش ولذلك يبدو واضحا الآن أن العالم يضيع وقته، ويمنح إسرائيل فرصة أكبر لارتكاب مجازر يومية فيما يمكنه وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، أن توقف هذه الجرائم عبر موقف صارم وحاسم تجاه إسرائيل، وهذا الموقف، فيما لو حدث، ليس إكراما لأصدقائها العرب بل هو تعبير حقيقي عن القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية والتي يتحدث عنها الدستور الأمريكي وهي تعبير قبل ذلك وبعده عن القيم الإنسانية.

إن الأجيال القادمة في العالم أجمع ستشعر بالكثير من العار وستعيش أزمة في تاريخها الإنساني عندما تقرأ عن الصمت الغريب تجاه المجازر التي ترتكب بحق الإنسانية في قطاع غزة.. لا يمكن لتلك الأجيال أن تسامح أسلافها على هذا الصمت وعلى هذا الضوء الأخضر المفتوح للكيان الصهيوني ليرتكب مجازره بحق الأبرياء العزل.

وستكون اللحظة صعبة على العالم أجمع عندما يدرس حقيقة الحقد الذي يتشكل في نفوس الملايين من الذين يشاهدون أشلاء أخوانهم الفلسطينيين تجمع في أكياس بلاستيكية، ويرون حجم شكل جثث الأطفال، والجثث المتحللة، ويرون مشاهد التعذيب التي تستعيد أجواء سجن أبو غريب سيء السمعة في السياق الأمريكي.

هذه المشاهد المؤلمة والقاتلة هي التي تزرع بذور التطرف والعنف والكراهية ولكنها في الوقت نفسه هي التي توقد عزيمة التحرر والإصرار على دحر الاحتلال الإسرائيلي البغيض من على أرض فلسطين المحتلة.